تقنيات ثورية زراعية لمواجهة أزمة الجوع في العالم
يواجه العالم أزمة الجوع والتي يعيشها حوالي 800 مليون نسمة، وتضعها منظمة الأمم المتحدة على قمة أولويات أجندتها 2030 للتنمية المستدامة، ولكن على أفضل تقدير، فالخطوات الحالية سيحل علينا عام 2030 ومايزال 8% من سكان العالم، أي 650 مليون نسمة، يعانون من نقص التغذية، والعالم في حاجة ماسة إلى زيادة إنتاجه من الغذاء بنسبة 70% بحلول 2050، كل ذلك والزراعة لا تشغل سوى نسبة 3% من إجمالي الناتج الدولي للعالم، وهو ما يمثل يمثل فقط ثلث نصيب الزراعة منه على مدار العقود الماضية.
وكي يتمكن العالم من إحداث الطفرة في القطاع الزراعي، لن يكون الاعتماد على الأساليب التقليدية من توزيع المياه والبذور في التربة واستخدام الأسمدة والمبيدات الكيميائية، ولكنه سيتحول بالكامل نحو استخدام التكنولوجيا الحديثة من مستشعرات عالية الدقة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، والطباعة ثلاثية الأبعاد والتعديل الوراثي، حتى أن فكرة الري بالشكل المعهود ستتغير تماما وسيبدأ الاعتماد على الزراعة في مياه البحار، وهذا ما يسمى بالثورة الزراعية الرابعة Agriculture 4.0.
تعتمد الثورة الزراعية الجديدة بشكل كامل على استخدام أساليب مبتكرة مختلفة تماما عما اعتاد عليه مزارعو العالم على مر التاريخ، فالأمر أصبح مميكن بشكل أكبر، فلن تحتاج إلى توفير موارد مائية جديدة للري، فأصبح يمكن زراعة الصحراء، والمتابعة لم تعد بعين بشرية، بل أصبحت مسؤولية عين إلكترونية من السماء في صورة الطائرات المُسيّرة Drones، واستخدام أساليب التسميد التي تعود إلى بدايات القرن العشرين سينتهي للأبد وسيحل محله استخدام تقنيات النانوتكنولوجي والزراعة الدقيقة Precision Agriculture للحفاظ على طبيعية المحاصيل الزراعية وقدرة التربة على التنوع في الإنتاج الزراعي.
الزراعة الجافة
لم ترد فكرة زراعة الصحراء ببال مزارعي الأرز بأرض الصين أو فلاحين النيل مع القطن، وكانت الثوابت غير القابلة للهدم هي ضرورة توفر المياه كعنصر رئيسي للزراعة بإنتاج ثابت، بل كانت مجرد ورود الفكرة هو ضرب من ضروب الخيال، ولكن نجح الخبراء والمطورون في المجال الزراعي من كسر هذا القالب التفكيري لاستغلال حوالي 29% من مساحة العالم التي تمتد عليها الرمال الصفراء، كما أن الأفكار امتدت كذلك لاستغلال الـ71% المتبقية والتي تغطيها المحيطات، ومن هنا خرجت فكرة الزراعة الجافة.
وللزراعة الجافة صورتان؛ الأولى هي الاعتماد على مياه البحار والمحيطات في الزراعة لحل مشكلة المياه العذبة، وذلك يتطلب استخدام تقنية التحلية Desalinatoin، والتي تعتمد على انتزاع الأملاح والمعادن لتصبح المياه قابلة للاستخدام في ري المزروعات في الأراضي القريبة من المسطحات المائية.
والصورة الثانية للزراعة الجافة هي زراعة المحاصيل الزراعية بالمناطق الصحراوية، عبر الاعتماد على فكرة الصوب الزراعية التي تعتمد وبشكل رئيسي على عدد ضخم من المستشعرات الدقيقة، والتي يتم تثبيتها في كافة أجزاء العملية الزراعية بداية من جذور المحاصيل وامتدادًا إلى أنظمة التحكم الآلية في عمليات استخدام المياه الغنية بالعناصر اللازمة لتغذية النبات، والتي يتم فيها زراعة المحاصيل، بحيث يتم إعادة تدوير واستخدام كل قطرة ماء متوفرة في تربة تلك المحاصيل، وبالتالي تتحقق فكرة الاستغناء عن المعوق الرئيسي أمام الزراعة على مر العصور الماضية وهو ندرة المياه.
استخدام الطائرات المُسيّرة
بالتأكيد، الطائرات بدون طيار ليست بالتقنية الجديدة، ولكن في مجال الزراعة تتجدد استخداماتها وتطبيقاتها في مختلف جوانبه، حيث أصبحت أداة أساسية في عمليات تحليل التربة وإنشاء خرائط ثلاثية لها، مما يفيد في عمليات دراسة التربة قبل بدء الزراعة وكذلك تحديد أفضل مواضع نشر البذور، بل أنها أيضًا تشارك في عملية النشر بدقة متناهية مما يقلل تكلفتها بنسبة 85%، إلى جانب توزيع العناصر المعدنية والغذائية اللازمة لنمو المحاصيل بتوازن يحقق أفضل جودة وإنتاجية للفدان الواحد.
كما تعتمد الأساليب الحديث للزراعة على الطائرات المُسيّرة في إنجاز مهام تتطلب تكلفة ووقت طويل من العمالة البشرية، مثل رش وري المحاصيل بدقة، بحيث لا يتم الإفراط في المبيدات الكيميائية وكذلك يتم ترشيد استهلاك المياه، بالإضافة إلى إجراء اختبارات صحية للمحاصيل تراقب نسبة مطابقتها لمستويات الجودة المطلوبة وكذلك تحقيقها لمعايير السلامة الغذائية.
تكنولوجيا النانو
عفى الزمن على أساليب رش المبيدات والمخصبات الزراعية على المحاصيل بكثافة عالية لرفع إنتاجيتها والقضاء على آفاتها، وأصبحت تكنولوجيا النانو هي مستقبل المحاصيل الزراعية الصحية الأكثر طبيعية، بحيث يتم استخدامها لتحقيق ما يسمى بالزراعة الدقيقة Precision Agriculture، والتي تقوم على استخدام عدد كبير من المستشعرات الدقيقة لتقديم كميات محسوبة بدقة على أساس ما يحتاج إليه كل محصول، من مبيدات وأسمدة وعناصر غذائية، وذلك على المدى الطويل، لتخرج المحاصيل أكثر طبيعية ونضارة وبأعلى قيم غذائية.
حان وقت مواجهة تحديات المستقبل
العالم يواجه أزمة غذاء ولابد من المبادرة بشجاعة لإحداث تغيير قادر على تحسين حياة مليارات البشر على وجه الأرض، وذلك لن يتحقق إلا باستخدام التقنيات الحديثة التي تساعد على استغلال مواردنا الطبيعية المحدودة لتحقيق أعلى إنتاجية ممكنة من الغذاء، لتنشئة أجيال قادرة على الإبداع بلا جوع.
المصدر: pulse mubasher