تعويض الفاقد التعليمي ضرورة ملحة لعلاج الجسد التربوي من آثار جائحة «كورونا» وتداعياتها
شكلت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) وتداعياتها تحديات دولية غير مسبوقة طالت مناحي الحياة كافة لعل أكثرها تضررا قطاع التعليم الذي رزح حوالي عامين تحت وطأة إغلاق المدارس أبوابها في وجه طلبتها كإجراء احترازي لمجابهة انتشار الفيروس التنفسي الذي حصد ملايين الأرواح وأضر بالاقتصادات وغيرها من الآثار السلبية.
ومع استفحال الأزمة وخروج انتشار الفيروس عن السيطرة لجأت الدول إلى اعتماد (التعليم عن بعد) لمواصلة تدريس الطلبة مناهجهم في حين اضطرت وزارة التربية إلى دمج مقررات الفصل الدراسي الثاني (2019 – 2020) مع الفصل الأول من العام الذي تلاه ثم استئناف الدراسة حضوريا بتناوب الطلبة في مجموعات ما أدى إلى نشوء فجوة تعليمية عرفت اصطلاحا ب(الفاقد التعليمي) بموازاة انخفاض مستوى تحصيل الطلبة خاصة بالمراحل الأولى التي تتطلب تفاعلا حيا ومباشرا بين أطراف العملية التعليمية.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه وزير التربية وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور علي المضف المرحلة الحالية “من أصعب المراحل التي مرت بها المسيرة التربوية على امتداد تاريخها” عمدت (التربية) إلى إطلاق مشروع تعليمي لتعويض الفاقد الدراسي ويعد “روشتة أولية” لعلاج الجسد التربوي “المنهك” بفعل أزمة كورونا وتداعياتها.
وفي هذا الصدد استطلعت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الأربعاء آراء أطراف فاعلة في المنظومة التعليمية المحلية بغية الوقوف على الخطوات المتخذة لتدارك السلبيات الناجمة عن الجائحة وسبل علاجها إذ قال وكيل وزارة التربية الدكتور علي اليعقوب إن الآثار التي خلفتها الأزمة طالت مناح شتى من الحياة ومنها (التعليم) ما حدا بالجهات المعنية الركون إلى نظام (التعليم عن بعد) كإجراء احترازي لمجابهة انتشار الفيروس ما انعكس سلبا على التحصيل العلمي لدى الطلبة وأفقدهم ميزة التواصل المباشر مع المعلمين.
وأضاف اليعقوب ل(كونا) أنه انطلاقا من الحرص على تعويض (الفاقد التعليمي) المتمثل في عدم اكتساب الطلبة المعارف والمهارات المخطط لها نتيجة الانقطاع عن الدراسة عمدت (التربية) إلى إطلاق مشروع بعنوان (إعادة تعزيز التعليم لدى الجميع) لتزويدهم بما فاتهم من دروس وفق منهجيات وأبحاث علمية وتدريب على المهارات الأساسية.
وأوضح أن المشروع يتضمن أربع مواد دراسية “اختيرت وفق أبحاث علمية” وهي اللغتان العربية والإنجليزية إضافة إلى الرياضيات والعلوم مبينا أن المشروع موجه للطلبة من الصف الرابع إلى الثامن عبر خطة مدروسة تنفذ على مرحلتين تنطلق أولاها الأحد 17 الجاري في 12 مركزا متخصصا بواقع أربع حصص دراسية في اليوم الواحد.
وأفاد بأن المشروع الذي يمتد أسابيع أربعة وبلغ إجمالي عدد المسجلين فيه نحو 1836 طالبا وطالبة يستهدف تمكينهم من المعارف والمهارات اللازمة للانتقال من صف إلى آخر ومن مرحلة إلى أخرى بما يضمن حفظ البناء التراكمي دون فجوات مع رفع جودة المخرجات التعليمية.
وذكر أن الوزارة حرصت على استخدام أساليب تربوية وتعليمية لعلاج الفاقد التعليمي بواسطة القراءة والرسم ومجموعات دعم خاصة علاوة على تفعيل الأنشطة المدرسية اللا صفية بشكل تدريجي كما عقدت دورات متنوعة حول استراتيجيات التدريس الحديثة.
ولفت إلى توجيه القائمين على الهيئة التعليمية لإعداد المحتوى المناسب لهذا المشروع مع الاستعانة بالمصادر المتنوعة والأنشطة المختلفة وبناء قاعدة تعليمية متجددة واستخدام أساليب تقويم متنوعة تناسب الفروق الفردية فضلا عن توظيف نتائج التقويم وتحسين عملية التعليم والتعلم.
واعتبر اليعقوب مشاركة الوالدين في المجتمع المدرسي “عاملا مهما وأساسيا” لمعالجة آثار الأزمة خاصة في سنوات التعلم الأولى لأبنائهم لارتباطه بشكل وثيق بالتحصيل الأكاديمي مستقبلا مؤكدا ضرورة التركيز على توفير بيئة داعمة للتعلم والاهتمام بتقديم المساعدة في الجوانب الدراسية والشخصية وتبادل النقاشات مع الأبناء حول أهمية التعليم والمدرسة بما يعزز قيمة التعليم في نفوسهم.
من جانبه، قال رئيس لجنة شؤون التعليم والثقافة والإرشاد البرلمانية النائب الدكتور حمد المطر ل(كونا) إن تطوير المنظومة التعليمية مسؤولية مشتركة تتطلب تكاتف الجهود من أجل مستقبل مشرق للكويت وأهلها ولتجاوز تداعيات ما أفرزته الأزمة الصحية العالمية خاصة في مجال التعليم.
وأوضح المطر أنه حرصا على “الارتقاء بالعملية التعليمية وتلافي السلبيات” عقدت اللجنة البرلمانية اجتماعات موسعة مع عدد من الجهات الحكومية ذات الصلة ومؤسسات المجتمع المدني أثمرت تشكيل فريق فني من المعنيين لتقديم تصورات من شأنها “تطوير التعليم العام في الكويت”.
وأشار إلى بلورة أبرز القضايا والرؤى المستخلصة في تصورين هما (حوكمة وضمان جودة المنظومة التعليمية) و(حوكمة وضمان جودة المنظومة المدرسية).
ولفت إلى مواصلة اللجنة البرلمانية جهودها الهادفة إلى التطوير إذ عقدت اجتماعا مع مسؤولي وزارة التربية في نهاية شهر مايو الماضي للوقوف على مدى استعداداتها للعام الدراسي المقبل بعد انقشاع تدابير أزمة كورونا خاصة لجهة جاهزية المباني والصيانة وتوفر الموارد البشرية الكافية وتسكين المناصب الإشرافية وتوفير الكتب الدراسية وكل ما يؤدي إلى بدء عام دراسي خال من التعثر والنواقص وبأقل الأخطاء.
وذكر أن مسؤولي الوزارة أكدوا خلال الاجتماع الجاهزية لاستقبال العام الدراسي “ونحن نؤكد دعمنا للوزارة عبر تذليل كافة العوائق”.
واستدرك المطر قائلا إن الأسرة تعد شريكا محوريا في القضية التعليمية لذا يتعين على أولياء أمور الطلبة ألا يتساهلوا مع أي ممارسات دخيلة على التعليم لاسيما الغش فضلا عن السعي لتوفير بيئة محفزة على الإنجاز والتعلم والتواصل مع المدرسة لأخذ التوجيه المناسب.
بدوره قال رئيس جمعية المعلمين الكويتية حمد الهولي ل(كونا) إن الجمعية طرحت إبان الأزمة مبادرة (التعليم ما بعد جائحة فيروس كورونا) للمساهمة في إنقاذ التعليم بعد انقطاعه شملت تطوير النظام التعليمي وفق منهجية استراتيجية وقد حازت جائزة دولية باعتبارها من الجهود الأكثر فعالية في مواجهة تداعيات الجائحة. وذكر الهولي أن الجمعية واصلت جهودها بتقديم عدة مبادرات لتعويض الفاقد في المهارات التعليمية بإقامة فصول تقوية للطلبة والطالبات بالعام الدراسي المنقضي وتنظيم عدة ملتقيات لتعزيز وتمكين المعلمين الجدد ومعلمي المستقبل من المهارات الأساسية وإقامة مسابقات علمية وابتكارية مختلفة لتحفيز المعلمين. ولفت إلى توصيات وحلول انتهى إليها مؤتمر نظمته الجمعية في شهر فبراير الماضي تحت رعاية سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظه الله أبرزها تطوير المواد الدراسية خاصة العلوم والرياضيات واللغة العربية والتركيز على تطوير مهارات التفكير المختلفة والتواصل والثقافة الرقمية والتحول من المنهج القائم على المادة إلى المنهج القائم على المتعلم. وأضاف أن التوصيات شملت دمج التعليم التقليدي مع التعليم الإلكتروني بكافة أشكاله مع تطوير برامج إعداد المعلمين قبل وأثناء الخدمة بما يحقق هذا التوجه والتشجيع على استخدام التطبيقات التعليمية التفاعلية وإقامة الورش التوعوية والتدريبية للمعلمين لتزويدهم بمهارات واستراتيجيات تكوين اتجاهات إيجابية لدى الطلبة نحو التعلم والمدرسة والمواد الدراسية.
ونوه بدور الأسرة كشريك أساسي في تعليم وتثقيف الأبناء وترسيخ القيم وتعزيز ثقافة الابتكار لديهم مقترحا إشراك أولياء الأمور ببرامج حوارية توعوية وورش عمل تمدهم بآليات التعامل مع المراحل العمرية المختلفة وتعزيز الصحة النفسية والثقة لدى الأبناء وسبل توفير بيئة داعمة للتعلم.