المشاكل تهدد بإضعاف انتصار الرئيس الصيني
تكثر الشائعات المتداولة قبيل المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني الذي أصبح على بُعد شهر واحد فقط، فقد ذكر تقرير نشرته صحيفة «يونايتد ديلي» التايوانية في أواخر شهر أغسطس أن رئيس الوزراء المنتهية ولايته، لي كه تشيانغ، قد يخلف شي جين بينغ كأمين عام للحزب الشيوعي الصيني، وبعد فترة قصيرة، زعم بعض المعلّقين أن شي جين بينغ بدأ يخسر الدعم وسط قادة الحزب الحاكم، حتى أن ثلاثة مسؤولين مخضرمين في الحزب كتبوا رسالة يحذرون فيها من ظاهرة عبادة الزعيم ومركزية السلطة.
في غضون ذلك، تجددت المؤشرات التي تنذر بتوسع الشرخ بين أهم زعيمَين في الصين بعد الانسحاب من اجتماع «بيداهي» الشهر الماضي، سافر شي جين بينغ إلى مقاطعة «لياونينغ» التي ترمز إلى الاقتصاد الموجّه الذي اعتمدته الصين سابقاً، في المقابل، سافر لي إلى «شنغن»، مهد إصلاحات السوق الصيني، وخلال الأسبوع نفسه، كثّفت وسائل الإعلام تغطيتها لأخبار لي ونائب رئيس الحكومة هيو شون وا، في حين تراجع الكلام عن شعار شي جين بينغ حول «معيارَي الحُكم الأساسيَين» بدرجة بسيطة. تكشف هذه التطورات المفاجئة أن المجال لا يزال مفتوحاً أمام ظهور آراء وشخصيات منافِسة في حقبة الزعيم الواحد التي تشهدها السياسة الصينية النخبوية اليوم، ومع ذلك، يجب ألا يستنتج أحد أن سطوة شي جين بينغ على السلطة أصبحت مُهددة الآن بسبب خصوم فئويين مثل لي وهيو.
سبق أن أكد لي استقالته من رئاسة الحكومة، وهو منصب أضعفه شي جين بينغ والكيانات التي يسيطر عليها، ويسمح له عمره بالبقاء في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي المؤلف من سبعة أعضاء في الحزب الشيوعي الصيني، لكنه قد يضطر في هذه الحالة لتقبّل تخفيض رتبته بدل ترقيته لمنصب الأمين العام، وإذا عُيّن هيو رئيساً للحكومة، فلن يعني هذا التطور بالضرورة أن شي جين بينغ يواجه تحدياً صعباً، بل إنه يعكس بكل بساطة حجم الخبرة التي يتمتع بها هيو ومستوى قبوله داخل الحزب الحاكم.
لا يزال شي جين بينغ يسيطر على التغطية الإعلامية الرسمية، فهو الزعيم المرموق الوحيد الذي ذكرته نشرة الأخبار المسائية في الصين خلال النصف الأول من شهر أغسطس، ثم أُعيد إحياء شعار«معيارَي الحُكم الأساسيَين»، الذي يهدف إلى تبرير بقاء شي جين بينغ في السلطة، في بداية شهر سبتمبر،و في الوقت نفسه، أصبح رئيس الحزب السابق في مقاطعة «خوبي»، ينغ يونغ، آخر حليف للرئيس الصيني يضطلع بدور قيادي بعد المؤتمر، ومن المتوقع أن يتم تعيينه في منصب المدعي العام.
تأكدت هيمنة شي جين بينغ أيضاً عند الإعلان عن المؤتمر المقبل، فأُعيد التأكيد على أبرز أفكاره السياسية التي ترتكز على «الازدهار المشترك» والتجدّد الوطني، وذكرت وكالة أنباء «شينخوا» أن دستور الحزب الشيوعي الصيني سيخضع للتعديل مجدداً خلال مؤتمر هذه السنة، ويتوقع مراقب الشؤون الصينية، بيل بيشوب، أن يكرّس ذلك التعديل إيديولوجيا شي جين بينغ، حتى أن هذا الأخير قد يحصد اللقب الفخري «القائد الأعلى» الذي حمله ماو تسي تونغ وحده في السابق. لهذه الأسباب كلها، يجب أن نتعامل مع أي شائعات حول التحديات المطروحة على سلطة شي جين بينغ بعين الشبهة، فقد تكون تلك الشائعات مفبركة من جانب فئات أو مجموعات اهتمام معيّنة، وفي الوقت نفسه، أصبحت إعادة اختيار شي جي بينغ شبه حتمية، ويكذّب هذا الواقع التحديات المحلية والدولية التي كان الزعيم الصيني يفضّل تجنّبها خلال هذه السنة التي تتزامن مع انعقاد المؤتمر الحزبي.
على المستوى الجيوسياسي، يواجه شي جين بينغ موقفاً شائكاً بسبب دعم الصين الضمني للغزو الروسي ضد أوكرانيا، وتكشف المؤشرات الأولية المنبثقة من لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الشراكة «غير المحدودة» بين البلدين لا تزال على حالها، مع أن الرئيس الصيني كان قد عبّر عن مخاوفه من تعثّر جهود الحرب، وخوفاً من العقوبات المنسّقة التي يستعملها الغرب ضد موسكو، حاولت بكين تسريع جهود الاكتفاء الذاتي في مجالات محورية مثل الطاقة، والتكنولوجيا، والقطاع الغذائي.
لكن زادت هذه الجهود تعقيداً بسبب سلسلة من الأحداث المناخية المتطرفة التي اجتاحت عدداً من المناطق الصينية هذا الصيف، فبدءاً من شهر يونيو، أثّرت موجة حر قياسية على معظم مناطق جنوب الصين وشرقها، مما أدى إلى انتشار جفاف حاد على طول نهر اليانغتسي، كذلك، شهدت أجزاء من غرب الصين فيضانات مفاجئة بعد هطول كميات مضاعفة من الأمطار في شهر يوليو، ثم زاد الوضع سوءاً عند اندلاع الحرائق في غابات «سيتشوان» و«تشونغتشينغ» في أواخر شهر أغسط، ووقعت هزة أرضية قوية في بداية سبتمبر.
وشكّلت الأحوال الجوية خلال هذا الصيف مصدر إلهاء سلبي لبكين، لا سيما موجة الحر التي سبّبت نقصاً في مصادر الطاقة، وعطّلت الخدمات اللوجستية التي تتكل على الأنهار، وأساءت إلى الإنتاج الصناعي، وخفّضت المحاصيل الزراعية، فقد تحتاج الصين الآن إلى زيادة واردات السلع الأساسية، مع أن شي جين بينغ دعا الشعب الصيني إلى «إحكام قبضته على أوعية الرز بين يديه».
على صعيد آخر، أدى سوء الأحوال الجوية إلى تفاقم التحديات الاقتصادية القائمة، أبرزها أزمة السيولة المستمرة التي تؤثر على قطاع العقارات، وفي شهر يوليو انتشرت احتجاجات في مدن مثل «تشنغتشو»، حيث امتنع أصحاب المنازل عن دفع الرهون العقارية للممتلكات غير المكتملة، ولتخفيف حدة الأزمة، لجأت الحكومات المحلية إلى تقليص القيود المفروضة على المعاملات العقارية، حتى أن جزءاً من السلطات الإقليمية بدأ يشتري الأراضي الآن لإنقاذ المدن والمقاطعات التي تواجه ضائقة مالية.
تتعلق مشكلة كبيرة أخرى في الاقتصاد الصيني باستراتيجية «صفر إصابات» لمعالجة أزمة كورونا، فمنذ بداية شهر سبتمبر تخضع 33 مدينة صينية (نحو 65 مليون شخص) لشكلٍ من الإقفال التام، وفق مصادر شبكة «كايكسين»، ويبدو أن المعنيين لم يستخلصوا الدروس اللازمة من فترة إقفال «شنغهاي»، إذ يواجه السكان من «شينغيانغ» إلى «سيتشوان» نقصاً في المواد الغذائية، وتفيد التقارير بأنهم حُرِموا من تلقي الرعاية الصحية في الوقت المناسب. بعيداً عن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية، هل يمكن أن تشكّل سنة الأوبئة والعواصف نذير شؤم على المستوى السياسي أيضاً؟ في الثقافة الصينية التقليدية، تحمل الكوارث الطبيعية دلالات سلبية، ويقال إنها تنذر بخسارة شرعية الحاكم أو الرضوخ «لحُكْم السماء»، ففي يوليو 1976، وقع زلزال «تانغشان» قبل ستة أسابيع فقط من موت ماو تسي تونغ وأدى إلى سقوط 300 ألف ضحية.
لم يتعرّض شي جين بينغ لأحداث بهذه الضخامة بعد، بل إنه يصمد حتى الآن في وجه العواصف الدولية والمحلية، وحتى هذه اللحظة لم تفرض الحروب أو قرارات الإقفال أو الحوادث المناخية تكاليف بشرية أو اقتصادية قادرة على تهديد استمرارية شي جين بينغ في السلطة، لكن الرئيس الصيني يحرص حتماً على تجنب أي أزمات إضافية، سواء كانت طبيعية أو من صنع البشر، خلال المرحلة الأخيرة التي تسبق مؤتمر الحزب الحاكم.