النيابة تدافع عن متهم وتدفع ببراءته: القضية تمس تاريخنا في معناه ومبناه
في سابقة هي الأولى من نوعها، دافعت النيابة العامة عن متهم وطالبت ببراءته من التهم في الدعوى المرفوعة ضده من واحدة من أقارب «مسافر عبدالكريم» وقدمت النيابة مذكرة بدفاعها، مؤكدة ان القضية المطروحة لا تتصل بمصلحة مهدرة أو أخرى منسية، بقدر ما تمس تاريخنا في معناه ومبناه، وهو ما حدث يوم الثاني من أغسطس سنة 1990. فيما حجزت المحكمة الدعوى للحكم بجلسة 21 أغسطس.
وتتلخص الواقعة، في الدعوى المرفوعة من مواطنة ضد مغرد نشر في حسابه، أنه خدش اعتبارها، وأساء لها وقام بالمساس بكرامتها، فقضت المحكمة بتغريمه غيابيا 3 آلاف دينار، الا ان المتهم طعن على الحكم، إلا أن محكمة الجنح المستأنفة قضت بتغريمه 500 دينار عن جميع التهم المسندة اليه، فطعن المتهم على الحكم من جديد، وتدخلت النيابة العامة متضامنة معه.
وفي مرافعة النيابة العامة، قال رئيس النيابة حمود مشاري الشامي أمام المحكمة، إن النيابة العامة تتولى الدعوى العمومية باسم المجتمع، وتشرف على شؤون الضبط القضائي، وتسهر على تطبيق القوانين وملاحقة المذنبين وتنفيذ الأحكام، وأن القانون يرتب هذه الهيئة وينظم اختصاصاتها، ويعين الشروط والضمانات الخاصة بمن يولون وظائفها.
النص الكامل لمذكرة النيابة العامة
وأضاف «ولما كانت النيابة العامة شعبة أصيلة من شعب السلطة القضائية، يضمن الدستور لها استقلالها ويحيطها بضماناتها لتقبض على سلطة التحقيق والاتهام، في ما وسّد إليها من اختصاصات، محملة بمسؤولية الدفاع عن المجتمع، رائدها شرف الخصومة ومرجعها في القوامة على شأن الدعوى العمومية، ابتغاء الصالح العام وترسيخ مقتضيات القانون وحسن سير العدالة، وكانت مصلحتها في الطعن الماثل قائمة على تحقيق موجبات العدالة قياما، فإن طعنها يكون على أساس سليم من القانون حقيقا بقبوله، ومن حيث فإن النيابة العامة تنعى على الحكم ترديه في البطلان من وجهين، الفساد في الاستدلال والتعسف في الاستنتاج، وذلك بما دان المتهم من جرائم».
وأضاف الشامي أن «الحكم ركن على أقوال الشاكية ومجرى التحريات، مكتفياً بإيراد دفاع الطاعن، في شأن ما تمسكت به الشاكية من استشهاد جدها لوالدتها في أعقاب الغزو العراقي الغاشم، وبما يخالف الحقائق الثابتة في سجلات الدولة، ومع ما انتهت إليه النيابة العامة في بلاغ الشاكية في هذا الشأن، والحائز لقوة الأمر المقضي من إثبات خيانة جدها المدعو مسافر عبدالكريم، وتعاونه مع قوات الاحتلال الغاشم خلال فترة الغزو العراقي الغاشم، ودون أن يرد الحكم على دفاع الطاعن في هذا الصدد، بشكل جازم يفصح عن المنطق القانوني السليم الذي استند إليه في أسبابه بالتفاته عن هذا الدفاع أو عن مدلولات قرار النيابة العامة سالف الإشارة، ترتيباً على المقدمات التي خلص إليها في قضاء الإدانة، الأمر الذي يوصم الحكم بالتجهيل وبالحقائق التي تم طرحها على بساط البحث، لا سيما قرار النيابة العامة المشار إليه وتأثيره على الدعوى، إخلالاً بعناصر الاتهام بشكل غير مفهوم، لا وفق قواعد تفسير منطقية لها من مضمونها أو إجراءتها ما يكفل إنصافها».
وطلب من المحكمة السماح له بأن يوطئ بما سبق للشاكية بما تقدمت به من بلاغ حرر في سنة 2019 «حصر اعلام» ذكرت فيه استشهاد جدها المدعو مسافر عبدالكريم، وفيه شاكت مناوئة الطاعن وآخرين في ما عاينوه وعاصروه من خيانة جدها المذكور ابان الاحتلال العراقي الغاشم سنة 1990، كي ما تستبرئ له رجسه وفيها تولت النيابة العامة تحقيق واقعات البلاغ مستفيضة في أعطافه على النحو المفصّل فيه، بيانا للحقيقة في كامل أبعادها، فكان كل صغير وكبير فيها مستطر، وربما أن فداحة الجرم مغرية بالإطالة في شرح تلك القضية، بياناً لها وتحليلاً لما هو مضمر في أطوائها من دلالات تنم عن رجس الخيانة، غير أن الاستغراق في السرد قد يباعد بيننا وبين ما نحن معنيون باستظهاره، فما بین ظاهر حاصل الدعوی کما سلف القول وباطنه دلالات شتی لا تعزب عنكم أولي النهى والأبصار.
وتابع الشامي«ما نطرحه اليوم بساحة عدلكم لا يتصل بمصلحة مهدرة أو أخرى منسية، بقدر ما يمس تاريخنا في معناه ومبناه، وليس أدل على هذا من واقعة ما فتئت تتكرّر، حتى جعلتنا نستذكر تاريخاً كاد يحتضر، فهاؤم ما في أسفار التاريخ مستطر، فارهفوا السمع واهجعوا بقلب، فهو يوم الثاني من أغسطس سنة 1990،
ويا له من يوم عسر خشعت له أبصار العالم، وقالوا ما هذا إلا ضلال وسُعر، يوم غشانا العدو بأزلامه كجراد منتشر، مُهطعين إلى أطماعهم، فزادوا على العسر نحساً مستمراً.
وإليكم من قفز إلى سفين الشقاء، يمخرُ في بحر الخيانة متبعاً شيطانه وكل أمر مستقر. فباع الأرض وانتهك الحرمة، مجترئة على كل ما نكر».
وختم الشامي مرافعته بالقول «لما كان ذلك، وكان لا يبين من الحكم الطعين أن المحكمة حين استعرضت قرار النيابة العامة سالف البيان الحائز لقوة الأمر المقضي، أنها كانت ملمة به إلماماً شاملاً لیهیئ لها أن تمحصه التمحيص الكافي، الذي يدل على أنها قامت بما يقتضي عليها من التدقيق والبحث، لتعرف وجه الحقيقة لتمكين محكمة الطعن من التعرف على صحة الحكم من فساده، بما يكون معه الحكم قد تعيب بالقصور الموجب لتمييزه.
وبناء عليه تطلب النيابة العامة قبول طعن المتهم شكلاً وفي الموضوع بتفويض الرأي للمحكمة في الدعوى».