وفاة أشهر مزور عملات في العالم
كان رد فعل مزور العملات العتيد، لويس كولافيتشو، غريبا عندما اعتقله عملاء الخدمة السرية وقوات شرطة نيوجيرسي في «قصر القيصر» في «أتلانتيك سيتي» عام 1966 إذ انتابته نوبة من الضحك الهستيري.
كانت سيارته «هوندا» الحمراء المحملة بما يقرب من 800 رطل من عملات ماكينات القمار المزيفة عالية الجودة قد شقت طريقها بسهولة إلى مرأب انتظار السيارات في كازينو القمار بفضل تعديلات أجراها على صندوقها الخلفي. لكن سيارة الشرطة طراز «بويك» التي نُقل إلى صندوقها الحمولة ذاتها لم تكن محظوظة على الإطلاق.
تحت وطأة حمولتها الثقيلة من العملات المعدنية، سقط الجزء الخلفي من سيارة الشرطة عندما اصطدمت بحاجز السرعة ليسقط كاتم الصوت وأنبوب العادم. وبحسب ما دون في مذكرات المزور الكبير التي خرجت تحت عنوان «أكثر من مجرد مغامرات لأكبر مزور في العالم» التي صدرت عام 2015 فقد قهقه كولافيتشو بصوت عال فيما كان يجلس في المقعد الخلفي بسبب سوء حظ الجندي قائد السيارة.
بالنسبة للسيد كولافيتشو، الذي كان يُعرف باسم «ذا كوين»، أو العملة، كانت تلك الحادثة واحدة من سلسلة من المغامرات والمشاريع الإجرامية التي لفتت انتباه رجال إنفاذ القانون وعمال كازينوهات القمار في كل مكان، وكانت سببا في بداية صداقة نادرة بين المزور العتيد ومحقق الشرطة.
توفي كولافيتشو في 6 يوليو (تموز) عن عمر 78 عاما في منزل ابنته سوزان تاغليانيتي في «كرانستون»، بحسب صديقه والمؤلف المشارك للمذكرات أندي تيبو الذي أكد نبأ الوفاة. رغم أنه لم يذكر سببها، فقد كان كولافيتشو تحت رعاية صحية وقد أظهرت سجلات المحكمة أنه كان مصابا بالخرف ومرض الانسداد الرئوي المزمن وارتفاع ضغط الدم.
توفي كولافيتشو بعد أسابيع قليلة فقط من موافقة قاضٍ فيدرالي على إطلاق سراحه من المركز الطبي الفيدرالي في «بوتنر» بولاية «نورث كارولاينا»، وهو سجن للنزلاء ذوي الاحتياجات الصحية الخاصة، حيث كان يقضي عقوبة 15 شهراً بتهمة التزييف.
كان عمل كولافيتشو، الحرفي وصانع المجوهرات السابق، مقتصرا على إنتاج عملات معدنية مقلدة لماكينة القمار. كانت القطع النقدية التي يصنعها متقنة للغاية في دقة تفاصيلها لدرجة أنه حتى الكثير من المسؤولين الفيدراليين وعمال الكازينو وجدوا صعوبة في تمييزها عن العملات الحقيقية تحت المجهر.
قال تيبو: «لقد كان شخصا رائعا. حتى كإنسان كان شخصا رائعا رغم أنني لم أعرف مجمل حياة لويس».
وبحسب صديقة طفولته ماري آن سورينتينو في مقال رأي بصحيفة «بروفيدنس جورنال»، فقد ولد كولافيتشو في الأول من يناير (كانون الثاني) 1942 وقضى جزءاً من حياته المبكرة في منطقة «إرويك»، وحصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من كلية «بروفيدنس» عام 1964، وأظهرت سجلات المحكمة أنه التحق في سبتمبر (أيلول) 2015 بـ«كلية المجتمع» في «رود آيلاند».
وذكر سورينتينو أنه نشأ مع أخت وشقيق أصبح لاحقا مبشراً. وقال فرانز دوسكي، صديقه والمؤلف المشارك الآخر في مذكراته، إن مسؤولي الكازينو شعروا في الغالب بحرج من الاعتراف بأن كولافيتشو قد خدعهم. وذكرت وكالة أنباء «أسوشيتد برس» أنه قد منع من دخول جميع كازينوهات البلاد، لكنه رغم ذلك تمكن من التنكر والدخول إلى هذه الأماكن.
رغم أن سجلات المحكمة المتاحة لم تعط صورة كاملة، فإنها أظهرت أن كولافيتشو واجه سلسلة من التهم على مدى عقود، بما في ذلك الاحتيال المصرفي والرهن العقاري والتأمين. لكن التزييف كان تخصصه الرئيسي.
في عام 1997 حُكم عليه بالسجن 27 شهراً بسبب عملات الكازينو المزيفة الخاصة، وفي عام 2019 حُكم عليه بالسجن لمدة 15 شهراً، لكن هذه المرة لتزييفه آلاف العملات الورقية فئة 100 دولار.
وتعليقا عل الفترة التي قضاها في السجن، قال دوسي في مقابلة هاتفية: «يسمونه معهد إصلاح لكنهم لم يصلحوا من سلوكه».
كانت جميع أعمال السيد كولافيتشو دقيقة وكان يستطيع العمل وحده تحت المجهر لأيام كلها رغبة في خداع الحكومة الفيدرالية والكازينوهات. لم يكن عمله يحتمل الخطأ، فكل خط ولون يضعه كان مثالياً.
وكتب كولافيتشو في مذكراته يقول: «كان صنع القطع المزيفة يروق لي بشكل لا أستطيع تفسيره»، فيما قال جيري لونغو، رقيب متقاعد بشرطة ولاية كونيتيكت، إنه كان «يفعل ذلك للمتعة».
استطرد لونغو قائلا إن كولافيتشو قد أتقن حرفته غير المشروعة على مدار أربع سنوات، حيث صنع الآلاف من العملات المميزة لـ36 كازينو قمار وإنه في مرحلة ما طلبت وزارة الخزانة الأميركية الاستعانة بخبرته. ووفقا لسجلات المحكمة، فقد دفعت له الوزارة 18 ألف دولار بعد إطلاق سراحه من السجن الفيدرالي في عام 2000 لأن أصباغه التي كان يستخدمها كانت تفوق في استدامتها ما تستخدمه دار صك العملات الأميركية.
وأضاف لونغو أن تقديرات المسؤولين الفيدراليين لما قام كولافيتشو بتزييفه في الكازينوهات التي تعامل معها كانت تخمينية، لكنها ربما تقدر بعدة ملايين من الدولارات.
وأشار المحقق إلى أنه أثناء تحقيقه في قضية كولافيتشو كان بإمكانه أن يرى من مكتبه في «ميريديان» بمنطقة كونيتيكت المجمع الصناعي حيث اشترى كولافيتشو مواد لعملاته المعدنية.
استطرد لونغو قائلا إن عملاته كانت بارعة لأنه كان يسحق النسخ الأصلية ليحصل على تحليل دقيق لمكوناتها وإنه اشترى المواد ومطبعة وقام بصنع قوالب وعملية النسخ باستخدام قالب قطع بالليزر. وأضاف لونغو أن «الأمر أشبه بدخول دار صك العملة الأميركية في عطلة نهاية الأسبوع وطباعة أموالك والمغادرة».
وقال لونغو إنه أقام صداقه مع كولافيتشو بعد أن سلم نفسه لشرطة الولاية. وأشار إلى أن كولافيتشو جاء مع محاميه معتقداً أنه سيجبر على الوقوف إلى جوار الحائط كما يحدث مع غيره. لكن ما حدث كان مختلفا حيث قدم له الكعك قائلا: «هل تحب الكعك؟ رد عليه الرجل قائلا: أحب الكعك» ثم أخذ بصماته قبل أن يناوله طبق الكعك والقهوة.
أرسل كولافيتشو في وقت لاحق ببطاقة عيد الميلاد إلى لونغو، دون عليها عبارة «عيد ميلاد سعيد. كنت أحد الأخيار».
بات الاثنان أقرب خلال جولة قاما بها في الكلية للترويج لكتاب عن سيرة كولافيتشو. كتب لونغو مقدمة الكتاب، وقال إن العلاقة كانت مثل العلاقة بين زميلين في المدرسة الثانوية التقيا لاحقا بعد سنوات.
اختتم لونغو قائلا: «كنت أعلم أنه لن يتخلى عن أسلوب حياته. وأنا كذلك لم أكن لأتخلى عن أسلوب حياتي».
المصدر: الشرق الأوسط