«الجمعية الاقتصادية الكويتية»: الكويت بحاجة لقرار حازم وجريء يرسم مساراً جديداً للاقتصاد
أصدرت الجمعية الاقتصادية بيانا تحت عنوان «وقت الديبلوماسية انتهى» والذي حصلت «الأنباء» على نسخة منه، «يا سمو الرئيس.. لا تزال سيطرة الجرعة السياسية على القرارات الاقتصادية أحد أكبر العراقيل التي تواجه الكويت، فالعملية الاقتصادية تحتاج إلى حصافة بالإدارة ولا مجال فيها للقرارات الارتجالية غير المدروسة».
وزادت الجمعية في بيانها «إن الكويت اليوم بحاجة لقرار حازم وجريء من قبلكم لاجتياز حقبة النفط ورسم مسار جديد للاقتصاد الوطني أكثر تنوعا، صلابة واستدامة، ولازلنا بعيدين كل البعد عن الرغبة والإرادة السياسية للبدء فعلا بالإصلاحات الضرورية ومحاربة الفساد وتحويل الشلل الاقتصادي إلى فرصة للتغيير».
وأضافت الجمعية في بيانها «إننا ندعو إلى إعفاء من لا يملك القدرة على تحمل المسؤولية الوطنية من موقعه وإفساح المجال لمن يملك العلم والقدرة على التصدي للتحديات، ونحن في الجمعية الاقتصادية الكويتية لن نتوانى عن تقديم المبادرات والمقترحات لما نراه يخدم الصالح العام ويبني مستقبلا واعدا للكويت، وندعو مؤسسات المجتمع المدني كافة لتفعيل دورها لتكون شريكا فعالا ومؤثرا في عملية التنمية الاقتصادية، كما أننا لن نتخاذل عن ممارسة دورنا الوطني والمهني كجهة ضغط للوصول بالكويت إلى بر الآمان».
وأكدت الجمعية الاقتصادية في بيانها أن الكويت تواجه مشاكل اقتصادية عميقة بسبب زيادة ارتباط الشأن الاقتصادي برجال السياسة وليس الاقتصاد، وجاء في البيان «شاءت أقدار رب العالمين أن تكون يا سمو رئيس مجلس الوزراء على خط النار بعد فشل أقرانك من قبلك في هذه الوظيفة وعلى أقل تقدير في آخر 15 سنة، لا نملك في الجمعية الاقتصادية سلطة التغيير ولا نفوذ القرار ولكن نملك جرأة القلم وصدق النية وحزم الكلمة» التي جاء نصها كما يلي:
يا سمو الرئيس، عادة ما يطرح السياسيون أو النواب أو المتنافسون على مجلس الأمة حلولا سياسية لمعالجة مشكلات الاقتصاد، وهو ما أدى إلى تضخم تكلفة تسييس الاقتصاد وتضرره بسياسات معيقة للتنمية ولجهود تنويع موارد البلاد، حيث توجد رغبة شديدة لاستمرار منظومة الريع القائمة على توزيع عائدات الثروة النفطية.
لكن سوق النفط العالمية تتعرض في المستقبل القريب على الأرجح لتحولات ضخمة قد تحد من عوائد البترول ليطل شبح العجز المالي مستقبلا وتظهر فزاعة التقشف التي تقلق المواطن الكويتي، ولتفادي مثل هذه المخاطر، بات من المهم إعادة النظر في درجة تدخل السياسيين في الاقتصاد، كما تبرز توصيات بأهمية تعزيز التكوين الاقتصادي لرجال السياسة وحل مشكلة بيروقراطية صنع القرار.
وإن أصبح من المهم تقليص ارتباط الاقتصاد برجال السياسة وربط تقرير مصيره أكثر بأصحاب الاختصاص، إلا أن ذلك لا يخلو من أهمية وجود إرادة سياسية داعمة، وهنا يكمن الخلل!، لذلك لا يخفى عليك يا سمو الرئيس بسبب سنوات من تسييس الاقتصاد، أصبحت الكويت:
1 – الأخيرة خليجيا في تنويع الاقتصاد وإيرادات البلاد غير النفطية.
2 – الأكثر خليجيا في الاعتماد على صادرات النفط الخام.
3 – بين الأكثر خليجيا في التضرر من صناعة النفط.
4 – الأكثر هشاشة على مستوى حجم التعرض لتقلبات أسعار الطاقة.
5 – الأكثر مواجهة لاحتمالات العجز.
6 – الأقل انفتاحا على مستوى الشركاء التجاريين في العالم.
7 – الأكثر اعتمادا على الأسواق الآسيوية.
وجاء في البيان «تخلفت الكويت بشكل واضح عن ركب الدول الخليجية في تنويع أنشطة اقتصادها وصادراتها، وذلك بسبب عوامل مختلفة، أهمها التدخل السياسي في الاقتصاد وضعف استمرارية برامج الإصلاح والتنمية بسبب وتيرة التغيير الحكومي السريعة ومحدودية الاستقرار الإداري».
وزاد «كلها تصنيفات اقتصادية حديثة عكست فشلا حكوميا متعاقبا في تنويع صادرات الكويت أو إيراداتها التي تعول بشكل مخيف على النفط، فبداية الحلول ألا تلتفت يا سمو الرئيس لنافخي الكير في الكويت وهم من دأبوا لمدة 10 سنوات سابقة في نفث أفكارهم الرجعية في مفهوم «الله لا يغير علينا» وأن «الكويت دانة وسط رمال متحركة»، لذلك ندعوهم لأن يتقوا الله في بلدهم الذي يتجه للهاوية بسبب تصرفات هوجاء وخصوصا على الصعيد الاقتصادي في قضايا تبديد الثروة، فقط في آخر 10 سنوات تم حرق ما يقارب 200 مليار دولار فائضا في الميزانية.
فرص العمل
وتطرق البيان إلى خلق فرص عمل، مبينا أن نجاح الحكومات يقاس في معظم الدول بقدرتها على خلق فرص عمل وفق خطط اقتصادية ملموسة ومستدامة، إلا أن هذا المعيار المهم لا يمثل أي هم لدى الحكومات المتعاقبة غير آبهين لمعدلات البطالة المتزايدة، وما يجعلنا في حيرة بالجمعية الاقتصادية هو تضارب الأرقام الرسمية حول نسبة البطالة في الكويت، حيث ان الإدارة المركزية للإحصاء أصدرت في سبتمبر 2022 تقريرا حول المتعطلين الكويتيين عن العمل، وفق بيانات ديوان الخدمة المدنية، كما في 2021، وبلغ عددهم 7668 متعطلا، وتقدر نسبتهم إلى إجمالي عدد العاملين الكويتيين، وفق أرقام الهيئة العامة للمعلومات المدنية، والبالغ عددهم 455.7 ألفا، كما في 30/06/2021، أي نحو 1.7%، وهي نسبة بطالة مقبولة عالميا.
ولكن الغريب في الأمر هو أن رقم العاطلين لدى الهيئة العامة للمعلومات المدنية في تقريرها حول السكان والقوى العاملة والصادر أيضا في سبتمبر 2021، ويغطي نفس الفترة، يبلغ 32،851 عاطلا، أي ان نسبة البطالة بلغت نحو 7.2% أو أكثر من 4 أضعاف أرقام العاطلين عن العمل وفق ارقام الإدارة المركزية للإحصاء، فأي أرقام نصدق؟!
هيئة الاستثمار
وتحدث البيان عن الهيئة العامة للاستثمار والتي اعتبرها «القوة الناعمة»، مبينا أن تأسيس صندوق لإدارة أصول الدولة هي فكرة استراتيجية ذكية للكويت في وقتها، خاصة أن دولا كثيرة أسست مثل ذلك الصندوق، أو تحت مسمى جهاز اختص بإدارة أصول الدولة للاستفادة منها بشكل جيد، إلا أن الفكرة سيتوقف نجاحها على وجود الإدارة الاقتصادية ذات الكفاءة العالية، التي سيقام عليها الصندوق، والتي ستتولى مهمة الإدارة، المسألة المهمة في مفهوم الصناديق السيادية المعتبرة عالميا، ليست كم ربحت وكم خسرت على المدى القصير؟، إنها أكبر من ذلك بكثير لتشمل أهدافا استراتيجية، من بينها الاقتصاد السياسي.
ورغم أن الكويت هي الأولى عالميا في تطبيق فكرة الصناديق السيادية، فإن مرور أكثر من 60 عاما لم يفلح في إنقاذ الاستدامة المالية العامة التي ما زالت تعتمد على النفط كمورد أساسي، لا شك أن الكويت استخدمت على مدى 50 سنة ماضية جزءا كبيرا من إيرادات الخزينة العامة بشكل جيد في الاستثمار في البنية التحتية والتعليم، إلا أن جزءا كبيرا يذهب إلى المصروفات التشغيلية، وإلى كثير من الإسراف والتبذير عن طريق ما يسمى توزيع الثروة على المواطنين، وقد يكون الهدف نبيلا، لكن يحوله من استثمار يضيف قيمة، الى استنزاف!، وهذا يفرض علينا سؤالا أخلاقيا: هل من حق هذا الجيل أن يتصرف بهذه اللامسؤولية؟
شفافية وحوكمة
من جانب آخر، جاء في البيان «يعد مبدأ الشفافية والحوكمة إحدى أهم ركائز الاستثمار الغائبة عن الصناديق السيادية، فهذه الأموال العامة المقدرة بمئات المليارات لا رقيب واضحا عليها، تعرض أمام مجلس الأمة مرة واحدة في السنة وملاحظات ديوان المحاسبة تظل معلقة دون رد، فهي لا تدير أموالا خاصة لشخص أو شركة، وبالتالي يحق لها أن تفعل ما يحلو لها في هذه الأموال، وإنما تدير أموالا عامة، التصرف فيها يجب أن يكون بحساب، ولكن ما إن بدأت الهيئة أعمالها في سبعينيات القرن الماضي، إذ إنها منذ تأسيسها تتسم بالغموض، ولا تقدم تقارير وافية عن الصفقات التي تبرمها، أو حتى التي أبرمتها منذ عشرات السنين، والمكاسب والخسائر التي تحققت منها».
وزاد «نحن لسنا بصدد اتهام أحد ولكن في الفترة الحالية ومع ما نسمعه من اختلاسات صناديق سيادية، فمن الواجب علينا اليوم أن نتحدث عن موضوع الافصاحات والشفافية الغائبة عن الهيئة العامة للاستثمار منذ عقود تحت ذريعة عدم سماح القانون بإفشاء المعلومات، دائما ما ينظر إلى الصندوق السيادي النرويجي بأنه المقياس في شفافية الصناديق السيادية وحوكمتها، إلا أننا مؤمنون بعدم قدرتنا على المقارنة بين الدول الاسكندنافية ودول المنطقة، فالإفصاح عن الأصول المدارة بالكامل يحمل في طياته مخاطر «جيو-سياسية» على حد زعم الحكومة في منطقة سريعة التقلبات والاشتعال».
ولكن بالمقابل، هنالك حق أصيل للشعب في معرفة كيف تدار أمواله، وأين ذهبت، وما المكاسب أو الخسائر التي حققتها، كما قال المغفور طيب الله ثراه حاكم الكويت عبدالله السالم «إن ثروة الكويت ملك للشعب، وأنا حارسها».
الغريب أن الدولة تتعامل بمفاهيم قديمة لم يعد لها وجود، ولا تتناسب مع تحقيق الشفافية في الاستثمارات التي يبذل العالم كل جهوده لتحقيقها، حيث تخرج عشرات التقارير العالمية سنويا، لتوضح حجم هذه الاستثمارات ونوعيتها، وحجم الخسائر أو المكاسب التي تحققت فيها، ففي العصر الذي نعيشه حاليا، لم تعد هناك معلومات يمكن التكتم عليها، ورغم كل ذلك، نجد العقلية الحكومية المتجذرة تتعامل بمبدأ «حسب ما جرت عليه العادة»، متناسين الأسس الاقتصادية القائمة على الشفافية والموضوعية، وكأننا لم نخرج بدرس كما حدث للعالم في الأزمة المالية العالمية، التي كان جزء كبير منها ناجما عن عدم توافر البيانات الصحيحة وقلة الشفافية في كثير من الاستثمارات الاقتصادية، ما تسبب في الانهيار المالي الذي شهده العالم في عام 2008.
ولا نلوم الحكومة الجديدة كون أفرادها متغيرين، ولكن الملامة على المنطق الحكومي المتجذر من مفهوم الشفافية الذي ينطبق بذاته على هيئة الاستثمار، لأننا في العصر الذي نعيشه ومع الأزمات المالية المتلاحقة التي تضرب أكثر من دولة عالميا، يجب أن يتم أي استثمار خارجي بشفافية.
ومن جانب ثالث، نحن دولة حبانا الله بنعمة يجب علينا حسن استخدامها في عالم متحول ومنطقة رمال متحركة، نحن كدولة صغيرة لا نملك جيشا جرارا لنفاوض على القرار ولا قوة طبية ضاربة لتكون لنا مسندا للتفاوض ولا حتى مساحة جغرافية شاسعة تعطينا ثقلا سياسيا أمميا، لذلك ما نملكه هو «القوة الناعمة» باستثماراتنا الاستراتيجية، ندعو سمو الرئيس لأن تكون للهيئة استثمارات إستراتيجية جديدة تواكب المتغيرات الإقليمية والدولية، فميزان القوى قد تغير وما كان إستراتيجيا البارحة قد يكون تضاعف وزاد في مناطق جغرافية أخرى من جار قريب أو حليف دولي بعيد.
البديل الإستراتيجي
وتحدث البيان عن البديل الاستراتيجي في ظل التضخم والطبقة الوسطى، مبينا أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية دفع التضخم الإجمالي في الكويت إلى أعلى مستوى له في 3 سنوات، نتيجة لمزيج من ارتفاع أسعار المواد الغذائية الدولية، المرتبط جزئيا بانخفاض الدولار الأميركي، وإطالة أمد مشكلات سلسلة التوريد وارتفاع الأسعار من قبل تجار التجزئة المحليين أثناء تمريرهم لأسعار شراء أعلى، وفي المقابل لا نرى أي دور يذكر من قبل السلطة التنفيذية ولا السلطة التشريعية والتي نعتقد أن النظرة المستقبلية لأسعار المواد الغذائية لا تزال غير معلومة لصناع القرار.
وزاد «منذ فترة والحكومة تواجه موجة غلاء الأسعار، ونعي أن مع تداعيات الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا التي تلقي بظلالها سلبا على كثير من الدول العربية، ولكن سجلت معدلات التضخم في الكويت ارتفاعا غير مسبوق بنهاية الربع الأول من هذا العام مدفوعا بغلاء الأسعار بالأسواق العالمية وتبعته القفزة الكبيرة في الأسعار، والذي انعكس على الشأن المحلي».
جاء في البيان «نلاحظ من بين دول مجلس التعاون الخليجي، أن الكويت والسعودية شهدتا تضخما في أسعار المواد الغذائية منذ بداية عام 2020 على خلفية ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية، وفي المقابل، شهدت دول مجلس التعاون الخليجي المتبقية في الغالب أسعارا ثابتة للمواد الغذائية، المستغرب من تلك البيانات أن معدلات التضخم السنوي في الكويت لتلك الفترة هي الأعلى مقارنة بالدول الخليجية على الرغم من الدعم الحكومي لبعض المواد الغذائية الأساسية!»
ولكنها وفي الوقت نفسه تحاول تلك الدول باستثناء الكويت تقليل اعتمادها على الغذاء من خلال الاستثمار في الأراضي الزراعية والتكنولوجيا في بلادهم والدول الأجنبية، في حين أشارت دراسات كثيرة الى أن الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والحيواني (سالك) استوردت أكثر من «350 ألف طن» من القمح من أوكرانيا وكندا وأستراليا في عام 2021، وهو ما يمثل تقريبا 10% من احتياجات البلاد.
وكذلك قامت (حصاد) الذراع الزراعية لصندوق الثروة السيادي القطري بشراء أراض في السودان وأستراليا، ولديها خطط لاستثمار مئات الملايين من الدولارات في مشاريع زراعية في كينيا والبرازيل والأرجنتين وتركيا وأوكرانيا.
أما في الكويت، فنسمع دائما أن الهيئة العامة للاستثمار الكويتية تعتزم الاستثمار في أراض زراعية بالخارج منذ سنوات ولكنها أصبحت «كالإسرائيليات لا نصدقها ولا نكذبها» كما ذكر الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه.
ونستغرب صمت أهل العزم الذين اقتنعوا بمصلحة عامة، وآمنوا بطريق للإصلاح وتوكلوا وعقلوها من نواب مجلس الأمة بتفعيل دورهم التشريعي والانصياع للعبة الكراسي عن هموم الناس!
ما يجعلنا في حالة ريبة من أن الإجراءات الحكومية المحلية لن تجدي نفعا هو انكشاف الاقتصاد الكويتي الذي يلامس حدود 75%، لتكون الكويت بذلك من أكثر الدول اعتمادا على الاستيراد في سد معظم احتياجاتها من السلع، ونعتقد أنه يجب الذهاب لإجراءات أوسع تشمل مكافحة «ارتفاع تكاليف الموانئ وإجراءات التخليص الجمركي وتبعات النقص الكبير في مساحات المخازن والتخزين»، لذلك على الدولة تحمل أي تكلفة أي زيادات مقبلة في أسعار السلع الأولية.
فيما شهدنا في تقارير أطلعتنا بأن العديد من السلع في الجمعيات التعاونية والأسواق ارتفعت ما بين (7.5% و28%)، وبات معها كل مواطن مطالبا بأن يدفع 28 دينارا كويتيا إضافيا على كل 100 دينار كويتي ينفقها، لذا أصبح من الضروري إعادة صياغة إستراتيجية الأمن الغذائي والقومي فيما يخص التضخم ودخل الفرد، لأن ما يحدث هو مقبرة للطبقة المتوسطة وهذه الشريحة هي العمود الفقري لأي اقتصاد محلي.
وما نعانيه هو ترهل جهاز إداري لا تليق كفاءته بكفاءة المتغيرات الدولية التي تحدث في عالم الاقتصاد والسياسية والأمن الغذائي. لأن ما يحدث هو مقبرة للطبقة المتوسطة وهذه الشريحة هي العمود الفقري لأي اقتصاد محلي.
وجاء في البيان عندما نتطرق في هذه الظروف لفكرة «البديل الاستراتيجي» فهي باختصار هيكل جديد للرواتب والمستحقات المالية والمزايا الوظيفية، ويهدف القانون – حين تم طرحه سابقا – إلى تعديل سلم الرواتب، والتدرج الوظيفي في جميع الجهات الحكومية والمؤسسات التابعة لها، والتي تنطبق أحكام وقوانين الخدمة المدنية عليها، كما يهدف قانون «البديل الاستراتيجي» إلى زيادة العدالة والشفافية، وإدارة النمو في مصروفات الرواتب، وتشجيع مستوى الأداء العالي، ليس مقبولا أن يكون لدينا موظفون بالمؤهلات نفسها ويحصل أحدهم على راتب يفوق الآخر، وبالنظر للرواتب فقد ارتفع متوسط رواتب المواطنين بالكويت أكثر من 9.3% بما قيمته 127 دينارا خلال آخر 6 سنوات، حيث بلغ بنهاية سبتمبر 2021 ما قيمته 1490 دينارا مقارنة بـ 1363 دينارا (4810 دولارات) عن الفترة ذاتها من 2015، وفقا لبيانات سوق العمل الصادرة عن الإدارة المركزية للإحصاء الكويتية في فبراير 2022.
غسيل الأموال
تطرق بيان الجمعية الاقتصادية إلى غسيل الأموال، مبينا أن عام 2003 كان بمثابة نقطة التحول للاقتصاد الوطني حيث تغيرت فيه العجلة الاقتصادية وبدأت بالتحرر الجزئي من الإنفاق الحكومي مع وجود خطط ومشاريع رأسمالية كبيرة إلى جانب وجود حركة انفتاح اقتصادي نسبي حيث تضمنت هذه النقلة انفتاحا في مختلف القطاعات، ولما كانت الكويت شبه مغلقة في الفترة ما بعد التحرير حيث ساد الفكر الأمني على كافة جوانب الحياة بما فيها القطاعات الاقتصادية وكانت الأنشطة الاقتصادية محدودة ولم يكن هناك أي تنمية للقطاعات الاقتصادية بصورة صحيحة.
ولكن بعد كل هذا العمل المثير للانتباه اقتصاديا والذي تكشف بالأرقام والوقائع، كان لأخر 10 سنوات جانب آخر أكثر ظلامية، حيث انتعشت معها جيوب المفسدين التي تصاعدت بنسب مخيفة من انتعاش الخزينة العامة للدولة من جراء ما شهدته أسواق النفط العالمية أكبر حركة صعود في الاسعار امتدت إلى أعوام عديدة.
المؤلم في كل هذا أن نسب الفساد المالي في ازدياد مطرد، ولم تؤثر فيه أزمة اقتصادية ولا أزمة صحية، والأكثر ألما أننا كشعب تعايشنا مع الفساد وتغيرت نبرتنا تجاهه من عدم المهادنة إلى الإنكار على الفساد وهو أضعف الإيمان، ولم يردع تلك الممارسات الفاحشة بالتعدي السافر على الأموال العامة ومقدرات البلد تلك المؤسسات الرقابية التي أنشئت مؤخرا، ففي أخر سنة فقط تفجرت 6 قضايا كبيرة لها علاقة بالمال العام وشبهات فساد وغسل أموال!
وزاد «من المؤسف أن يتصدر اسم الكويت صفحات صحف عالمية مثل «نيويورك تايمز وول ستريت جورنال» ليس بغرض إنجاز مالي محقق أو استثمار استراتيجي بل لارتباطها بفضائح وجرائم مالية دولية تنعكس سلبا على مركزها المالي وعلى سمعتها أدت إلى إعلان بعض مؤسسات التصنيف الائتمانية عزمها مراجعة تصنيفاتها لبعض المؤسسات المصرفية والمالية في المنطقة لارتباطها بالمال الأسود».
وتطرق التقرير إلى «المال العام والمحاسبة الفاعلة»، مبينا أن هدف الدولة الرئيسي هو الرقابة الفاعلة على المال العام وليس إدارته، وصحيح أيضا أن هذه الرقابة تحتم وجود تمثيل لنسبة المال العام المستثمر من الدولة، لذلك وجب علينا للمحافظة على المال العام وجود تمثيل حقيقي للنسب المعلنة بكامل هيئاتها، ولا يعني وجود كرسي او كرسيين في مجلس الإدارة بأن الجهات الحكومية ممثلة، فلكل جهة منها اهتماماتها ولكل منها كذلك رقابته الفاعلة، ومن باب الضمان لأموال الشعب ولنا جميعا على عدم استخدام مسألة المراكز المالية للضغوط غير الاقتصادية، مما يجعل البعض تحت الرقابة الدائمة ويتم التغاضي عن البعض الآخر ندعو مجلس الوزراء إلى سرعة تمثيل المال العام بنسب حقيقية في مجالس الإدارة تعكس نسبة الدولة.
المشاريع الصغيرة
تحدثت الجمعية الاقتصادية في بيانها عن القطاع الخاص والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، مبينة أن استمرار القطاع العام عالي التكلفة وضعيف الإنتاجية في الهيمنة على أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، يجعل الأداء الاقتصادي التاريخي للدولة غير موفق، والمحزن أن درجة اعتماد الاقتصاد على النفط اليوم قد تزايدت، ودرجة ارتهان مستقبل الكويتيين به قد تضاعفت.
وزادت «مع استمرار انكماش الاقتصاد الكويتي فإن النفط مازال يشكل 55% تقريبا من الناتج المحلي الاجمالي وأقل بقليل من 90% من الايرادات العامة بعدما كانت نحو 94% في سنوات سابقة، وهذا الانخفاض هو فقط انعكاس لتراجع نشاط القطاع غير النفطي وليس تحسن الوضع المالي، فاعتبار اقتصادنا غير متنوع، فقد شهدنا انكماشا حقيقيا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8% في 2020 لم نتعاف منه بعد، والتوقعات خلال العام تشير إلى أن فرص تحقيق أي انتعاشة تكاد تكون ضئيلة.
وبما أن جميع القطاعات تعتمد بصورة اساسية على الإنفاق الحكومي، فإذا أنفقت الحكومة نشط الاقتصاد، وإذا أحجمت الحكومة عن الإنفاق تراجع النشاط الاقتصادي بشكل لافت».
لا يمثل الاعتماد النفطي المشكلة الوحيدة التي تعاني منها الكويت إذ لا يزال القطاع الخاص غير قادر على المنافسة بالمعايير العالمية والإقليمية، متكلا بصورة أساسية على العقود الحكومية والمناقصات لكي ينمو ويكبر.
هذا في ظل تراجع نسبة العمالة الوطنية منذ الثمانينيات إلى اليوم، فالقطاع العام يساهم بنحو 70% تقريبا من حجم الناتج المحلي الاجمالي وهو ما ليس له مثيل إذا ما قارناه بدول العالم المتقدم «اقتصاديا» وبالأخص بعد ثبوت عدم القدرة على قيام الحكومات بعملية الإنتاج السلعي والخدمي، ولا يوجد ذلك اليوم إلا في التجربة الاقتصادية لكوريا الشمالية، فهذا يدعونا لضرورة تغيير الفكر الاقتصادي في البلاد والتفكير بمزيد من المساندة للقطاع الخاص.
إن الحاجة الملحة لتبني ودعم المشاريع الصغيرة هي ذات الحاجة الملحة لبناء اقتصاد وطني جديد متنوع ومستدام في حقبة ما بعد النفط فهي بحاجة لأن يفتح لها المجال والأفق في الصناعة والزراعة والنقل وصولا إلى التصدير بحيث تصبح مجدية وجاذبة لآلاف الخريجين في التوجه إلى الأعمال الحرة وخلق رأس مال منتج بدلا عن الراتب الحكومي، الأمر الذي يقابله تخلي الدولة عن هيمنتها على الأراضي والرخص والبيروقراطية القاتلة للطموح والاحلام.
المتابع للأوضاع الاقتصادية في الكويت يلاحظ أن المشاريع الصغيرة تعيش حالة من التكرار الدوري بدءا من التأسيس والدعم الحكومي المادي المحدود ثم التذبذب وصولا للإفلاس والإغلاق، ومن المهم هنا أن نذكر بأننا لا نطالب الدولة بضمان نجاح المشاريع الصغيرة أو تحمل خسارتها بل اننا نطالب بالعمل على إخراجها من حلقة التكرار الدوري القاتلة لكي تصبح مشاريع أكبر يبنى من خلالها الاقتصاد الجديد أيا كان ملامحه.
لذلك فإننا نرى أن الحكومة تحتاج إلى تنمية ومساندة المشاريع الصغيرة والمتوسطة وضمان عدم الهجرة العكسية من القطاع الخاص إلى العام التي ستضر الدولة بالدرجة الأولى وتضخم باب الرواتب في الميزانية، وهذا آخر ما تتمناه الحكومة لميزانيتها، فلذلك يحتاج القطاع الخاص بما في ذلك مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى استيعاب هذا الكم من الكويتيين الـ 98 الفا (22% من القوة العاملة الكويتية الحالية) تقريبا المتوقع دخولهم سوق العمل في السنوات الخمس المقبلة.
لن يتغير الواقع المؤلم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ما لم يتغير النهج الاقتصادي المتبع في الدولة ولن تخرج المشاريع من القطاع الاستهلاكي إلى القيمة المضافة ما لم يتم توفير البيئة المناسبة لذلك فالتحديات التي تواجه المشاريع الصغيرة ليست حكرا عليه بل هي تحديات القطاع الخاص بأكمله.
تطور أسعار المستهلك
استعرض البيان ملخصا تحليليا لتطور الرقم القياسي لأسعار المستهلك خلال الفترة من أبريل 2017 حتى أبريل 2023 وجاءت كالتالي:
الأغذية والمشروبات 33%
الترفيهية والثقافية 28%
الكساء وملبوسات القدم 25%
الاتصالات 24%
السلع والخدمات المتنوعة 24%
السجائر والتبغ 21%
النقل 20%
المفروشات المنزلية ومعدات الصيانة 17%
الصحة 13%
المطاعم والفنادق 12%
التعليم 7%
خدمات المسكن 3%
«البديل الاستراتيجي» يجب أن يكون أعمق من تعديل الرواتب
أكد البيان أن التعامل مع مسألة البديل الاستراتيجي يجب أن يكون أعمق بكثير من مجرد تعديل الرواتب والأجور، بحيث تعالج مجموعة من اختلالات سوق العمل في البلاد فتكون الأولوية القصوى هي لمعالجة اختلالات المالية العامة وسوق العمل وتحقيق الاستدامة المالية للدولة وكذلك يجب ألا نغفل أن كل حل لا يرفع جاذبية العمل في القطاع الخاص يمثل عبئا على الدولة، وهذا كله هي تكهنات فقط حيث لم يصل لنا في الجمعية الاقتصادية الكويتية أي مقترح أو تصور للاطلاع عليه.
اللامبالاة.. والمشهد الاقتصادي
أشار البيان إلى أن هناك حالة من اللامبالاة تسيطر على المشهد الاقتصادي وتدخله في دهاليز السياسة إلى حالة من الركود غير المسبوق، لذلك ليس غريبا أن يصب الرأي العام غضبه على الحكومة ونواب المجلس من جراء التأخر وعدم الاكتراث في تطبيق تغييرات هيكلية اقتصادية، وكذلك من التصريحات التي تستخف بعقول الناس ومشاعرهم، وأكثر ما يشعر الناس بأن الجهود الحكومية والرقابة النيابية غير حقيقية هي عدم محاسبة القياديين الذين عاثوا في المال العام.
مبدأ الثواب والعقاب
جاء في البيان أن القيادات التي فشلت وعجزت عن تقديم ما يلبي طموحات الشعب بل وصارت حجر عثرة ووضعوا في مكان لا يستحقونه ووصلوا إلى الإفلاس في القيادة، هؤلاء تم منحهم راتبا استثنائيا كصك براءة على عملهم بدل محاسبتهم!، ونحن في الجمعية الاقتصادية لا ندعو لتغيير القيادات فقط بل لمحاسبتهم، الهروب من محاسبة قياديين يغلب عليهم صفة «البرشوتيين» هو هروب من المواجهة، لذلك ندعو رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ أحمد النواف للرجوع للوراء والكشف عن القياديين الذين كلفوا المال العام وكانت لهم تجاوزات جسيمة وألا يفلتوا من المحاسبة، فلن ينصلح الحال للشعب وللحكومة إذا لم يؤمن أي منهم بمبدأ الثواب والعقاب.