إقتصاد وأعمال

الجمعية الاقتصادية: حلول الإصلاح المطروحة حالياً قصيرة الأجل وغير شاملة

أصدرت الجمعية الاقتصادية بيانا صحافيا تناول رأيها حول نتائج التقييم السيادي للكويت الصادر من وكالة «موديز» خلال الشهر الجاري، حيث قالت إن الوكالة أصدرت تقريرا يتضمن تخفيض التقييم السيادي من (Aa2) الى (A1)، مع الاستمرار في تصنيف «مستقر» للآفاق المستقبلية، علما بأن تقرير 30 مارس 2020 قد أشار إلى وضع تقييم الآفاق المستقبلية لإعادة التقييم باتجاه الخفض وهو ما تم.

وبررت وكالة «موديز» هذا التخفيض بعدة أسباب منها: مخاطر السيولة الحكومية لغياب التفويض بإصدار قروض سيادية وغياب إمكانية النفاد لصندوق الأجيال القادمة، وضعف الإطار المؤسسي والعلاقة بين مجلس الأمة والسلطة التنفيذية، وضعف السياسة المالية في الاستجابة للصدمات النفطية، وتنامي الإنفاق الجاري بنسبة (20%) تراكميا منذ السنة المالية المنتهية في مارس 2016 رغم الوعود الحكومية السابقة بخفض الإنفاق العام حيث ارتفع الإنفاق للسنة المالية 2020/2021 بنحو (1.6%)، وذلك في ظل تراجع الإيرادات العامة بنحو (56%).

أما أسباب المحافظة على تصنيف الآفاق المستقبلية ضمن تقييم «مستقر»، فيعود أساسا إلى ضخامة الأصول السيادية، والتي تقدرها الوكالة بحوالي (359%) من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية السنة المالية 2019/2020، بالإضافة إلى الدخول من الاستثمارات الخارجية.
وأشار التقرير إلى الاعتبارات الاجتماعية والحوكمة والبيئة العامة السائدة وتطرق هنا إلى التحول العالمي المرتبط بانخفاض الاستهلاك النفطي، وما ينتج عن ذلك من ضغوط محتملة على المصدات المالية المتاحة للدولة مستقبلا، بالإضافة إلى ضغوط التنامي السنوي في أعداد قوة العمل الكويتية الداخلة لسوق العمل الأمر الذي يزيد من الضغوط على الإنفاق العام إلا في حالة تمكن القطاع الخاص من استيعاب المزيد من هذه العمالة.

عوامل رفع التصنيف

وتحدث التقرير أخيرا عن العوامل التي من شأنها أن ترفع من التقييم السيادي مستقبلا، وهي: تعزيز اعتبارات الحوكمة المؤسسية (مثل العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية)، وتنويع الإيرادات رغم صعوبته في الأجل القصير كما حذر التقرير بإمكانية المزيد من التخفيض السيادي مستقبلا في حالة استمرار الضعف المالي الحكومي خلال الأجل المتوسط بفعل ارتفاع المديونية الحكومية الناجمة عن عدم القدرة في تنفيذ الإصلاحات المالية واستمرار التدهور الهيكلي للأسعار النفطية.

بعد ذلك أشار التقرير إلى أن الدولة بحاجة الى حوالي (27.6) مليار دينار (أو حوالي 90 مليار دولار) لتمويل الإنفاق الحكومي خلال الفترة الحالية وحتى مارس 2024، وإن إجراءات تطبيق ضريبة القيمة المضافة كما أشار التقرير إلى أنه يمكن أن ترى النور بين عامي 2022 و2023 وليس عام 2021 وفقا للمؤشرات السابقة.

وفي ظل عدم تلمس إجراءات إصلاحية ذات قيمة بعد 2014 – 2016، وفي ظل تدهور أسعار النفط فإن التقرير يتوقع عجزا ماليا يبلغ 13.7 مليار دينار (38% من الناتج المحلي الإجمالي) العام الحالي، مع توقع الوكالة لانخفاض العجز السنة المقبلة بسبب توقعات تحسن أسعار النفط وارتفاع الإنتاج النفطي أساسا.

 

الإصلاح الاقتصادي

وعليه ترى الجمعية الاقتصادية أن أي إصلاح اقتصادي للمالية العامة للدولة للحد من العجز (من خلال الاقتراض أو السحب من الاحتياطي العام أو مبادلة الأصول بين صندوق الأجيال القادمة والاحتياطي العام)، سيكون ذا إطار قصير الأجل ما لم يكن نتاج إصلاح مؤسسي شامل، يرافقه إصلاح اقتصادي شامل قائم على تنويع الصادرات غير النفطية وبشكل مستدام.

إن الإصلاح الاقتصادي المطلوب لا يجب أن يقترن بإصلاح الميزانية العامة للدولة فقط، بل بإصلاح الخطط الاقتصادية، ومجالات الاستثمار بالقطاع الخاص وبيئة الاستثمار، ودور فعال للاستثمار الأجنبي المباشر المنتج، كما أن أغلب بنود الميزانية العامة للدولة لا تتحدد داخل وزارة المالية بل خارجها.

فلا يمكن خفض الأجور العامة بدون وجود بديل على شكل أجور خاصة، ولا يمكن تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية (واستمرار السحب من الاحتياطي والاقتراض) بدون وجود وعاء ضريبي غير نفطي ضخم (على شكل ضريبة على الشركات، وضرائب غير مباشرة، ورسوم) يتم بناؤه من خلال استثمارات خاصة ضخمة وذات طبيعة منتجة موجه أغلبها للصادرات.

ولا تفتقر الكويت لبرامج الإصلاح الاقتصادي الشامل فهناك العديد من الوثائق الاقتصادية، ذات المقترحات العملية، الهادفة إلى محاربة الاحتكار ودعم النشاط الصناعي الموجه للصادرات وترشيد الواردات لصالح الإنتاج المحلي من خلال إيجاد قطاع خاص محلي/ أجنبي يتسم بالتنافسية ويحارب الاحتكار، ويعمل ضمن قانون (مستقل) جديد للتنافسية.

دعم القطاع الخاص

إن عدم الإصلاح الجذري للعمل الحكومي والقطاع العام والإصلاح الموازي ينتج عنه ربط الدعم الموجه للقطاع الخاص بمدى تنافسية هذا القطاع، ونجاحه في اكتساب المزيد من حصص السوق محليا وإقليميا ودوليا، كما أن فرص الاستفادة من المناطق الاقتصادية الحرة لا زالت خيارا عمليا يحتاج لوضوح في تحديد الأولويات القطاعية لعمل هذه المناطق والتعاون والتكتل الإقليمي لتفعيل عملها.
وندعو إلى تبني التوصيات الجادة المقدمة من الجمعية الاقتصادية الكويتية سابقا، والتي دعت إلى ضرورة احداث ثورة في حوكمة المؤسسات والهيئات الحكومية، كتلك التي حدثت في القطاع المالي بعد ظهور هيئة أسواق المال لتحقيق بيئة خالية من الفساد، وتبني برنامج عمل لصياغة سياسات الإصلاح الإداري في القطاع العام وقواعد الحكم السليم القائم على قياس الأداء بمعايير محدده.
ختاما لا زال هناك متسع للإصلاح بالمعنى المشار إليه أعلاه، وأن التضحية الحالية بخيارات الإصلاح المتاحة حاليا سوف يترتب عليها نتائج قاسية تمس استمرار الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، وتجعل من تنبي خيارات الإصلاح مستقبلا أمرا قد لا يكون متاحا.

مصدات الكويت المالية.. قد تتبخر سريعاً
قالت الجمعية الاقتصادية إنه على الرغم من متانة الأصول السيادية للدولة البالغة 359% من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع نسبة

الاحتياطيات للواردات حوالي 118%، وانخفاض نسبة الدين العام إلى الناتج (حوالي 16.2% حاليا)، وانخفاض تكلفة التأمين على الديون السيادية (CDS)، إلا أن ذلك يمكن أن يتبخر وبشكل متسارع، في حالة على سبيل المثال لا الحصر:

٭ استمرار الإنفاق العام بنفس الاتجاه التاريخي.
٭ استمرار التغيرات الهيكلية لغير صالح الطلب النفطي التاريخي.
٭ استمرار نزيف الباب الأول من خلال الرواتب والأجور العامة والدعم (الذي يذهب في حالات ليست بالقليلة لغير مستحقيه).
٭ استمرار التلكؤ والتردد في الإصلاحات المؤسسية وعلى رأسها الإدارية لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، والاتفاق على عقد اجتماعي يعيد فصل السلطات بشكل يخدم الإصلاح.
٭ عدم الاتفاق على أهمية إعادة تعريف دولة الرفاه لصالح الاستمرار بالحماية الاقتصادية والاجتماعية لذوي الدخل المحدود، وتحميل ذوي الدخل المرتفع بما يجب تحمله من أعباء الإصلاح (سواء على شكل ضريبة أرباح الشركات أو إعادة تسعير أملاك الدولة على أسس أقرب لأسعار السوق، والمحاسبة الاقتصادية لاستخدام المنافع العامة وعلى رأسها الكهرباء والماء).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى