ألغاز وحلقات مفقودة.. ومازال البحث عن منشأ كورونا مستمرا!

منذ بداية انتشار الوباء الذي يسببه فيروس كورونا، جرى تداول العديد من الفرضيات حول أصول كوفيد، ولكن ما زال هناك العديد من الأمور المجهولة التي لا تخلو من تعقيد بسبب الرهانات الجيوسياسية الكبيرة ويستغلها مروجو نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة.

وقد تسبب فيروس كورونا بوفاة 3,681,985 شخصا في العالم منذ أبلغ مكتب منظمة الصحة العالمية في الصين عن ظهور المرض نهاية ديسمبر 2019.

وتأكدت إصابة أكثر من 171,096,690 شخصًا بالفيروس منذ ظهوره. وتعافت الغالبية العظمى من المصابين رغم أن البعض استمر في الشعور بالأعراض بعد أسابيع أو حتى أشهر.

وتستند الأرقام إلى التقارير اليومية الصادرة عن السلطات الصحية في كل بلد وتستثني المراجعات اللاحقة من قبل الوكالات الإحصائية التي تشير إلى أعداد وفيات أكبر بكثير.

منشأ الفيروس

وعودة إلى منشأ الفيروس، فإن تحديد كيفية انتقال الفيروس إلى البشر يعتبر أمرًا حاسمًا في محاولة منع حدوث جائحة تالية.

فعلى وجه السرعة، أشار العلماء إلى الخفاش كمصدر للفيروس لكنهم قدروا أن سارس-كوف-2 لابد أنه مر عبر نوع آخر قبل أن يصل إلى البشر.

ودارت الشبهات حول آكل النمل، وهو من الحيوانات البرية التي تُباع حية في سوق ووهان وترتبط بها معظم الحالات الأولى المعروفة لكوفيد-19. ولكن لا يوجد ما يؤكد ذلك إلى اليوم.

كُلف فريق مشترك من خبراء منظمة الصحة العالمية وعلماء صينيين بتقصي الأمر في الموقع في يناير 2021 وتوضيح مسألة منشأ الفيروس، لكنه لم ينجح في تحديد هذه الحلقة المفقودة. وذكر العلماء حيوانات أخرى مثل المنك أو النمس الغرير.

نظرية الفيروس المركب في المختبر

منذ البداية، ظهرت فرضيات تقول إن الفيروس لم ينتقل إلى البشر بشكل طبيعي وإنما تم تركيبه في مختبر في ووهان أو أنه تسرب منه، وهو ما تنفيه بكين تمامًا.

انتشرت فكرة تسرب الفيروس من المختبر على نطاق واسع على الشبكات الاجتماعية وكررها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب. وأدى ذلك إلى ظهور فرضيات ذهبت إلى القول بأن الفيروس صُنع في المختبر وسُرب على نحو متعمد.

وادعت منشورات يصعب حصرها على الإنترنت أن لديها “أدلة” على أن فيروس سارس-كوف-2 تم تصنيعه بل حصل على براءة اختراع، في حين أن براءات الاختراع هذه تتعلق في الواقع بأبحاث على صلة بفيروسات كورونا أخرى.

وانتشرت أيضًا فكرة وجود فيروس يحتوي على أجزاء من مسببات أخرى للمرض، وهي فرضية رفضها عدد كبير من العلماء الذين أوضحوا أن التلاعب الجيني لو تم لأمكن اكتشافه في جينوم سارس-كوف-2.

يؤكد البروفيسور أوليفييه شوارتز، من معهد باستور الفرنسي أن “لا أساس على الإطلاق.. لنظريات المؤامرة التي تقول إن في جينوم فيروس كورونا توجد سلاسل فيروسات أخرى مثل فيروس نقص المناعة البشرية، وأن هذا دليل على التلاعب”.

ويقول العلماء والسلطات إنه لا يوجد دليل حتى الآن على التلاعب بالفيروس أو بأنه فيروس مُركَّب.

التسرب من المختبر

يجري منذ عدة أسابيع تداول فرضية تقول إن منشأ الوباء فيروس طبيعي – أخذ من خفاش على سبيل المثال – ثم تسرّب من المختبر. وعلى الرغم من صعوبة التحقق من مثل هذه الفرضية ومن عدم وجود أدلة جديدة تدعمها، تتزايد الدعوات لإجراء مزيد من التحقيقات.

وخلص التحقيق الذي أجرته منظمة الصحة العالمية وعلماء صينيون إلى أن هذه الفرضية “غير محتملة إلى حد بعيد”، لكن رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس دعا مع ذلك إلى إجراء تحقيق جديد وتحدث عن الصعوبات التي يواجهها الخبراء الدوليون للتحقيق على أرض الواقع.

وحذا العديد من الدول الغربية حذوه.

ففي منتصف مايو، دعا نحو 15 خبيرًا في مقال نُشر في مجلة “ساينس” Science العلمية إلى التحقيق في فرضية التسرب من “المختبر”.

وقالوا إن فرضيتي المنشأ الحيواني أو العرضي في المختبر “كلاهما ممكنتان (لكنهما) لم توليا الاعتبار الذي تستحقانه”.

ويقول عالم المناعة الأميركي ومستشار البيت الأبيض أنتوني فاوتشي: “يجب أن نواصل التقصي”، لأنه حتى وإن كان “الكثير منا يعتقدون أن الأرجح أن ما حدث طبيعي (…) فليست لدينا إجابة وافية بنسبة 100%”.

حتى الآن، لا يوجد دليل يدعم فرضية التسرب من المختبر، ولكن كما قال في نهاية عام 2020 عالم الفيروسات إيتيان ديكرولي، من المعهد الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية: “طالما لم نعثر على المضيف الوسيط، لا يمكن.. استبعاد هذه الفرضية”.

ويقول أوليفيه شوارتز اليوم إنه “لا يوجد عنصر مادي جديد يرجّح كفة الميزان في اتجاه أو في آخر”، لكنه يذكر بأن الانتقال “الطبيعي” هو “الأكثر منطقية”.

الدبلوماسية والجغرافيا السياسية

يزداد هذا الموضوع تعقيدًا نظرًا لتداخله مع رهانات جيوسياسية، لا سيما بين بكين وواشنطن اللتين لهما كل المصلحة في إلقاء اللوم كل منهما على الأخرى في هذه الأزمة.

وسواء تعلق الأمر بمنشأ كوفيد-19 أو باللحظة التي اختارت فيها تنبيه منظمة الصحة العالمية أو بشكل عام إدارتها للوباء في مراحله الأولى، تتهم الدول الغربية الصين بإخفاء معلومات. فقد شكت منظمة الصحة العالمية الجمعة من التدخلات السياسية العديدة في الموضوع.

فعلى خلفية توترات دبلوماسية حادة مع الصين أكد دونالد ترمب في ربيع عام 2020 أن الفيروس تسرب من مختبر في ووهان. وردت بكين بهجوم مضاد قائلة إن الفيروس تسرب من مختبر.. أميركي.

وفي يناير 2021 ، قبل رحيل ترمب، أعلنت الاستخبارات الأميركية أن باحثين من مختبر ووهان ظهرت عليهما قبل ديسمبر 2019 “أعراض متوافقة” مع كوفيد، ولكن أيضًا مع أعراض “عدوى موسمية” روتينية.

وفي منتصف أبريل، أكد مسؤولون عدم استبعاد الفرضية، دون ذكر أي دليل أو عناصر جديدة. وقالت مديرة المخابرات الأميركية أفريل هاينز إن “المخابرات لا تعرف بالضبط أين ومتى وكيف انتقل الفيروس المسبب لكوفيد-19 في الأساس”، مشيرة إلى الفرضيتين، الطبيعية والعرضية، وأضافت “ما زلنا هنا”.

وفي الأسبوع الماضي، أمهل الرئيس الأميركي جو بايدن أجهزة الاستخبارات 3 أشهر للتوصل إلى نتائج. حتى وإن كان يرى أن استحالة التوجه إلى الموقع في بداية 2020 “سيظل يعيق أي تحقيق”.

ويقول العديد من الخبراء إن لا شيء يشير إلى أننا سنجد الإجابة.

فيما قالت منظمة الصحة العالمية “إن كيفية دخول فيروس جديد إلى المجتمع البشري هو أحد أكبر الألغاز التي يمكن أن يأمل أي عالم أوبئة في حلها”.

 

 

Exit mobile version