ترند

حياة الفهد تروي أسرار حياتها الفنية والشخصية

ليست ممثلة فقط، بل هي أيضًا مذيعة وكاتبة ومتذوقة للشعر والكلمة المقفاة، وقد صدر لها ديوان يتيم بعنوان “عتاب” في سبعينيات القرن الماضي.

تعرّف عن نفسها قائلة: “أنا كاتبة وممثلة، ولي الشرف بذلك، لي حسّ الإخراج فأصوّر مشاهدي بالسيناريو على الورق، الأمر الذي يخفّف الأعباء على المخرج. لا أعتبر نفسي شاعرة، ولكنّني أترجم أحاسيسي بجمل مسطّرة او بقوافٍ، فأنا أكتب ما أشعر به، أتذوّق الشعر والاحساس العالي، لي كتاب واحد منشور ولكن للأسف كان فيه الكثير من الأخطاء فصدمتني النتيجة، ولكن رغم نفاذ الكمية من المكتبات ورغم كلّ العروض التي وردت كي أعيد طباعته فضّلت أن لا أفعل، فأنا لست إذاً بشاعرة ولكن متذوّقة للكلمة”.

شخصيّة محاربة ومقاتلة، جذابة،  طموحة وعصامية؛ متأثرة بوالدتها ولا ترضى بالقليل من الحياة.

كبرت يتيمة الأب بعد انفصاله عن عائلته واتخاذه موقفاً رافضًا لدخول ابنته في عالم التمثيل؛ وفي هذا السياق تعلّق حياة الفهد قائلة: ” لم أكن يتيمة، بل كان هنالك قطيعة حيث أن والدي لم يكن راضياً عن دخولي مجال التمثيل، وكانت قطيعة بيننا رغم لقاءاتنا النادرة، وهذا أمر مؤلم؛ لكن قبل وفاته، وفي لحظاته الأخيرة شدّ على يدي بقوة عندما سمع صوتي، وكان لي احساس بأنه راضٍ عني”.

عانت من قسوة امها عليها، لكنها كانت تعلم جيّداً أنها الطفلة المدلّلة التي لا يُرفض لها طلب، وتقول: ” كانت لي أمّ لا تعوّض، وقفت معي في مختلف محطات الحياة فعلمتني المواجهة، وكانت انسانة عظيمة لعبت كل الأدوار في حياتي، فكانت السند ونبع الحنان، سهلة وصعبة المراس في آن. كان كلّ اعتمادي عليها واستمدّيت منها قوّة شخصيّتي واعتمادي على نفسي في الحياة. رغم قسوتها كنت المدلّلة لديها. من كثر حبها لنا ما كانت تخلينا نبتعد عنها ولانكون فى مكان ظلام لذلك انا لازلت اكره الوحدة واخاف من الظلام”.

لم تكمل حياة الفهد دراستها الابتدائيّة بسبب انفصال والديها، ولكنّها عشقت السينما وقلّدت نجمات الأفلام، وتعبت على نفسها حتى استكملت دراستها وتعلّمت اللغة الانكليزية ايضًا، فانتقلت من تقليد الفنانات الى فنانة ونجمة وسيدة الشاشة الخليجية، وفي هذا الموضوع تقول: “انفصال الوالدين وتنقلنا من منطقة لأخرى أثر على استمراريّة دراستي، لكن عندما عشقت السينما في عمر الثامنة كنت أفرض على والدتي أن تمرّ بي أسبوعياً على صالات السينما الأربع في الكويت.

تعلقت لا بل عشقت الأفلام السينمائية العربية والهندية، وكنت أمثل أمام المرآة في المنزل الشخصيّة التي تعجبني في الفيلم.

حرصت على تعليم نفسي ودخلت المدارس الليلية حتى نلت الشهادة ودرست في معاهد اللغة الانكليزية، وقدّمت نفسي بأفضل صورة. كنت أماً وموظفة وطالبة ومذيعة وكاتبة وممثلة في آن. أنا انسانة محاربة على كل الجبهات. أحارب لدراستي ولتقدمي في الفن ولرزقي في عملي، وللتوفيق بين عملي وفني، وأيضاً لنجاح ابنتي في دراستها. عندما اتذكر في عمري هذا كلّ ما مررت به، اتساءل عن القدرة التي كانت لدي لأحارب على مليون جبهة واتساءل عن مصدر الثقة في نفسي التي كانت تؤكد لي أنني سأنجح في كل هذه الجبهات، وبالفعل نجحت بمعيّة الله سبحانه وتعالى. “

وعندما طلبنا أن تختصر نفسها بكلمة، قالت “جبهة كاملة”.

شخصية بسيطة رغم تقلبات الحياة، متعاطفة مع الآخر، تهتم لمضمونها أكثر من صورتها الخارجيّة.

كبرت حياة الفهد وأحبّت الحياة بعمقها لا بقشورها، ففي عالم التمثيل لا تهتم بكمية المشاهد التي تلعبها بل بقوّة الدور وقدرته على التأثير في القصة، وفي الحياة العامة تكره الأكسسوارات والمجوهرات وترفض أن تستعرضها كي لا تسبّب أذىً لمن لا قدرة لديه على اقتنائها، أمّا في يومياتها فتحب البساطة والتربّع على الأريكة وعدم استعمال الشوكة والسكين بل تعشق الحياة العربية السهلة، وفي التفاصيل تغوص حياة الفهد وتقول:

” الشهرة قيّدتني، جعلتني أحافظ على مظهري بين الناس. أنا انسانة طبيعية جداً أحب الحياة البسيطة، يمكن أن أتربع على كنبة خصوصاً عندما تطول مدة الاجتماع، أفضّل أن آكل بيدي فأستلذ بذلك أكثر، أكره السرير وأحب أن أنام على الأرض وأن أجلس على الأرض. “ما ألذ الطعام بأن تمسكه بأصابعك الخمس” فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يأكل بيديه لا بأدوات المائدة. في المطعم، تجدني أمسك الشوكة والسكين، ولكنني أتلفّت يميناً ويساراً وأدعو أن لا يراني أحد  كي آكل بشهية بيدي.”

“لا أحب الأكسسوار ولا الشعر المستعار ولا أقتني الذهب ولا الماس ولا أحب عرضها أو لبسها، لا تلفتني الماركات العالمية، أرتدي ما يعجبني أنا. لقد زرت بيوتاً راقية وأنا ألبس فستاناً قد لا يتجاوز ثمنه الخمسين ديناراً.   أنا أحب الحياة بعمقها ولا تعنيني قشورها”.

“لدي الكثير من الهدايا الثمينة، فأنا لا أشتري أشياءً قد لا أرتديها. أنا أحتفظ بالهدايا احتراماً لمن أهداني اياها، ويمكن أن أهديها لبناتي، فإن لبسنَها ستكون لحياتهما الشخصية فقط وليس للاعلام. أعتبر استعراض المجوهرات التي اقتنيها جريمة في حين العديد من السيدات لا تقتني سواراً، لذلك تراني أتساوى مع الجميع بأبسط اللباس والمظاهر، وأنا سعيدة بذلك لأن العالم تحبني أنا، حياة الفهد، ولا تحب لباسي او الماركات التي قد ألبسها.”

“أما في الحياة العملية فلم أفكر يوماً في كمية المشاهد التي ألعبها في عمل ما، حتى في كتاباتي يمكن ان أظهر في عدد قليل من المشاهد، لأنّ ما يهمني هو تأثير وجودي في العمل على سياق القصة. أقوم بتعديل كثير من المحاور في العمل كي ينجح، ولعلّ تقبّل الكتاب خصوصاً الشباب منهم لجهة تدخلي هو السبب المباشر لنجاح العمل، فيكون بالتالي النجاح عملاً مشتركاً بين فكرة الكاتب وتدخلي بالتعديلات اللازمة لضبط السيناريو والحوار احياناً.”

شخصية ثائرة وواقعية في آن، ترفض الخضوع والخنوع ولا تتقبّل ما يُملى عليها بسهولة، بل تشارك هي في صنع قدرها وتغيير وجهة الحياة.

“منذ أواخر السبعينات ولدت حياة الفهد الكاتبة، ولذلك بدأت أناقش الكاتب والمخرج في كل عمل يتقدم لي، وبالتالي أعطيهم اضافات ولا أرضى بالسيناريو كما هو معروض علي. أما الأعمال التي أخذتها كمجاملة أو لحاجة مادية فلا تتعدّى العشرة أعمال، وهي أعمال لا أحبّ ذكرها ولست راضية عنها.”

“انا انسانة واقعية، أي نص يعرض علي يكون خيالياً أو فيه كثير من الحركة أو شبابياً لكن يضر بالشباب أرفضه تماماً، فأعمالي تشبه واقعي اليومي في الحياة.”

شخصيّة غير عاطفية، تعرف حدودها وتلتزم بها. ليست حالمة.

“معرفتي لنفسي بأنني ممثلة قديرة، وثقتي بأنني ممثلة تجيد تأدية جميع الألوان وتعرف كيف تخرج من الدور، تجعلني لا أتأثر بأي دور ولا يبقى في نفسي أي أثر من شخصياتي التي ألعبها، غير أنّني تعاطفت مرّة مع دور أمّ تتعامل  مع ابنها المشلول من جراء حادث في “جرح الزمن”، وكان المخرج يداري نفسيتي في هذه الحالة فيترك مشاهدي مع ولدي حتى نهاية التصوير، رغم أن الحالة لا تلازمني لأيام وشهور وإنما لبضع ساعات فقط في حدها الأقصى، فنحن في النهاية بشر، وأنا دمعتي قريبة جداً خصوصاً من ناحية الأبناء.”

شخصيّة متمرّدة وحديديّة، وطنيّة، تقدّر قيمة الرفض وتعرف متى وأين تقول “لا”. تعرف كيف تواجه وتعتبر أنّ الهروب جبن وضعف.

” أقول “لا” عندما يصل الأمر الى كرامتي أو لوطنيتي وهما نقطتين لا أقبل المس بهما. والدليل أنني تشرّدت سبعة أشهر من منزل الى آخر في خمس مناطق كي أبتعد عن الخونة وعن الأنذال حتى لا أجبر على التوقيع على عضويتي في نقابة الفنانين العراقية، في أيام الغزو والاحتلال. إنه الهروب من أجل الوطن. لقد جعت في تلك الحقبة أنا وأبنائي حيث كنا ننام أحياناً من دون عشاء. لا يمكن أن أسمح لأيّ شخص باستغلال شهرتي لطعن بلدي، ولو متَ. أجوع وأتشرد ولا أخضع.

أمّا الهروب في مفهومي فقد يقسم الى شقين:

هروب الانسان الجبان الضعيف الذي لا يستطيع المواجهة، وهو يكون عادة انسانًا غدارًا لذلك يتوارى، تكون إجمالاً نواياه سيئة لأنه لا يستطيع مواجهة الأشراف.

لكن عندما يكون الهروب بين الانسان ونفسه فهذا أصعب أنواع الهروب. وأنا عشت تجربة الهروب النظيف، فعندما تسبّبت بأذىً ولو بسيطاً لشخص أحبه، هربت من حياته ومن نفسي بسبب الخطأ الذي صدر عن غير قصد.”

شخصيّة فيها “الأنا” عالية جداً، تكره الإنكسار:  “أحاول قدر الإمكان أن لا أخطئ كي لا أعتذر.”

شخصية مجتهدة وشريكة أساسية في النجاح، قد لا يسعها الكون.

“إنّ الله سبحانه وتعالى يهديني بتدبيره النجاح والقبول عند الناس. لقد منحني موهبة التمثيل المطلق وحسّ الكتابة وتذوق الكلمة الشعرية، فأضفت الى موهبته جهودي حيث لا أقيّد نفسي بدور واحد او بلون واحد، وبالتالي جاء الاختلاف والتنوّع أساسًا في نجاحي”.

رغم كلّ القوة التي تظهرها، هي سيّدة حنونة وطيبة وحقيقية.

 الأمومة هي الرحمة من الله، فقلب الأم يدعو ويغفر ويسامح، لكن قلة قليلة من الأمهات تتعامل بقسوة وتتخلى عن أبنائها، ولا أدري ما هو صنف البشر هذا.  حنان الأم موجود حتى في غريزة الحيوان، وليس مقتصرًا فقط على الإنسان”.

“نصيحتي للسيّدات الإقلاع عن عمليات التجميل لأنها تضرّ أكثر ممّا تفيد، وأخصّ في هذه النقطة الفنانات أي الممثلات، فنحن نحتاج الى من تلعب دور الأم والخالة والجدة على الشاشة كما في الحياة. سيدتي، مهما قمت بتغيير شكلك الخارجي فعمرك معروف لدى الجمهور”.

الخلاصة،

في زمن تعلو الأصوات المطالبة نظريًّا بحقوق المرأة، عرفت حياة الفهد كيف تروّض الحياة وتجعلها مطواعة لطموحاتها.

عرفت كيف تحقق النجاح ولا تتأثر بالشهرة.

عرفت كيف توازن بين قوة الشخصية والحنان، بين الوطنية والايمان، بين الحقيقة والخيال.

كلمة أخيرة من حياة الفهد:

أستاذ روي لك كلّ التقدير على هذه الأسئلة  الجميلة والغنية.  لك كل التقدير والاحترام… عزيزتى مايا ياعظيمه بذوقك وثقافتك انا وايد سعيده بمعرفتك انت صديقه ولست صحفيه فقط

دارسة شخصية:

إعداد وكتابة: د. روي ج. حرب

تنسيق واعداد: مايا ابراهيم

المصدر: بصراحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى