الفشل المفاهيمي للاحتلال ساعد في وقوع هجوم حماس
يرى الخبير الأمريكي ديفيد ماكوفسكي، أنه سواء كان الأمر متعمداً أو مفارقة تاريخية قاسية، من اللافت للنظر أن هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، الذي أسفر عن مقتل 1400 شخص وإصابة أكثر من 3300 آخرين، حدث بعد 50 عاماً ويوم بعد حرب 1973، التي وصفت بأنها مفاجأة استراتيجية حيث هاجمت مصر وسوريا إسرائيل في أقدس يوم في العام.
ويقول ماكوفسكي، مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية، إن تحقيق لجنة أجرانات التي تم تشكيلها بعد الحرب، تقصي ليس فقط المفاجأة العملياتية ولكن أيضاً الفشل المفاهيمي؛ المتمثل في الافتراض الحاكم الذي أقنع القادة العسكريين الإسرائيليين بتصور أن مصر، غير القادرة على الانخراط في القصف العميق الضروري لإسرائيل، لن تبدأ حرباً لا يمكنها الانتصار فيها.
ويضيف أنه “في عام 1973 كان الفشل المفاهيمي سيئاً للغاية، ذلك لأن الإسرائيليين عرفوا النجاح المصري بصورة مختلفة عن الرئيس أنور السادات. فقد كان السادات يعتقد أنه لو استطاع فقط عبور قناة السويس، سيحطم هالة الدولة التي لا تقهر التي تمتعت بها إسرائيل منذ انتصار الأيام الستة الخاطفة في حرب 1967″.
ويتساءل ماكوفسكي في المقابل عن ما كان عليه الفشل المفاهيمي في 2023، ويقول إن افتراضه الحاكم هو أنه في ظل عبء حكم قطاع غزة الثقيل، ستحتاج حماس إلى أن تثبت نفسها من خلال الأداء الاقتصادي، وأن الحوافز الاقتصادية تجاه حماس بوجه خاص، سوف تؤدي إلى تعديل اعتقادها الأساسي بأن إسرائيل كيان غير مشروع يتعين القضاء على وجوده وقتل مواطنيه.
وكان هناك كثير من العوامل وراء هذا الفشل المفاهيمي، ولكن في جوهرها كانت تعتمد على فكرة أن حماس تمر بمرحلة تطور تنظيمي ستثمن فيه أي زيادات حتى لو كانت متواضعة في مستويات المعيشة في غزة. فالتقدم الاقتصادي سوف يؤدي إلى الهدوء. ووفقاً لهذا الرأي، كانت حماس على استعداد للتضحية على الأقل ببعض من أيدولوجيتها من أجل التكيف مع واقع الحكم.
ويضيف ماكوفسكي، الأستاذ المساعد لدراسات الشرق الأوسط بكلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكينز، أن هذا الافتراض الأساسي كان يؤمن به بالمثل الكثير من الدبلوماسيين الأمريكيين والأوروبيين. وكان المسؤولون الإسرائيليون يأملون في أنه من الممكن التوصل إلى ما أصبح يعرف بـ” ترتيب”. وإذا ما أدت الظروف السيئة في غزة إلى تفاقم الإيدولوجية، ربما يمكن أن يحدث العكس. فالتحسن الاقتصادي يمكن أن يخفف الحماس الأيدولوجي. ومن المؤسف أن هذا المبدأ ثبت فشله التام في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
كما تساءل ماكوفسكي عن مدى اعتماد هذا الفشل المفاهيمي على التضليل الاستراتيجي من جانب حماس، ومدى اعتماده على أماني إسرائيل أو الدول الغربية. ومن المرجح أنه كان للأمرين دورهما.
فحماس من جانبها، أوضحت تماماً أنها تسعى للاستقرار في غزة من أجل تعميق تواجدها وتعزيز تهديدها في الضفة الغربية. وعلاوة على ذلك، أوضحت أنها تقدر حقيقة أن ما بين 17 ألف إلى 20 ألف من أهالي غزة يعملون في إسرائيل، حيث يتقاضون مرتبات تبلغ 10 أضعاف متوسط الأجور في غزة.
وكما اتضح، وربما بقوة، فقد كانت حماس تستعين بالعاملين في غزة للحصول على تفاصيل استخباراتية تفصيلية عن القرى المجاورة. وأخيراً، فقد قبلت حماس ترتيباً عام 2019 أعدته الأمم المتحدة ومصر يقضي بأن توقف المظاهرات العنيفة على الحدود بين إسرائيل وغزة، ووقف إطلاق البالونات الحارقة لحرق الحقول الإسرائيلية في مقابل تمويل شهري من قطر لغزة قدره 30 مليون دولار.
واستمر هذا الترتيب لسنوات قليلة لكنه لم يمنع حماس عما قامت به من هجوم في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، وهناك إشارة زائفة أخرى تمثلت في قرار حماس – مرتين في الأعوام الأخيرة- عدم المشاركة في القتال الدائر بين إسرائيل وجماعة الجهاد التي تدعمها إيران. وقد ااعتبر هذا التصرف دلالة على التفكير العملي، حيث أن حماس كانت تعتبر جماعة الجهاد منافساً لها في كسب شعبية المواطنين في غزة.
وبالنسبة لدور إسرائيل في الفشل المفاهيمي، فقد أوضح رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في مذكراته أنه يعتبر قضية حماس تحدياً يمكن إدارته وأن إسرائيل ستفقد الكثير من الجنود في أي توغل بري في غزة. وركز نتانياهو على هذه الأطروحة وربطها بتفضيله الإبقاء على الانقسام بين حماس في غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
ويمكن القول أن من الأخطاء التي ارتكبتها إسرائيل تقليلها من أهمية الإيدولوجية بالنسبة لحماس رغم الاحتياجات الاقتصادية الشديدة لأهالي غزة. وهناك لحظة معبرة في عام 2017 عندما التقى قائد حماس يحيى السنوار بطلبة من غزة، من بينهم أشخاص بدا أنهم متشككون بالنسبة لحماس.
وأكد السنوار أن حماس لن تنزع سلاحها إلا عندما يدخل” الشيطان الجنة” وأنه “لا تمضي دقيقة في النهار أو الليل لا يتم فيها بناء قوتنا العسكرية”، وبالإضافة إلى ذلك “لم يكن النقاش حول الاعتراف بإسرائيل ولكن كان حول محوها”. وفي ظل الفشل المفاهيمي، كان السنوار شاهداً على معاناة شعبه في غزة وكان ينظر إليه على أنه مختلف وأكثر إحساساً تجاه مخاوفهم من سلفه خالد مشعل، الذي يعيش في قطر.
وأوضح ماكوفسكي أن هناك حالياً اتفاقاً واسع النطاق عبر المشهد السياسي الإسرائيلي، يشارك فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه يتعين إبعاد حماس عن السلطة. وعلى أية حال فإن حماس على أعتاب إسرائيل، وينبغي على إسرائيل أن تفرق بين حماس التي لا يمكنها التعايش معها، وبين غالبية الفلسطينيين الذين لا يشاركونها في تلك الأيدولوجية المطلقة. ومن المحتم أن هذا سيكون أمراً صعباً مع استمرار الحرب.