أساتذة كلية الصحة العامة يعملون على دمج نماذج رياضية حديثة مع برامج الذكاء الاصطناعي لتطوير أنظمة التقصي الوبائي

أفاد الأستاذ المشارك والقائم بأعمال رئيس قسم علم الأوبئة والإحصاء الحيوي في كلية الصحة العامة بجامعة الكويت د. وليد العلي أن تقارير منظمة الصحة العالمية أشارت إلى أول حالات فيروس كورونا المستجد ظهرت في أشخاص كانوا قد زاروا سوقاً شعبياً للأغذية في مقاطعة ووهان بالصين، والذي اختص ببيع أنواع كثيرة من الحيوانات البرية والمستأنسة سواء كانت حية أو مذبوحة للاستهلاك الآدمي.

وأشار إلى أن هناك دراسة علمية أولية تفترض تمازجاً جينياً حصل في الطبيعة بين فصائل الكورونا التي تصيب الخفافيش من جهة والثعابين من جهة أخرى وحدث في بيئة السوق نتيجة لتخالط الحيوانات مما كوّن بؤرة وبائية نقلت الفيروس للبشر، مؤكداً في الوقت ذاته أنه لم يتم إثبات أصول نشأة الفيروس حتى الآن.

وأضاف د.العلي أن حالات الإصابة في تصاعد في الصين، مع محدودية لانتشاره في الدول الأخرى- ومن ضمنها دولة الكويت – التي أصبحت في حالة ترقب وتأهب على مدار الساعة من خلال التطبيقات الصارمة لإجراءات الوقاية والاحتواء ضد المرض والتي تتضمن تطبيق برامج الصحة العامة الطارئة والمختصة في مكافحة واحتواء الوباء وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، وهناك جهوداً كبيرة حاليا تبذل لتطوير تطعيمات ضد الفيروس ولكن بحاجة إلى وقت ليتم تجربتها وتقييمها قبل استخدامها بشكل رسمي.

وعن دور الصحة العامة بهذا الصدد، أوضح د.وليد العلي أنها تكمن في التقصي الوبائي للمرض وإجراء الدراسات والأبحاث لإدراك مسببات وأبعاد المرض ومن ثم نشر طرق التوعية وسبل الوقاية.

وبين أن كلية الصحة العامة بمركز العلوم الطبية في جامعة الكويت تتميز عن مثيلاتها باحتوائها على خبرات أكاديمية في مجالات الصحة الوقائية وعلوم الأوبئة الحديثة والأمراض المعدية والصحة الموحدة، كاشفاً أن بعض أعضاء هيئة التدريس يقومون حالياً على عدة أنشطة بحثية وتوعوية في المجالات السابق ذكرها من خلال استخدام النماذج الرياضية الحديثة والذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمة للتقصي الوبائي بالتعاون مع مؤسسات أكاديمية عالمية مرموقة.

ومن جهته أوضح الأستاذ المساعد بنفس القسم د.محمد الخميس أن الدراسات والحسابات الأولية لقوة انتشار فيروس كورونا المستجد Covid-19 بينت أن كل حالة أصيبت بالمرض يمكنها أن تنشر العدوى إلى حالتين وحتى سبع حالات، وأن إجراءات العزل والتعقب الوبائي للمصابين بأعراض المرض قد لا تكون كافية لمكافحة انتشار الفيروس، منوهاً أن عدوانية هذا الفيروس تعد أقل بكثير من فيروسا الإيبولا وانفلونزا الخنازير حيث أن معدل الوفيات التي تسبب بها المرض لم تتعدى 3%.

وبيّن أن الفيروس المستجد ما هو إلا جزء من زمرة واسعة من فيروسات الكورونا، حيث أن هناك فصائل شديدة العدوانية مثل مرض السارس الذي ظهر عام 2003، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية التي ظهرت في المملكة العربية السعودية، وأسفرت عن معدل وفيات بلغ 34% والذي استوطن منطقة الخليج وتبلغ معدلات الإصابة شخصاً أو شخصين أسبوعيا حتى يومنا هذا.

واتفق د. الخميس مع د. وليد العلي على صعوبة وتعقيد أسباب ظهور مثل هذه الفيروسات، مؤكداً صعوبة اختصاره في عدة دراسات أو تعقبها عن طريق الحملات الاعتيادية للتقصي الوبائي التي لن تساعد بوقف انتشار المرض بشكل كبير، لأن نشأة تلك الفيروسات تعتمد على عوامل ناتجة من تفاعل البيئة والحيوانات والبشر، ومن هنا نشأ مفهوم الصحة الموحدة الذي ينص على أن صحة الانسان والحيوان والبيئة مترابطة ولا يمكن الفصل بينهما، وهنا يأتي التحدي الكبير في كيفية تطوير نظم تقصي وبائية جديدة قادرة على تغطية جميع جوانب التفاعل الطبيعي المعقد بين الإنسان والحيوان والبيئة.

واستدل د.الخميس في تصريحه بدراسات عدة بيّنت أن نشوء وظهور أمراض معدية فتاكة مثل فيروسات الايبولا والايدز كان سببها توسع البنية السكانية على حساب إزالة الغابات التي يعيش فيها الفيروس بشكل خامل في الحيوانات البرية، التي ازداد اتصالها بالإنسان سواء عن طريق اللمس أو الأكل، الأمر الذي سبب طفرة جينية للفيروس ساعدته على انتقاله من محيطه الطبيعي إلى الانسان.

وأشار إلى أن دمج مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في منظومة الصحة العامة، ساهمت بتحسين تحسين أداء أنظمة التقصي الوبائي، حيث أن هذه المجالات تعتمد بشكل كبير على أدوات النمذجة الرياضية والذكاء الاصطناعي وتوفر الطاقة الحاسوبية، مؤيداً حديثه باحتواء انتشار فيروس الايبولا في عام 2014، والذي يعد أكبر دليل على نجاح دمج النمذجة الرياضية والذكاء الاصطناعي في أنظمة التقصي الوبائي، حيث ساعدت النماذج الرياضية على فهم ديناميكية انتشار العدوى وتنبئت بمعدل الوفيات وتقييم أداء إجراءات الاحتواء والوقاية، وكذلك باستخدام المعلومات الجينية الجزئية للفيروس مع معلومات خصائص المرضى وسلوكهم والطقس المصاحب والبيئة المحيطة، مما مكن النماذج الرياضية من محاكاة سيناريوهات لسرعة لانتشار العدوى و التنبؤ بوقوعها في الزمان والمكان بشكل دقيق، بل والتعرف على الموقع الجغرافي لأول مريض اصيب بالعدوى وساعد بانتشارها في إقليم غرب القارة الافريقية، الأمر الذي ساعد على احتواء انتشار المرض ومحاصرته.

Exit mobile version