خطوات للإقلاع عن الوجبات السريعة
قرر مايكل موس، الصحفي الأميركي والأستاذ المساعد في كلية كولومبيا للصحافة والحائز على جائزة “بوليتزر” (Pulitzer) في عام 2010، في مطلع مارس/آذار الماضي أن يفضح “كيف يستغل عمالقة الطعام إدماننا؟”، إذ تتعمد شركات الأغذية الكبرى تصميم معظم الأطعمة المصنعة بحيث تكون مسببة للإدمان “لدرجة تفوق تأثير المخدرات والكحول أحيانا”.
وفقا لما ذكره موس، وهو أحد أكثر مراسلي كبريات الصحف الأميركية حصدا للجوائز، في كتابه الأخير “مدمن” (Hooked)، هناك العديد من “الطرق الخبيثة التي تتلاعب بها شركات الأغذية بدوافعنا الأساسية للإقبال على الطعام عبر تطوير صناعة الأطعمة لإشعال نهمنا إلى حد الشراهة”، مستغلة “ميلنا الغريزي للأطعمة الحلوة والرخيصة والمليئة بالسعرات الحرارية”.
ويقول الدكتور مارك هيمان، الطبيب الأميركي والمؤلف ذائع الصيت، إنه من بين 600 ألف منتج غذائي يوجد 80% منها منتجات غنية بالسكر، مما رفع استهلاك البشرية من السكر من 10 أرطال (الرطل يساوي أكثر من 450 غراما) لكل شخص سنويا في عام 1800 إلى 152 رطلا اليوم. وهو ما يعني أننا نأكل في المتوسط حوالي نصف كيلوغرام سكر يوميا.
وهذه الأطعمة المحملة بالسكر هي التي جعلتنا مدمنين حرفيا. فقد أثبتت دراسة قوية -بحسب هيمان- “أن الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من السكر تسبب الإدمان مثل الكوكايين والهيروين”.
لم يفت الأوان
أشارت دراسة أجراها باحثون من جامعة زيورخ في عام 2016 إلى أنه “يمكن للوجبات السريعة أن تُلحق الضرر بأدمغة الصغار غير الناضجة عند تناولها لفترة طويلة”. إلى جانب ما قد يسببه الاستهلاك المرتفع للأطعمة الدسمة خلال فترة المراهقة من “ضعف للوظائف الإدراكية في مرحلة البلوغ”.
وهناك دراسة أخرى، أجريت أواخر عام 2020، أظهرت أن “الأشخاص الذين يأكلون الكثير من الأطعمة المصنعة أكثر عرضة للوفاة مبكرا بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية أو النوبات القلبية أو السكتة الدماغية”، كما كشفت أيضا أنه “كلما زاد تناول الأطعمة المصنعة، زادت المخاطر الصحية سوءا”.
لكن هذا لا يعني أن الأوان قد فات للبدء في الاستغناء عن بعض الأطعمة المصنعة في نظام أسرتك الغذائي باتباع بعض الخطوات العملية البسيطة التي يمكنك اتخاذها لحمايتهم من إدمان الوجبات السريعة (Junk food) -بمفهومها الشامل الذي يتضمن أي شيء يضيف السعرات الحرارية والدهون والسكر إلى المواد الغذائية- وعيش حياة أكثر صحة.
3 خطوات عملية لحماية أسرتك
التدرج، يقول الخبراء “إنه من الأفضل تحديد أهداف قابلة للتحقيق تقربك من نقطة النهاية عن طريق اتخاذ خطوات صغيرة، بدلا من إرهاق إرادتك وإحباطك إذا حاولت إيقاف الأمر مرة واحدة”. فعلى سبيل المثال، يمكنك البدء بالاستغناء عن أحد الأطعمة التي تمثل مشكلة كبيرة أولا.
يقول موس إن “تغيير صنف واحد من الأطعمة أو المشروبات التي تشكل ضررا، يمكن أن يجعل المهمة الكبيرة، المتمثلة في الإقلاع عن الوجبات السريعة، تبدو أكثر قابلية للتحكم”. فقط، حدّد أسوأ أنواع الطعام التي تجعل أفراد أسرتك يفقدون السيطرة، وابدأ بالحيلولة بينهم وبينه.
فرغم أن ابنيّ موس كانا يحبان المشروبات الغازية، فإن هذا لم يجعله يتردد في البدء بها كأول صنف يجب إبعاده من النظام الغذائي للأسرة. وقال إنهما “بدءا يشعران بالحماسة نفسها والرضا عن هذا الإنجاز” بعد نجاح الأسرة في التخلص من المشروبات الغازية المُحلاة، بدلا من مواصلة القلق بشأن ضبط وجباتهم الغذائية.
أيضا، لا بأس من المخالفة ولو مرة واحدة في الأسبوع، ما دام هناك التزام باتباع نظام غذائي صحي على مدار الأسبوع.
تشتيت الانتباه، تقول أخصائية التغذية المعتمدة في “مايو كلينك” (Mayo Clinic) كيت زيراتسكي إن “إجراء تغييرات في عادات أسرتك الغذائية يمكن أن يساعد”. فلا تنتظر حتى يغلبهم الشغف بالأطعمة غير الصحية وينغمسوا فيها من وقت لآخر، ولكن راقب مواعيد اندفاعهم نحوها، واضبط المنبه قبل الموعد لصرف انتباههم عنه بوجبة صحية خفيفة، كحفنة من المكسرات الغنية بالدهون الصحية التي تساعد على الشعور بالشبع وتقلل الرغبة الشديدة في الوجبات السريعة.
فما دام هناك وجبة صحية أو وجبات خفيفة معبأة وجاهزة لوقت الغداء وبعد الظهر، فمن غير المرجح أن تنجح قطعة بيتزا أو حصة بطاطس مقلية في جذب انتباههم.
كما يقول موس “كذلك يمكنك شغلهم بتقطيع خضار كالجزر والكرفس، بدلا من التفكير في تقطيع البطاطس للقلي. أو صنع شاي النعناع الحلو بدلا من شرب علبة صودا. أو القيام بنزهة سريعة، أو ممارسة الرياضة، أو قضاء وقت مع الأصدقاء، لتقليل التوتر والقلق، وخلق مصدر إلهاء صحي لتجنب الغوص في التفكير في الأطعمة غير المرغوب فيها. وهكذا حتى يحين موعد العشاء في المنزل”.
التحلي بالصبر، يقول موس إن “استبعاد الأطعمة غير الصحية من نظامنا الغذائي يختلف عن الإقلاع عن السجائر”. فلا أحد مضطر للتدخين، لكن الأكل هو إحدى ضروريات الحياة الأساسية. وهو ما يجعل الشركات تبذل قصارى جهدها عن طريق الإعلانات “لإبقائك متعلقا بالأطعمة المصنعة طوال حياتك”.
لذا من الصعب التغلب على إدمان بعض أفراد الأسرة للوجبات السريعة بين عشية وضحاها، لكنه ليس مستحيلا، الأمر يحتاج فقط للتحلي بالصبر أثناء محاولة إعادة تدريب عقولهم على الإقلاع بمرور الوقت، وصولا لجعل الأكل الصحي عادة وجزءا من نمط الحياة.
يضيف موس “إذا كانت لديك عادة سيئة تطورت على مدى العمر، فلا يمكنك أن تتوقع التخلص منها في بضعة أيام، ولكنك ستحتاج إلى بعض الوقت”.