اغتيالات الإحتلال.. سياسة تجاوز الفشل
وسط إصرار إسرائيلي على المضي قدماً في الحرب ضد حماس بهدف محو الحركة، ترتفع معه كل دقيقة حصيلة القتلى الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة، أسفرت ضربة جوية بواسطة طائرة مسيرة في ضاحية بيروت الجنوبية عن مقتل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، ومعه عدد من قادة وكوادر الحركة، في عملية أشارت أطراف عدة بأصابع الاتهام فيها إلى إسرائيل.
ولم تقتصر ردود الفعل على عملية اغتيال العاروري على الداخل الفلسطيني أو لبنان، بل كان لها صداها في الخارج أيضاً. واعتبرت حركة الجهاد العملية “محاولة من العدو الإسرائيلي لتوسيع رقعة الاشتباك وجر المنطقة بأسرها إلى الحرب، للهروب من الفشل الميداني العسكري في قطاع غزة، والمأزق السياسي الذي تعيشه حكومة الكيان، إثر فشلها بعد 90 يوماً من الحرب الهمجية وحرب الإبادة في فرض شروطها على شعبنا، بل إن قوى حماس كانت لها اليد العليا سياسياً وعسكرياً”.
وشددت الحركة على أن “هذه الجريمة لن تمر بلا عقاب”ـ=، وأن ” المقاومة مستمرة حتى دحر الاحتلال”.
وأعلنت الفصائل الفلسطينية الحداد الوطني العام والإضراب الشامل، مؤكدة أن هذا “الاستهداف الجبان والغادر على الأرض العربية في عاصمة عربية، هو عدوان على الأمة العربية والإسلامية بأكملها وليس فقط على لبنان وفلسطين، وهذا يتطلب موقفاً حاسماً وفورياً من الدول العربية وشعوبها الحرة، رداً على هذا الإرهاب الصهيوني وجرائمه النكراء”.
وساهم العاروري (57 عاماً) في تأسيس كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس في الضفة الغربية، وقضى سنوات طويلة في السجون الإسرائيلية قبل أن يتم إبعاده عن الأراضي الفلسطينية إلى سوريا ليستقر بها لمدة 3 سنوات. وفي فبراير (شباط) عام 2012 ومع بداية الأزمة السورية، غادر إلى تركيا ثم تنقل بين دول عدة من بينها قطر وماليزيا، حتى استقر به المقام في الضاحية الجنوبية بلبنان.
ووصفته حماس في بيان بأنه “قائد أركان المقاومة في الضفة الغربية وغزة، ومهندس طوفان الأقصى”، في إشارة إلى هجوم الحركة غير المسبوق على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يتماشى مع اتهام إسرائيل له بالمسؤولية عن العديد من العمليات التي استهدفتها.
وأدانت الحكومة الفلسطينية عملية اغتيال العاروري، واصفة إياها بأنها “جريمة”، وحذر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية من “المخاطر والتداعيات التي قد تترتب عليها”. كما أدانت إيران بشدة اغتياله، محملة “الكيان الإسرائيلي مسؤولية تداعيات مغامرته الجديدة”، واعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية أن “اغتيال العاروري جاء نتيجة الفشل الكبير للكيان الصهيوني في مواجهة المقاومة في غزة”.
ومن جهته اتهمت ميليشيا حزب الله الإرهابية في بيان، إسرائيل بأنها تعمد إلى “سياسة الاغتيال والتصفيات الجسدية لكل من عمل أو خطط أو نفذ أو ساند عملية (طوفان الأقصى) البطولية وساهم في الدفاع عن شعب فلسطين المظلوم”.
واعتبر الحزب اغتيال العاروري ورفاقه “في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت اعتداء خطيراً على لبنان وشعبه وأمنه وسيادته ومقاومته”، مضيفاً أن هذه العملية تحمل “رسائل سياسية وأمنية بالغة الرمزية والدلالات”، وأنها “تعد تطوراً خطيراً في مسار الحرب بين العدو ومحور المقاومة”، وشددت الميليشيا على أن “هذه الجريمة لن تمر أبداً من دون رد وعقاب.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر وصفته بالمطلع، أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أرجأ زيارة كانت مقررة لإسرائيل يوم الجمعة المقبل، وسط مخاوف من تصعيد على جبهات عدة بعد اغتيال العاروري.
وفي حين وصف مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، مارك ريجيف، في مقابلة مع محطة “إم إس إن بي سي” الإخبارية الأمريكية، مقتل العاروري بأنها كانت “عملية جراحية ضد قيادة حماس” ، نفى أن تكون العملية “هجوماً على دولة لبنان”.
وبينما لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن العملية، نقل موقع أكسيوس عن مسؤولين أمريكيين اثنين أن إسرائيل لم تخطر إدارة الرئيس جو بايدن مسبقاً بالهجوم، وجاء اغتيال العاروري بعد ساعات من تصريح لوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال جولة في قطاع غزة، اعتبر فيه أنه “بدون حسم واضح لن نتمكن من العيش في الشرق الأوسط”.
ولفتت صحيفة “فاينانشال تايمز”، إلى أنه حال أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن اغتيال العاروري، ستصبح هذه “أول عملية استهداف من قبل الدولة العبرية لأحد من قادة حماس خارج الأراضي الفلسطينية منذ هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي المميت على جنوب إسرائيل”، بينما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مصدر أمريكي لم تسمه، أن هذه العملية هي “الأولى في سلسلة عمليات ستنفذها إسرائيل”.
ونقلت “فاينانشال تايمز” عن إيميل حكيم، مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، قوله إن “اغتيال العاروري في قلب معقل ميليشيا حزب الله ببيروت يعد إذلالاً واختباراً كبيراً للحزب… فهل سيخاطر بخوض حرب كبيرة رداً على (مقتل) قائد غير لبناني؟ وإذا لم يفعل، هل سيحتفظ حزب الله بمصداقية ردعه؟”.
ولفتت الصحيفة إلى تنفيذ إسرائيل على مدار عقود عمليات اغتيال ضد قادة الفصائل في أوروبا والشرق الأوسط، بما في ذلك من خلال ضربات جوية وعمليات لفرق الكوماندوز وأخرى استخباراتية باستخدام السم.
ويضع محللون هذا التطور جنباً إلى جنب مع سحب إسرائيل عدة ألوية قتالية من غزة قبل أيام قليلة، في خانة تفسير أن الدولة العبرية ربما تبحث عن انتصار ملموس تواجه به كم الخلافات والانتقادات المتزايدة داخلياً، لاسيما بعد 3 أشهر من حرب لا يزال الغموض يكتنف مصير أهدافها.