العراق.. تحرك نيابي لـ”حظر المثلية” ودعوات لضبط “بوصلة” التشريع
أعرب مراقبون ومحللون سياسيون وناشطون، عن استغرابهم لإصرار البرلمان العراقي على تجاهل القضايا ذات الصلة المباشرة بحياة الناس، والانشغال بأمور لا يضعها العراقيون في مقدمة أولوياتهم في الوقت الحالي، كما هو حال الكهرباء وفرص العمل والجفاف، والفساد، وتدهور القطاعات الصحية والخدمية، بشكل عام.
في أواخر مايو الماضي أقر البرلمان العراقي قانونا “يجرم التطبيع مع إسرائيل”، والجمعة، أعلنت اللجنة القانونية النيابية، عن وجود “تحرك نيابي لتشريع قانون يحظر المثلية في العراق”.
وقال عضو اللجنة النائب عن ائتلاف دولة القانون، عارف الحمامي، لوكالة الأنباء العراقية إن “تشريع هكذا قانون سيعزز ببنود قانونية تمنع المثلية والانحرافات المرتبطة بها”.
الهروب من المسؤولية
الكاتب المحلل السياسي عقيل عباس، يعتقد أن إثارة “مثل هذه القضية ذات الطابع الأخلاقي ربما، والتي ليست ضمن مشاكل المجتمع” تشكل “أحد أشكال الهروب من المسؤولية الذي تمتاز به الطبقة السياسية” في العراق.
ويشير عباس في تصريحات لموقع “الحرة” إلى أن “ذهاب البرلمان لتشريع مثل هذه القوانين” يكشف أن “الطبقة السياسية فاقدة للأولويات، وتريد أن تهرب من قضايا المجتمع الحقيقة في ما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي وإصلاح الخدمات”.
وفي تغريدة على تويتر، كتب المحامي أحمد الزيادي أن “البرلمان العراقي الحالي حتى الآن شرع قوانيين لا تمس حياة المواطن ومعاناته الحقيقية. تجريم التطبيع !! حظر المثلية !! اما القوانين المتعلقة بالصحة والخدمات والبنية التحتية وتشريع قانون عقوبات جديد فلا ذكر لها ولا أحد يجمع لها التواقيع أو يتبنى تشريعها !!!”.
وفي رد على استفسارات موقع “الحرة”، يلفت الخبير الدستوري، ميثم حنظل، إلى أن هناك قوانين عراقية نافذة يمكن تطبيقها من دون الحاجة لتشريع جديد، أكان في ما يتعلق “بتجريم التطبيع” أو حتى “المثلية الجنسية”.
ويشير الخبير الدستوري، علي التميمي، في حديث مع موقع “الحرة” إلى أن “هناك عدة مواد قانونية في التشريعات العراقية النافذة تعاقب على ما تعتبره جرائم الدعارة، والزنا واللواط، والسمسرة، والتي تتراوح عقوباتها بين السجن والغرامة وتصل إلى الإعدام”.
ويرجع المحامي، دلوفان برواري، خلال حديثه مع موقع “الحرة”، انهماك البرلمان في قضايا هامشية، إلى انخراط القوى السياسية بـ”مزايدات، تحاول من خلالها كسب الشعبية بمعاداة الأفكار والمبادئ الغربية”.
ويشرح براوري وهو المنسق العام لـ”شبكة المحامين المتطوعين للدفاع عن حرية التعبير في العراق” أن “قانون تجريم تطبيع العلاقات مع إسرائيل دفع به التيار الصدري، ولهذا قد نرى مشاريع قوانين يدفع بها الإطار التنسيقي المقرب من إيران تستهدف إثارة العداء لمبادئ الحرية التي يشجع عليها الغرب، وكل ذلك يحدث في إطار التجاذبات السياسية من دون مراعاة ما يحتاجه الشعب العراقي”.
القوانين ذات الأولوية
وأجمع المحللون الذي تحدثوا مع موقع “الحرة” على أن “القوانين الاقتصادية، وخاصة تلك التي تتعلق بتنظيم قطاع النفط والغاز”، أو تلك التي “لها ارتباط مباشر بمعيشة المواطن” هي التي يجب أن تتصدر قائمة اهتمامات النواب في البرلمان العراقي.
ويملك العراق موارد نفطية هائلة تمثل 90 في المئة من عائداته، لكن ملف النفط غالبا ما يشكل مصدرا للتوتر بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد.
ويرى الكاتب عباس أن “الطبقة السياسية عليها تقديم شيء حقيقي لمجتمع غاضب منها لسوء إدارتها وللنهب الفظيع لموارد الدولة”، وعليها إيجاد حلول “للمشكلة التي يعاني من المجتمع العراقي وهي التدهور الاقتصادي والخدمات وانتشار الفساد وسوء عمل مؤسسات الدولة”.
ويؤكد المحامي براوري أن البرلمان يحتاج إلى التركيز على قوانين ذات أولوية مثل “قوانين النفط والغاز، وقوانين حرية الحصول على المعلومات، وحرية التعبير، وغيرها من القوانين الهامة”، مشيرا إلى “الحاجة لتعديل منظومة القوانين والتشريعات التي تعمل بها البلاد، والتي أقرت في زمن النظام السابق”.
وكتبت نور العنزي، في تغريدة إنه بدلا من تشريع قانون العنف الأسري الذي طال انتظاره، “البرلمان منشغل بتجريم المثلية”.
ويرى الخبير الدستوري ميثم حنظل أن “بوصلة” مجلس النواب غير واضحة، “إذ مضى فصل تشريعي من دون إقرار أي قوانين تهم المواطن العراقي”، داعيا الكتل البرلمانية إلى “الإيفاء بما كانت تعد به الناخبين خلال الانتخابات، وتطبيق الشعارات التي أطلقتها.
قانون حظر المثلية
يتهم تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش نشرته بالتعاون مع منظمة “عراق كوير” في مارس الماضي، جماعات مسلحة في العراق باختطاف واغتصاب وتعذيب وقتل متحولين ومتحولات ومثليين ومثليات ومزدوجي الميول الجنسية، مع الإفلات من العقاب.
وقالت المنظمة إن الحكومة العراقية فشلت في محاسبة الجناة، مشيرة إلى وجود تواطؤ من قوات الأمن في كثير من الأحيان لمضاعفة أعمال العنف ضد مجتمع الميم وباعتقال أفراد منهم بسبب مظهرهم.
وانتقد أمير عاشور، مؤسس “عراق كوير”، وهي أول منظمة للدفاع عن مجتمع الميم في العراق، في تغريدات عبر تويتر، التوجهات البرلمانية بإقرار قانون يحظر المثلية، وقال إن “الحكومة العراقية اعترفت أمام المجتمع الدولي بالحق في الحياة لجميع المواطنين بغض النظر عن ميولهم الجنسية، والعراق ملزم بحماية المواطنين من مجتمع الميم بموجب الالتزامات الدولية”.
وبين عاشور أن “السلطات العراقية فشلت في حماية مواطنيها من مجتمع الميم” إذ ارتُكبت ضدهم العديد من الجرائم، مشيرا إلى أن من يقود البلاد حاليا “هم جماعات مسلحة ينشرون الخوف والعنف بدلا من حماية حقوق الإنسان للعراقيين وبناء وطن للجميع بما فيهم مجتمع الميم”.
وأعرب عاشور عن مخاوفه من أن إقرار مثل هذا القانون سيتيح للحكومة قانونيا وللجناة الذين يستهدفون أعضاء مجتمع الميم، الإفلات من الملاحقة، الأمر الذي سيعرض فئة من العراقيين لـ”الخطر”.
أمين عام حركة “25 أكتوبر”، طلال الحريري انتقد التوجه لتجريم المثلية في العراق، وقال “سنبقى دائما داعمين لحرية مجتمع الميم بقدر دعمنا لكل الحريات”.
وأكد في تغريدة عبر تويتر “يؤكد حزبنا على رفضه التام لهذا المقترح المتطرف الذي يهدد حياة أكثر من 360 ألف مواطن، ويعطي للإرهاب شرعية لقمع حقوق الإنسان ومصادرة الحريات التي نص عليها الدستور العراقي”.
ويرسم تقرير هيومان رايتس ووتش، الآنف الذكر، صورة قاتمة تفيد بأن أفراد مجتمع الميم العراقي محاصرون من عدة اتجاهات، من بينها العنف الشديد من أفراد الأسرة والمضايقات في الشوارع والاستهداف الرقمي والمضايقات من جانب جماعات مسلحة على مواقع التواصل الاجتماعي.