تكنولوجيا

«تيك توك» يغير صناعة الموسيقى

مع الشعبية الكبيرة التي يحظى بها تيك توك، خاصة بين الأجيال الشابة، واستخدام منشئي المحتوى الموسيقى والأغاني في أعمالهم، تغيرت إلى حد كبير طريقة نجاح الأغاني، وكيفية الترويج للموسيقى الجديدة، كما تغيرت الأساليب التي يعرف بها العالم الموسيقى، وذلك حتى بالنسبة للفنانين الذين اختاروا عدم التفاعل مع المنصة كوسيلة لترويج أعمالهم.

في أوائل عام 2019، احتل طالب غير معروف يبلغ من العمر 19 عاماً، من مدينة أتلانتا الأمريكية، عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم، كان الفتى يعيش في منزل أخته ويشعر بالوحدة، فقام بشراء إيقاع موسيقي بسيط مقابل 30 دولاراً، وسجل أغنية تجمع بين نمطي الراب والكانتري، ونشرها عبر «ساوند كلاود» وشبكات التواصل الاجتماعي، لتحقق نجاحاً هائلاً وتصل إلى قائمة أكثر 100 أغنية ناجحة على مستوى الولايات المتحدة.

كان اسم الفنان هو «ليل ناس إكس»، والأغنية بعنوان «طريق البلدة القديمة»، وهي الأغنية التي استطاعت أن تكون واحد من أنجح الأغنيات، والأولى التي تصل إلى المركز البلاتيني 15 مرة في قوائم جمعية صناعة التسجيلات في أمريكا، ويمكن أن ينسب جزء كبير من هذا النجاح، إلى منصة تيك توك، حيث اختارها ملايين المستخدمين في وقت مبكر، لتصاحب لقطات الفيديو الخاصة بهم. وأصبحت الأغنية هي النموذج لسلسلة واسعة من النجاحات الموسيقية التي انتشرت على نطاق واسع عبر المنصة.

الانتشار على «تيك توك» مسألة شديدة الفاعلية، ولكنها في الوقت نفسه غير خاضعة للتنبؤات المسبقة، حيث إن بعض أنجح الأغنيات التي اشتهرت عالمياً، لم تتمكن من جذب انتباه الجمهور عند طرحها للمرة الأولى، ولكن الأمر اختلف بعد قليل، فمثلاً أغنية «نوانتيتي»، أنجح أغنية بوب في تاريخ القارة الأفريقية على الإطلاق، صدرت للمرة الأولى عام 2019، ولكنها لم تحقق الشهرة الهائلة إلا عام 2021، عندما تم استخدامها حتى الآن في أكثر من 7 ملايين مقطع فيديو على «تيك توك».

عودة الأغاني القديمة

وبالمثل، وجد الأسترالي «ماسكد وولف» نفسه في دائرة الضوء عام 2021، حيث ظهر في قائمة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما لأفضل الأغاني الصيفية، وتم ترشيحه لخمس جوائز ARIA، وحققت أغنية «رائد الفضاء في المحيط» نجاحاً عالمياً طوال عام الوباء، والمثير أن هذه الأغنية تم إصدارها منذ عامين على يد شركة أسترالية صغيرة، لكنها انطلقت عالمياً عندما تم استخدامها في أكثر من 18 مليون مقطع فيديو على «تيك توك».

وعلى الرغم من أن العديد من الفنانين، مثل «ليل ناس»، يصنعون الأغاني وهم يستهدفون تحقيق الانتشار على «تيك توك»، إلا أن البعض الآخر يحقق نفس الشهرة، حتى عندما لا يكونون على معرفة بالمنصة أساساً، وهو الأمر الذي اعترف به «ماسكد وولف» في تصريحات إعلامية عندما قال: «لم أنشر رائد الفضاء أبداً على تيك توك، وفي الحقيقة لم أكن أعرف أي شيء عن هذه المنصة عندما أصدرت الأغنية».

والمثير أن هذا النجاح لا يتعلق فقط بالأغاني الجديدة، ولكن الأغاني القديمة أيضاً تحقق عودة ملحوظة مع قطاعات جديدة من الجماهير التي تتواجد على منصة «تيك توك»، فعندما نشر رجل يدعى «ناثان إيدوكا» مقطعاً له وهو ينزلق على لوح خشبي على طريق سريع، وحقق المقطع انتشاراً واسعاً، كانت تصاحبه أغنية «فليتوود ماك» التي حققت نجاحاً كبيراً عام 1977، وفجأة استخدم الملايين هذه الأغنية على المنصة الاجتماعية لتعود إلى الظهور في قائمة أكثر 100 أغنية نجاحاً، وذلك بعد أكثر من 40 عاماً من إصدارها الأصلي.

الملكية الفكرية

وبشكل عام، يقوم المستخدمون بنشر مقاطع فيديو قصيرة على تيك توك، لا تتجاوز مدتها في الغالب أكثر من 15 ثانية، وتلعب الموسيقى دوراً كبيراً في هذه المقاطع، حيث تظهر العديد منها حركات رقص أو مزامنة شفاه، بالإضافة إلى وجود مقاطع أقل يتحدث فيها المستخدمون في موضوعات مختلفة. وعندما ينشئ المستخدمون مقاطع الفيديو الخاصة بهم فإنهم عادة ما يختارون أغنية أو مقطعاً منها غالباً ما يكون أكثر الأجزاء جاذبية فيها لمصاحبة الفيديو الخاص بهم.

يمكن للمستخدمين تحميل مقاطع الصوت الخاصة بهم، ولكن التطبيق سيكتشف المواد المحمية بحقوق الملكية الفكرية التي لا يسمح مالكوها باستخدامها على المنصة ويوقف الصوت، والبديل هو تجميع التطبيق لكتالوج ضخم من الموسيقى التي تسمح الشركات الكبرى باستخدامها، وهو النطاق الذي ازداد اتساعاً بسبب دور «تيك توك» في نشر الأغاني والترويج لها عالمياً.

ولكن مقاطع الفيديو الناجحة على «تيك توك» لا تساهم بشكل مباشر في صعود الأغاني إلى قوائم الأكثر نجاحاً، ولكن في الوقت نفسه فإن هناك علاقة مباشرة بين الانتشار على «تيك توك» وبين الصعود الكبير على منصات نشر الموسيقى مثل سبوتفاي ويوتيوب وأبل ميوزك وغيرها، وهي المنصات التي تلعب دورها في صعود الأغاني لقوائم الأكثر نجاحاً.

التنوع والفرص

ويرى أولي أوبرمان، رئيس قطاع الموسيقى في «تيك توك»، أن أهم ما تقدمه المنصة في هذا الإطار هو التنوع الكبير والفرص المحتملة للعثور على موسيقى تتجاوز الذوق المعتاد للفرد، بالإضافة إلى القدرة على اكتشاف الفنانين من جميع أنحاء العالم.

وبعيداً عن الاستخدام الأصلي لمنصة «تيك توك»، يمكن اعتبارها منصة ممتازة لتعريف المستمعين على موسيقى جديدة ومختلفة، حيث تعرض خوارزمية التعلم الآلي في المنصة مقاطع فيديو جديدة في دفق لا نهاية له، ما يسمح للمستخدمين بالتعرض لكمية كبيرة من الموسيقى الجديدة بسرعة.

النجاح الكبير لهذا الأسلوب، جعل صناعة الموسيقى نفسها تلتحق بالركب على الرغم من المعارضة القوية على مدى سنوات طويلة، نظراً لاختلاف هذا الأسلوب عن الوسائل التقليدية التي كانت تعمل بها منذ عشرات السنوات، ولكن النجاح الهائل الذي تحققه المقاطع على المنصة ينعكس بشكل مباشر على بيع الأغاني واستهلاكها وصعودها إلى قوائم الأكثر شهرة، وهو أهم ما تبحث عنه شركات الإنتاج.

ويرى الخبراء، أن ما نراه اليوم هو على الأرجح البداية فقط لتغير كبير في مجال الموسيقى، سواء من ناحية الأشكال الجديدة للتعبير الإبداعي، أو الترويج للموسيقى وتسويقها بطرق جديدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى