الرئيس الفرنسي يُنهي القطيعة مع الجزائر ويعيد إطلاق العلاقات
بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، برفقة وفد كبير يضمّ 7 وزراء، أمس، زيارة رسمية للجزائر تستغرق 3 أيام، وتهدف إلى طيّ صفحة القطيعة و»إعادة بناء» علاقة لا تزال مثقلة بأعباء الماضي.
وبعد استقبال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لماكرون، اتجها إلى مقام الشهيد الذي يخلّد ذكرى حرب الاستقلال عن فرنسا (1954 – 1962)، قبل مأدبة عشاء في القصر الرئاسي.
وعدل كبير حاخامات فرنسا حاييم كورسيا الذي ولد أهله في الجزائر، في اللحظة الأخيرة عن المشاركة في الزيارة، بعدما أثبت فحص إصابته بـ «كوفيد -19».
وتعرّض كورسيا لحملة شتائم على شبكات التواصل في الساعات الـ 48 الماضية، كما انتقد رئيس حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي في الجزائر، عبدالرزاق مقري، زيارته غير المسبوقة للبلد.
وعازمًا على توجيه هذه الزيارة، نحو «الشباب والمستقبل»، يلتقي ماكرون أيضا رواد أعمال جزائريين شباب قبل أن يتوجه إلى وهران الواقعة في الغرب، وثاني مدن البلاد المشهورة بروح الحرية التي جسّدتها موسيقى الراي في الثمانينيات.
هذه الزيارة، التي تتزامن مع الذكرى الـ 60 لانتهاء الحرب وإعلان استقلال الجزائر عام 1962، هي الثانية لماكرون إلى الجزائر منذ توليه الرئاسة، بعد رحلته الأولى في ديسمبر 2017 مع بداية ولايته الأولى.
وقد بدت حينها العلاقات بين البلدين واعدة مع رئيس فرنسي شاب ولد بعد عام 1962، وتحرّر من ثقل التاريخ ووصف الاستعمار الفرنسي بأنه «جريمة ضد الإنسانية». لكن الآمال سرعان ما تلاشت مع صعوبة توفيق ذاكرة البلدين بعد 132 عامًا من الاستعمار والحرب الدموية ورحيل مليون فرنسي من الجزائر عام 1962.
وضاعف ماكرون المبادرات في ملف الذاكرة، معترفًا بمسؤولية الجيش الفرنسي عن مقتل عالم الرياضيات موريس أودين والمحامي الوطني علي بومنجل خلال «معركة الجزائر» عام 1957. واستنكر «الجرائم التي لا مبرر لها» خلال المذبحة التي تعرّض لها المتظاهرون الجزائريون في باريس في 17 أكتوبر 1961.
لكنّ الاعتذارات التي تنتظرها الجزائر عن الاستعمار لم تأتِ أبدا، مما أحبط مبادرات ماكرون وزاد سوء التفاهم، وتفاقمت القطيعة مع نشر تصريحات للرئيس الفرنسي في أكتوبر 2021 اتهم فيها «النظام السياسي العسكري» الجزائري بإنشاء «ريع للذاكرة»، وشكّك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار. ومذاك أعاد ماكرون الأمور إلى نصابها، وقرر الرئيسان إعادة الشراكة بين البلدين إلى مسارها الصحيح.
ومنذ اندلاع حرب أوكرانيا باتت الجزائر، وهي من أكبر 10 منتجين للغاز، مُحاورا مرغوبا للغاية للساعين لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي.
لكنّ فرنسا تؤكد أن غاز الجزائر «ليس موضوع الزيارة» وستناقش الوضع في مالي، بعد انسحاب الجيش الفرنسي وتزايد النفوذ الروسي في إفريقيا.
وستكون قضية التأشيرات في قلب النقاشات، بعد أن قرر ماكرون 2021 خفضها للنصف، في مواجهة إحجام الجزائر عن إعادة قبول رعاياها المرَّحلين من فرنسا.
في المقابل، لن يسلّط ماكرون الضوء على مسألة الذاكرة المعقّدة على ضفتَي البحر المتوسط، والتي تسببت بفقدانه تقدير كبير حظيَ به لدى الرأي العام الجزائري قبل توليه الرئاسة.
وأمام رؤساء وعمداء الجامعات، أعلن ماكرون إنشاء صندوق ابتكار تعليمي بنصف مليار دولار وتعهّد بزيادة رواتب المعلمين 10%.
من جهة أخرى، دعا وزير النقل كليم بون إلى توضيح ما إذا كانت شركة توتال إنرجيز الفرنسية للنفط متورطة في تزويد الجيش الروسي بوقود الطائرات المقاتلة في إطار مشروع محلي مشترك.