جنوب الدائرة القطبية الشمالية مباشرة، داخل الغابات الشاسعة في شمال فنلندا، يقع حقل رملي تنتشر فيه العشرات من الحفر “غير العادية”.
وعثر عمال على الموقع المعروف باسم “تاينيارو” (Tainiaro)، قبل ستة عقود، ومنذ ذلك الحين، ظلت أصوله بعيدة المنال.
ولكن الآن، بعد إجراء تحليل شامل للموقع، رجح العلماء أنه من المحتمل أن يكون مقبرة مترامية الأطراف للصيادين والجامعين يعود تاريخها إلى نحو 6500 عام، وفقا لدراسة نشرت في الأول من ديسمبر في مجلة Antiquity.
وقال علماء تابعون لجامعة أولو الفنلندية: “مثل هذه المقبرة الكبيرة الواقعة عند خط العرض الشمالي المرتفع لا تتناسب بالضرورة مع المفاهيم المسبقة حول الباحثين عن الطعام في عصور ما قبل التاريخ في هذه المنطقة”، مضيفين أنه قد يكون الوقت قد حان “لإعادة ضبط توقعاتنا”.
وخلال الحفريات التي أجريت في عام 2018 وتحليل العمل الميداني الأرشيفي، حدد العلماء ما يقدر بنحو 115 إلى 200 حفرة. وكانت معظمها مستطيلة الشكل ويبلغ طولها نحو 7 أقدام وعمقها 2.5 قدم.
ولم يتم العثور على بقايا بشرية بالداخل، ولكن عثر على آلاف القطع الأثرية، بما في ذلك الفخار وعظام الحيوانات المحروقة.
ومن خلال مقارنة هذه الحفر بالاكتشافات الأثرية الأخرى في العصر الحجري، خلص العلماء إلى أنها كانت على الأرجح مواقع دفن استخدمتها الشعوب المتجولة التي كانت تبحث عن الطعام وصيد الأسماك في المنطقة.وأضافوا: “في رأينا، ينبغي اعتبار تاينيارو موقعا لمقبرة، على الرغم من عدم وجود أي مواد هيكلية في تاينيارو”.
ولكن ما زاد من تعقيد استنتاجهم هو العثور على مواد محترقة داخل بعض الحفر، ما يشير إلى أنها ربما كانت مواقد. ومع ذلك، فإن آثار المواد المتفحمة لم تكن كافية لإثبات استخدام المصادر النارية.
وتشير هذه النتيجة إلى احتمال أن الموقع لم يستخدم فقط لدفن الموتى. ويوضح الفريق: “في الواقع، قيل مؤخرا إن أماكن الموتى في العصر الحجري الوسيط كانت أيضا أماكن للأحياء، وبعض المواقع التي تم تفسيرها سابقا على أنها مقابر كانت في مواقع سكنية مع مدافن محفورة أسفل المساكن”.
ومع أخذ هذا الاحتمال في الاعتبار، يقول العلماء إن “تاينيارو” لا ينبغي اعتباره موقعا ذي غرض واحد، بل ربما خدم أهدافا متعددة.
وإذا تم استخدامه، جزئيا على الأقل، كمقبرة، فإنه سيُصنف من بين أكبر مقابر العصر الحجري في شمال أوروبا.
وأشار آكي هاكونن، أحد مؤلفي الدراسة إلى أن فنلندا وحدها لديها أكثر من 200 موقع دفن من العصر الحجري، معظمها صغير للغاية.
وتابع: : “هناك عدد قليل من المواقع التي تحتوي على نحو 20 مدفنا، ولكن حتى هذه المواقع تعد حالات شاذة. لكن أكثر من 100 قبر هو أمر محير، وأكثر من 200 هو أمر مذهل”.
ويعد موقع “تاينيارو” مذهلا بشكل خاص لأنه يقع في منطقة شبه قطبية محظورة مع تساقط ثلوج شتوية كثيفة وانخفاض درجات الحرارة إلى أقل من 6 درجات مئوية تحت الصفر (20 درجة فهرنهايت).