السيد السيستاني يتغاضى عن حفل إفتتاح بطولة غرب آسيا لكرة القدم ليسكت أصوات المتشددين في كربلاء
يولي العراق اهتماماً كبيراً لعودته إلى المحافل الرياضية الدولية، عبر افتتاح بطولة غرب آسيا لكرة القدم على أرضه، وبمشاركة دول عربية بينها الكويت، لكن المناسبة تحولت إلى جدل علماني إسلامي حاد، ودعاوى قضائية، وتحريض على المنابر عابر لحدود البلاد، بسبب لوحات فنية ضمن حفل الافتتاح.
وشهد افتتاح النسخة التاسعة من البطولة، الثلاثاء الماضي، في مدينة كربلاء الدينية، التي تحوي ضريح الإمام الحسين، حفلاً لم يستغرق أكثر من ربع ساعة، حيث نظمت مجاميع شبابية لوحات ترسم العلم الوطني للدول التسع المشاركة على أرض ملعب كربلاء الحديث بجماليته المعمارية، ثم أعقبتها لوحة راقصة نفذتها 3 فتيات مع رجل، رسمت ألوان علم العراق، تلا ذلك دخول عازفة كمان لبنانية أدت موسيقى النشيد الوطني العراقي، وأثارت تفاعل ٣٠ ألف متفرج حضروا مع ممثلي الوفود العربية.
وبمجرد انتهاء الحفل صدرت ردود أفعال متشددة من رجال دين ومؤسسات شيعية داخل العراق وخارجه، اعتراضاً على عدم ارتداء الفتيات الحجاب، وعلى الحركات الفنية التي رافقت الأداء الراقص، رغم حرص الجهة المنظمة على حشمة الأداء، واختيار شركة لبنانية لتنفيذ اللوحة، تحسباً للمشاكل في المدينة الدينية، حيث يبعد الملعب عن مرقد الإمام الحسين نحو ٨ كيلومترات، في مدينة تعد متزمتة اجتماعياً.
ويهيمن الإسلاميون على معظم مقاعد البرلمان والمناصب السيادية في العراق، لكن العلمانيين يسيطرون على مواقع الخبراء والتنفيذيين والقوات المسلحة والصحافة والمؤسسات الثقافية، ويحظون بدعم متنام من الشباب في الآونة الأخيرة، إلى درجة ضغطت على القوى المتشددة دينياً واضطرتها إلى التكيف مع الحضور العلماني الشعبي.
ولبطولة غرب آسيا أهمية كبرى، حيث باتت من الأنشطة التي تحظى باهتمام جمهور آسيوي كبير، وأيضاً من ناحية عدد الدول المشاركة، والمستوى الفني العالي للمنتخبات، ويعد إجراؤها بالعراق خطوة مهمة للعلاقات العربية والدولية التي تحرص عليها الحكومة.
لكن ذلك لم يمنع قسماً من الجهات الدينية بالعراق من مهاجمة الفعالية بقسوة، واعتبارها انتهاكاً صارخاً من الحكومة لقدسية المدينة، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل انبرى العديد من مساعدي المرشد الإيراني علي خامنئي، عبر خطب الجمعة في مدن مختلفة بإيران، إلى مهاجمة الحكومة العراقية، واعتبار ما حصل «مؤامرة ثقافية ضد الشعب العراقي المؤمن».
واشتعلت صفحات الجرائد والمنصات الإعلامية بجدل ساخن، رجحت الكفة فيه لمصلحة جمهور مدني يضم قسماً كبيراً من المؤمنين الشيعة، الذين رأوا في الحفل تكريماً للعراقيين، وترحيباً بتسع دول عربية، وإيذاناً بطي صفحة الماضي الصعبة في العلاقة بين العراق وجيرانه، كما أن جزءاً كبيراً من الجمهور استذكر صفقات المال الفاسدة التي حولت العراق إلى بلد فاشل تتسيده أحزاب معظمها متشددة دينياً، وتساءل العراقيون: هل يغضب نبي الإسلام أو الإمام الحسين من عزف نشيد لبلد مسلم أم من فساد رجال الدين؟
وفي مباراة لاحقة يوم الجمعة على أرض ملعب كربلاء ذاته، رفع شباب المدينة الدينية شعارات تنتقد استغلال حدث رياضي وفني بسيط في صراعات سياسية وفكرية، تحاول التغطية على فشل إداري وفساد مالي كبير، تتورط فيه أحزاب معروفة بتشددها الديني.
أما أبرز رد حسم هذا الجدل، الذي وصل إلى دعاوى قضائية متبادلة، فكان من جهة المرجع الأعلى لشيعة النجف آية الله علي السيستاني، الذي تجاهل في خطبة الجمعة المهمة هذا السجال، في إشارة فسرت بأن ما حصل لم يخدش قدسية المدينة، بقدر ما كان احتفالاً مهماً منضبطاً بين جمهور العراق والأشقاء العرب.