يقول العبيدي (28 عاماً) من أمام ملعب للتنس يحمل اسم أنس جابر تكريماً لها في “نادي حمّام سوسة” (شرق)، حيث أمسكت البطلة المضرب لأوّل مرة “أتذكر أننا كنا نلقبها روجيه فيدرر” نسبة إلى أسطورة التنس السويسري”.
تابع “واجهتها خلال التدريبات، فرمت كرة ساقطة حاولت اللحاق بها لكني سقطت وكُسرت يدي”. منذ ذلك التاريخ “تلقبني بالخبيزة (باللهجة التونسية تعني المغلوب)”.
كانت بداية أنس في محافظة سوسة الساحلية شرق البلاد في ملاعب على ملك فنادق في المنطقة السياحية، ثم انتقلت إلى ملعب “نادي حمّام سوسة” في ذات المحافظة. حينها اكتشف مدربها نبيل مليكة موهبة فريدة بشخصية “تحاول ان تكون المتميزة” على بقية رفاقها من البنات والأولاد كذلك.
وحققت جابر (27 عاماً) أخيراً أعلى تصنيف للاعبة عربية وأفريقية في تصنيف رابطة المحترفات “دبليو تي إيه” لكرة المضرب، بعد حلولها وصيفة للبولندية إيغا شفيونتيك.
كتبت التاريخ في ويمبلدون الأربعاء بكونها أول العرب الواصلين إلى نصف نهائي بطولة كبرى، حيث تلاقي الخميس “صديقتها” الألمانية تاتيانا ماريا العائدة من الإنجاب للمرة الثانية.
وتقدّم جابر، أول عربية دخلت لائحة العشر الأوليات في العالم العام الماضي، هذا العام مستويات مميزة، وذلك باحرازها هذا الموسم لقب دورة مدريد قبل أن ترفع كأس دورة برلين على الملاعب العشبية محققة ثالث لقب في مسيرتها الاحترافية، قبل أن تنطلق بطولة ويمبلدون.
يقول مليكة (55 عاماً) والذي رافق جابر في التدريب طوال عشر سنوات ولا يزال متشبثاً بتدريب البراعم في ذات النادي “كانت لها قدرات تحكم كبيرة في الكرة، حتى أن مدربين آخرين حاولوا استقطابها لكرة اليد، وفعلاً فكّرت أنس بجدية في تغيير اختصاصها لكن تمسّكت ببقائها في رياضة التنس”.
تغطي صور جابر جدران ملاعب نادي حمّام سوسة الذي خطت فيه أولى خطواتها في عالم الكرة الصفراء. يتدرّب العشرات من الأطفال ويقلّدونها حتى في طريقة صرختها عندما تضرب ارسالاتها خلال منافساتها.
وُلدت أنس أو “وزيرة السعادة” كما يلقّبها التونسيون في مدينة قصر هلال (شرق)، في عائلة تتكون من شابين وفتاتين هي أصغرهم.
شدّت أنس الأنظار إليها منذ فوزها ببطولة فرنسا المفتوحة رولان غاروس لدى الناشئات في العام 2011 وهي في عمر السادسة عشرة. لكنها خرجت مبكراً من هذه الدورة في نسختها السابقة وصرّحت آنذاك “من الواضح أنني كنت أتوقع أفضل لكننا نقول رب ضارة نافعة، خسارة اليوم ربما تبشر بشيء جيد في المستقبل”.
انتقلت جابر في سن الـ12 إلى العاصمة تونس للتدرّب في المعهد الرياضي بالمنزه (حكومي يضم نخبة الرياضيين) لتبدأ مشواراً جديداً في حياتها. كان يرافقها آنذاك عمر العبيدي وهو لاعب تنس محترف ويدرّب حالياً هذا الاختصاص في نادي حمّام سوسة.
يفتح مليكة هاتفه الجوّال ويتمعّن في صور قديمة لجابر حين كان عمرها 12 عاماً يحتفظ بها إلى اليوم، ويظهرها خلال حصص التدريب لبعض اللاعبات الصغيرات ليحثهن على انه “ما من مستحيل، كانت شعلة من الحماس وكثيرة الحركة تحاول دوماً أن تظهر انها الأفضل في التحكّم في اللعبة” فضلاً عن أنها تنافس في الدراسة.
ويفصح مليكة “تضعني دوماً في احراج مع بقية زملائها. كنت احتار بين المرور إلى مستوى أقوى من التدريب او انتظار رفيقاتها كي يلحقن بمستواها وبنسقها”.
يُعرف عن أنس أن لديها أسلوب لعب خاص في طريقة التعامل مع منافساتها خلال المباراة وتبحث عن تقديم العروض الجميلة “هي تكره اللعب بنسق واحد، تبحث دائماً على خلق الفرجة بتنويع اللعب بتسديدات تفاجئ بها الخصم، وخصوصاً منها عبر الكرات الساقطة”، حسب مليكة الذي يؤكد أنها “فعلاً ملكة الدروب شوت منذ زمن”.
يبلغ طولها 1.67 م وترتكز في لعبها على يدها اليمنى. هي متزوجة من معدّها البدني ولاعب المبارزة بالسيف السابق كريم كمّون منذ العام 2015.
لم تتغيّر أنس كثيراً “مرحة وتتأقلم بسرعة حتى مع من لا تعرفهم” مثلما كانت من قبل “مستفزة وتجادل في كل المواضيع بمنافسة كبيرة”. لكنها في المقابل “محاربة وتلعب لآخر لحظة وصعبة المراس، حتى أنها تواصل اللعب وهي مصابة”، حسب العبيدي.
أكدت جابر بعد بلوغها نصف النهائي وقلبها تأخرها بمجموعة أن الاستسلام كلمة لا توجد في قاموسها “أحياناً يكون قلب الطاولة صعبا جدا من الناحية الذهنية خصوصاً عندما تواجه لاعبة لا تجعل الأمور سهلة عليك في المجموعة الثانية لكن أعتقد انه بخوض مباريات كثيرة وتعلم كيفية اللعب بطريقة أحسن وعدم الاستسلام أبداً يساعدك أو يساعدني شخصياً على الفوز بالمجموعتين الثانية والثالثة”.
يؤكّد كلّ من عرفها سابقاً على أن “طبعها لم يتغيّر” بالرغم من الشهرة الواسعة، حتى أنها حافظت على “خاصية جمع الكرات اثر التدريب وهي تركض وهذه العادة رافقتها منذ ان بدأت اللعبة”، في تقدير مليكة.
تزايد الاقبال على لعبة التنس في صفوف الأطفال بفضل التألق الدولي، فتضاعف عدد المنخرطين في ناديها الأمّ في حمّام سوسة منذ ان بدأت جابر في صعودها في ترتيب المحترفات في العام 2018، حتى وصل إلى أكثر من 700 منخرط ما بين اناث وذكور.
وترى يسرى قوبعة وهي والدة ياسمين (8 سنوات) والتي تتدرب في النادي ان جابر “مثال للأمل الذي نحييه كل مرة لدى أطفالنا”.