الأمين العام للأمم المتحدة: كوفيد-19 جعل حماية المدنيين المحاصرين في الصراعات أكثر صعوبة من أي وقت مضى
جدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، دعوته للتوصل إلى وقف لإطلاق النار على الصعيد العالمي للتركيز على إنهاء جائحة كوفيد-19 وتهيئة الظروف لإيصال المساعدات الإنسانية إلى أشدّ الناس ضعفا وإيجاد فضاء للحوار.
جاء ذلك خلال جلسة افتراضية عقدها مجلس الأمن صباح الأربعاء، بتوقيت نيويورك، بعنوان “حماية المدنيين في النزاع المسلح.”
وقال الأمين العام إن الاجتماع يُعقد في وقت تشتد فيه جائحة كـوفيد-19 وتتسبب بمعاناة بشرية هائلة وتزيد الأعباء على النظم الصحية والاقتصادات والمجتمعات.
لا ينشر كوفيد-19 المرض والموت فحسب، بل إنه يدفع الناس نحو الفقر والجوع، وفي بعض الحالات، يعكس عقودا من التقدم التنموي — الأمين العام
وأضاف يقول: “لا ينشر كوفيد-19 المرض والموت فحسب، بل إنه يدفع الناس نحو الفقر والجوع. وفي بعض الحالات، يعكس عقودا من التقدم التنموي“.
وأشار الأمين العام إلى أنه مع تقليص الوصول إلى الخدمات والأمان، ومع استغلال بعض القادة الجائحة لاعتماد تدابير قمعية، أصبح من الصعب حماية الفئات الأكثر ضعفا، وخاصة في مناطق النزاع، حيث يتعرّض المدنيّون لمخاطر كبيرة.
وقال السيّد غوتيريش إن كوفيد-19 يشكل تهديدا كبيرا للاجئين والنازحين داخليا المتكدسين معا في مخيمات ومجتمعات تفتقر إلى مرافق الصرف الصحي والرعاية الصحية، مشيرا إلى أن ظهور حالات في مخيم للاجئين في بنغلاديش، وبين النازحين في موقع لحماية المدنيين في جنوب السودان، يسلط الضوء على أهمية إشراك النازحين في جهود التأهب والوقاية.
المدنيّون يدفعون الثمن الأكبر
وثقت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا مقتل 58 مدنيا على الأقل وإصابة 190 بجراح بين الأول من نيسان/أبريل و18 أيّار/مايو.
وأوضح السيّد غوتيريش أن تقريره الأخير حول حماية المدنيين في النزاعات المسلحة يُظهر تقدما ضئيلا في مجال حماية المدنيين والامتثال للقانون الدولي في عام 2019، قائلا:
“قُتل أو أصيب أكثر من 20 ألف مدني في عشرة نزاعات فقط: أفغانستان، جمهورية أفريقيا الوسطى، العراق، ليبيا، نيجيريا، الصومال، جنوب السودان، سوريا، أوكرانيا واليمن. ويشمل هذا الرقم فقط الحوادث التي تم التحقق منها من قبل الأمم المتحدة، وهو مجرد جزء من المجموع“.
وبحسب تقرير الأمين العام، فإنه في العام الماضي، وللعام التاسع على التوالي، كان 90% من الأشخاص الذين قتلتهم الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان من المدنيّين.
وقد أجبِر عشرات الآلاف من الأطفال على المشاركة في الأعمال العدائية في 2019. وتشرّد ملايين الأشخاص بسبب النزاعات المسلحة. وفي نهاية عام 2019، تعاملت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع نحو 140 ألف طلب من عائلات المفقودين.
وأظهر التقرير تعرّض الفتيات والنساء في المناطق المتأثرة بالنزاعات إلى مستويات مروّعة من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع، وعانين من الهجمات المستهدفة والتخويف والاختطاف والزواج القسري وقيود الحركة على أساس الجنس.
دور حفظة السلام
وشدد الأمين العام في كلمته على دور عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام بوصفها إحدى أكثر الوسائل فعالية لحماية المدنيين في مناطق النزاع حول العالم.
وقال: “يدعم حفظة السلام السلطات الوطنية في استجابتها للجائحة، عبر حماية الرعاية الصحية والعاملين الإنسانيين وتسهيل الوصول إلى المساعدة والحماية،” مشيرا إلى المساهمات الناجحة التي قدمتها بعثة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ضد تفشي فيروس إيبولا في شرق البلاد.
إن حفظة السلام يدعمون السلطات الوطنية في استجابتها للجائحة، عبر حماية الرعاية الصحية والعاملين الإنسانيين وتسهيل الوصول إلى المساعدة والحماية — الأمين العام
وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، تعمل بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى (مينوسكا)، بشكل وثيق مع السلطات والأجهزة الأمنية لإيجاد طرق جديدة لخدمة السكان مع حماية أنفسهم. كما تساعد شرطة مينوسكا على زيادة قدرة قوات الأمن الداخلي على كبح انتشار الفيروس مع الحفاظ على سلامتها.
وتشارك بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) في قمع انتقال كوفيد-19 والسيطرة على انتشاره، مع الاستمرار في أداء أدوارها الحيوية في حماية المدنيين ودعم تنفيذ اتفاق السلام.
وقال الأمين العام: “حيث يستمر النزاع المسلح، يجعل مرض كوفيد-19 حماية المدنيين أكثر صعوبة من أي وقت مضى، ودعمنا أكثر أهمية من أي وقت مضى،” مؤكدا على أهمية احترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وقانون اللاجئين من أجل حماية المدنيين.
وقال غوتيريش: “إن الجائحة تضخم وتستغل هشاشة عالمنا، والصراع هو أحد أكبر أسباب هذه الهشاشة“.
الجوع العالمي والعنف ضد العاملين الإنسانيين
ثمّة نحو 135 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في العالم، ويعيش أكثر من نصف هؤلاء في البلدان والأقاليم المتضررة من النزاع، وتتوقع الأمم المتحدة أن يتسبب كوفيد-19 بزيادة حادّة في هذا الرقم.
وتم الإبلاغ في عام 2019، عن أعمال عنف ضد العاملين في المجال الإنساني. ففي أفغانستان، قُتل 32 عاملا في مجال الإغاثة، وأصيب 52 بجراح واختطف 532 شخصا. في اليمن، كانت هناك نحو 400 حادثة عنف ضد العاملين في المجال الإنساني. ويمثل الموظفون المحليون هناك أكثر من 90% من القتلى والجرحى.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، قُتل 199 من العاملين الصحيين في أكثر من 1000 اعتداء في 2019، مقارنة بـ 794 في 2018.
دعوة إلى المساءلة
وجدد الأمين العام دعوته إلى الدول لوضع أطر وطنية لتعزيز حماية المدنيين في الصراع المسلح. وقال: “يجب على الدول أيضا أن تضمن المساءلة من خلال تعزيز الجهود لمنع الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي من خلال إعطاء الأولوية للتحقيق والملاحقة القضائية“.
وحث الدول على إعادة النظر في نهجها تجاه الحرب الحضرية وإعادة التفكير فيه، والالتزام بحماية المدنيين في عقيدتها واستراتيجيتها وتكتيكاتها، وإعادة تأكيد سلطة القانون الدولي على استخدام الطائرات المسيّرة في العديد من النزاعات المسلحة بما فيها ليبيا واليمن.
أزمة حماية المدنيين
وفي كلمته أمام مجلس الأمن، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، حذر رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بيتر ماورر، من تحوّل أزمة كورونا إلى أزمة حماية مدنيين. وقال: “في الوقت الذي تشتد الحاجة إليهم، يتعرّض المساعدون إلى الهجمات. إن النظم الصحية مستهدفة، وتساء معاملة العاملين الصحيين“.
وقد سجّلت منظمة الصليب الأحمر 208 هجمات على العاملين الصحيين منذ آذار/مارس هذا العام في أكثر من 13 دولة وذلك في سياق التعامل مع جائحة كوفيد-19.
وأعرب ماورر عن قلقه الشديد إزاء ارتفاع أعداد النازحين، العالقين في طيّ النسيان دون أي احتمال لحل دائم لمحنتهم، على حدّ تعبيره، وعن قلقه إزاء مصير النساء والأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والمهاجرين العالقين في مخيمات النزوح وملايين العائلات التي تبحث عن المفقودين.
وقال: “إن الانقسامات في هذا المجلس حول المفاهيم الحاسمة للقانون الإنساني والعمل، ولاسيّما الوصول إلى السكان المحتاجين تزيد من المعاناة على الخطوط الأمامية،” داعيا إلى تسهيل الوصول الإنساني من دون عوائق بيروقراطية وسياسية تزيد العبء على المنظمات الإنسانية.