تكنولوجيا

«ألتا فيستا».. ربع قرن على إطلاق رائد محركات البحث

قبل ربع قرن من الزمان، ظهر للحياة «ألتا فيستا» الذي يعتبر من أوائل محركات البحث عبر الإنترنت، والمثير أن هذا الموقع كان مجرد تطبيق عملي لقدرات شركة متخصصة في تصنيع أجهزة الخوادم. واليوم، بينما يقود غوغل عمليات البحث العالمية وبفارق كبير عن أقرب منافسيه، يجب ألّا ينسى أنه مدين بشكل كبير لأفكار «ألتا فيستا» التي كانت رائدة ومبتكرة ولا تزال محركات البحث تستخدمها حتى اليوم.

عندما ابتكر تيم بيرنز لي الويب للمرة الأولى، قام بتجميع مكتبة افتراضية للمواقع الموجودة على الإنترنت وقتها، كان هذا الدليل عبارة عن سجل يدوي لجميع مواقع الويب المنشورة، ووفر عدد من محركات البحث ما يمكن اعتباره الدليل المبكر لمحتوى الإنترنت، ولكن هذه الأدلة المبكرة التي تم تجميعها لم تصمد طويلاً لحظة انفجار شعبية الويب، ولم تكن هناك طريقة واضحة لمتابعة وتسجيل المواقع التي تظهر كل يوم بالآلاف.

اشتركت جميع محركات البحث أو الأدلة المبكرة في مشكلة واحدة، وهي اختلاف النتائج بينها جميعاً، مع عدم القدرة على العثور تلقائياً على مواقع الويب الجديدة، وكان W3Catalog هو أول محرك بحث يقوم تلقائياً بحصد بيانات المواقع وتنسيقها في قاعدة بيانات قابلة للبحث، ولكنه في الوقت نفسه اعتمد على أدلة أخرى لتنسيق قوائمه.

كانت الفرص مفتوحة على مصراعيها لأي منافس يمكن أن ينطلق ويقدم قاعدة بيانات بحث كاملة تعتمد في تجميعها على عمليات البحث الآلي، ولكن المفارقة أن محرك البحث الذي حقق هذه المهمة وملأ الفراغ فعل ذلك عن طريق الصدفة.

تأسس ألتا فيستا رسمياً عام 1995، على يد شركة «ديجيتال إكويبمنت»، وكان عبارة عن تطبيق عملي لقدرات أحد أجهزة الحاسب العملاقة -وقتها- الذي كانت ميزته الأساسية هي البحث في قواعد البيانات العملاقة بسرعة هائلة.

لويس مونيه، الباحث في معامل شركة ديجيتال قام بابتكار أول «عنكبوت» يتتبع مواقع الويب وهي الأداة التي حملت اسم سكوتر، وأكملت أول عملية تتبع كاملة لمواقع الويب في أغسطس 1995، حيث تمكنت من استعادة أكثر من 10 ملايين صفحة إلى فهرس ألتا فيستا البدائي.

وبشكل سريع، حقق ألتا فيستا نجاحاً كبيراً، حيث قام بفهرسة ما يزيد على 10 أضعاف الصفحات التي تتعامل معها محركات البحث البديلة، بالإضافة إلى إمكانية التحكم في النتائج، مع الوصول إلى ما لا يمكن الوصول إليه بأي طرق منافسة.

وفى بداية النجاح كانت هناك شكوك حول استمرار خدمات البحث بشكل مجاني، وتصور البعض أن الشركة ستطلب مقابلاً للاستفادة من خدمات محركها القوي، ولكن شركة ديجيتال حسمت الأمر باعتبار ألتا فيستا مجرد عرض توضيحي عملي على القدرات الهائلة التي توفرها أجهزة الخوادم الخاصة بها، وأن الهدف هو بيع أجهزة الخوادم.

ورغم ذلك، لم تقدر شركة ديجيتال بوضوح مدى شعبية المحرك، أو حب المستخدمين له، ففي يوم إطلاقه نهاية عام 1995 استقطب المحرك 300 ألف زائر، وبعد عام واحد كان يخدم 19 مليون زائر يومياً، وبحلول 1997 كان يستقطب 80 مليون زائر يومياً، وفي عام 1998 احتاجت الشركة لتوفير 20 جهاز خادم متعدد المعالجات لتنفيذ جميع عمليات استعلامات البحث التي تتلقاها يومياً.

لم تكن شعبية ألتا فيستا المتزايدة بسبب جودة نتائجها فقط، ولكنها كانت رائدة في هذا المجال وقدمت العديد من المميزات التي لم يفكر بها المنافسون، حيث كانت الأولى التي تسمح للمستخدمين بالبحث باستخدام لغة الكلام الطبيعية، كما كانت أول من يحاول إنشاء فهرس كامل للويب باستخدام بيانات محرك البحث الخاصة، بدلاً من استخدام دليل للقوائم أو النتائج الجزئية التي يتم تجميعها من مصادر مختلفة.

والأهم من ذلك، أن أداة سكوتر الخاصة به والتي كانت بمثابة العنكبوت الرقمي، كانت قادرة على أرشفة صفحات النص الكامل، مما يجعل ألتا فيستا أول قاعدة بيانات للنصوص الكاملة قابلة للبحث على الويب، وكان أول من أتاح البحث متعدد اللغات، بالإضافة إلى أنه أول من سمح للناس بالبحث عن الفيديو والصور والصوتيات، بالإضافة إلى النصوص، كما أنه أول من قدم أداة بمقدورها ترجمة موقع بأكمله.

ولكن النجاح السريع شهد أيضاً انهياراً سريعاً، منذ بدأت علاقة ألتا فيستا مع ياهو في عام 1996، عندما قدمت النتائج التكميلية لاستعلامات بوابة بحث ياهو، وكان التغير الأبرز هو بيع شركة ديجيتال إلى شركة كومباك في عام 1998 وتغيير العلامة التجارية لجميع أجهزة ديجيتال.

في الوقت نفسه قررت كومباك أن تنافس ياهو في مجال تخصصها، وحولت ألتا فيستا إلى بوابة ويب أكثر تعقيداً حيث تخلصت من نموذج البحث البسيط، واستبدلته بصفحة رئيسية مزدحمة بشكل متزايد، وأدى هذا الأمر إلى تشابه ألتا فيستا مع منافسيها مع بدء تحول المستخدمين تدريجياً إلى غوغل الوافد الجديد للملعب.

في عام 1999، تم شراء غالبية أسهم ألتا فيستا من الشركة مالكة محرك بحث ليكوس وقدرت قيمتها في الطرح الأول بمبلغ 2.3 مليار دولار، ولكن بحلول 2001 فشلت العملية وتم إلغاء الطرح، في الوقت الذي تجاوزت فيه شعبية «غوغل» نجاح ألتا فيستا حيث عالجت طلبات بحث أكثر من منافستها للمرة الأولى، وبدأت ألتا فيستا في التراجع عن تجربة البوابة المزدحمة والعودة لفكرة البحث البسيط ولكن بعد فوات الأوان.

تم شراء العلامة التجارية ألتا فيستا مرة أخرى عام 2003 من شركة أوفر تيرن مقابل 140 مليون دولار فقط، والتي استحوذت ياهو عليها بعد 4 أشهر حيث كانت بداية النهاية للاسم التاريخي، وتم استيعاب جميع تقنيات بحث ألتا فيستا داخل تقنيات ياهو بحلول عام 2011، وفي عام 2013 قامت ياهو بهدوء بإلغاء ألتا فيستا إلى الأبد. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى