تكنولوجيا

استكشاف كواكب الأسد: البحث عن علامات الحياة في الفضاء الخارجي

وجّه العلماء عدسات تلسكوب “جيمس ويب الفضائي” الأميركي نحو كوكب بعيد في جوف نظام شمسي آخر، وراحت العدسات تحدق فيه طوال أكثر من 8 ساعات، دققت خلالها بواحدة من أكثر الإشارات المثيرة للاهتمام العلمي تم اكتشافها على الإطلاق، وأشارت إلى وجود حياة في مكان بالكون غير الأرض.

ذلك المكان هو أسفل “كوكبة الأسد” أو Constellation of Leo كما الاسم معروف لعلماء الفلك دوليا، وفيه يظهر ضوء خافت جدا للعين المجردة، هو ضوء نجم قزم أحمر اسمه K2-18 لا يزيد عن نصف حجم شمس الكرة الأرضية، ويدور حوله كوكب سمّاه العلماء K2-18b ويعتقدون أنه مغطى بالمحيطات، قطره 2.6 مرة تقريبا نصف قطر الأرض، وفي غلافه الجوي اكتشفوا علامات على شيء يمكن أن يؤكد أن الأرض ليست وحدها موطنا للحياة.

وما تم اكتشافه في جو ذلك الكوكب، هو غاز اسمه “ثنائي ميثيل كبريتيد” أو DMS اختصارا، ويتميز بأن مصدره في الأرض واحد فقط، بحسب ما تؤكد “ناسا” في تقارير تنشرها عنه، وتقول فيها إن هذا الغاز “لا تنتجه إلا الحياة” وبشكل رئيسي عن طريق “العوالق النباتية في البيئات البحرية” فكما أن لا دخان بلا نار، كذلك لا “ثنائي ميثيل كبريتيد” بلا حياة، وهو ما يقوله الدكتور Nikku Madhusudhan عالم الفيزياء الفلكية بجامعة Cambridge University البريطانية، والذي يقود دراسة قال فيها: “كانت صدمة حقيقية، جعلتني أمضي ليالي بلا نوم طوال أسبوع”، مستذكرًا اللحظة التي أظهر فيها التحليل العام الماضي إشارة محتملة لوجود DMS في الغلاف الجوي للكوكب، لذلك قال: “في ذلك الأسبوع، لم أمتلك حتى الشجاعة لذكر ذلك أمام فريقي”، وفق تعبيره.

وقال مادهوسودان أيضا، إنه بين البيانات الأولية التي أرسلها “جيمس ويب” العام الماضي، يمكن للباحثين القول بثقة تزيد عن 50% إن DMS كان موجودا في جو الكوكب، لكن هذا أبعد ما يكون عن “دليل قاطع” لذلك انتظر العلماء حتى قام التلسكوب بإجراء 8 ساعات من عمليات المراقبة، بحثا عن DMS وبعدها سيقضي أشهرا في البحث عن البيانات قبل أن يجرؤ على الإعلان عن العثور على الغاز بالتأكيد.

وسبق للعلماء أن قالوا من قبل إنهم عثروا على الدليل القاطع لوجود حياة غريبة، بما في ذلك الحفريات الموجودة على النيازك المريخية وغاز “الفوسفين” في السحب الفينوتية. وفي كل مرة، تم فضح النتائج التي توصلوا إليها أو الطعن فيها من خلال دراسات تقدم تفسيرات أكثر معقولية. وهذا يعطي مادوسودان سببا ليكون “شديد الحذر”.

أين يقع K2-18b ولماذا هو مثير؟
يبعد الكوكب الذي تم اكتشافه في 2015 أكثر من 124 سنة ضوئية عن الأرض، أي أن مركبة سرعتها 50 ألف كيلومتر بالساعة، تحتاج الى مليون و200 ألف عام لتصل إليه. مع ذلك، هو جار قريب نسبيا إلى مجرة درب التبانة. أما كتلته فتبلغ 8.6 مرة كتلة الأرض، وعندما تم رصده وجدوه يمر أمام نجمه مثل كسوف صغير.

واعتبر العلماء الكوكب أنه واحد من آلاف “الكواكب الخارجية” المكتشفة في مجرتنا. ثم وجد علماء الفلك أنه يدور في المنطقة الصالحة للسكن حول نجمه، حيث يمكن أن يكون الماء سائلا فيه، لذلك يعتقد الدكتور مادهوسودان أن K2-18b هو عالم مائي، يحوي محيطا عمقه مئات الكيلومترات يغطي سطحه، مع غلاف جوي غني بالهيدروجين ونواة صخرية صغيرة.

عندما يمر الضوء الصادر من النجم عبر غلافه الجوي في طريقه إلى الأرض، يتم امتصاص بعض ألوانه بواسطة المواد الكيميائية الموجودة في السحب، فتترك في ذلك بصمة بالطيف، يستطيع تلسكوب “جيمس ويب” قراءتها للكشف عن التركيب الكيميائي للغلاف الجوي، وكانت هذه التقنية صفقة كبيرة، لذلك قال الدكتور مادهوسودان: “لأول مرة نرى الغلاف الجوي لكوكب في منطقة صالحة للسكن على مدى الطول الموجي بأكمله (..) لقد كانت لحظة عميقة للغاية، وتوقعنا أنه إذا كانت هناك حياة في ذلك العالم، فيجب أن نكون قادرين على رؤية غاز DMS فيها”.

وقال أيضا: “إذا تأكدت من وجود الحياة، سواء من خلال نظام DMS أم لا، على أي كوكب خارج المجموعة الشمسية، فسيحدث ذلك ثورة في التاريخ العلمي، حيث إنك تحتاج فقط إلى مثال واحد للحياة خارج الأرض لإثبات أن الكون يعج بالحياة، فقد انتظرت البشرية آلاف السنين للعثور على حياة غريبة، لذلك لسنا بحاجة إلى التسرع” وسيستغرق الأمر من 4 إلى 6 أشهر قبل الكشف عن النتائج بينما يستمر “العمل النظري” حول ما إذا كان من الممكن أن يكون للغاز مصدر غير حي.

 

زر الذهاب إلى الأعلى