إقتصاد وأعمالهاشتاقات بلس

داوود معرفي: الحزمة التحفيزية… «تدبّس» المبادرين ولا فائدة للقروض الميسّرة دون النهوض بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة

أثارت حزمة التحفيز الاقتصادي التي أعلنت عنها اللجنة التوجيهية العليا المشكلة بقرار من مجلس الوزراء جدلاً واسعاً بين مكونات مجتمع الأعمال المختلفة، خصوصاً لدى المبادرين الذين يرون أن هذه الحزمة «تدبيسة» لأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة في قروض، دون تقديم تسهيلات حكومية تنهض بأعمالهم وتمكّنهم من السداد.

فأزمة كورونا وفقاً للمباردين ليست مالية، بل قوة قاهرة عطّلت الحياة الاقتصادية وأغلقت منافذ أعمالهم، ومن ثم يتعين أن تقدم المعالجات لذلك حلولاً إنقاذية للمبادرين، لا تحميلهم قروضاً لا يقابلها أي تحسينات في بيئة أعمالهم.

وتنتقد شريحة كبيرة من المبادرين آلية الحكومة في إقرار الحزمة التحفيزية، حيث يعتقدون أنها استعجلت في ذلك ولم تأخذ بعين الاعتبار المقترحات التي قدمتها اتحادات مختلفة وجمعيات نفع عام، والتي كانت تتضمن رؤى بحلول تنعش الاقتصاد، وتوجد سبل جديدة عن طريق الاستفادة من تجارب الدولة السابقة في معالجة الكوارث الطبيعية.

ويدعو بعض المبادرين الحكومة إلى إعلان حالة الكوارث ليتمكن أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة من معالجة أوضاعهم بشكل شخصي، مع ملاك العقارات وموظفيهم، كي لا تخلق مساحة قانونية للقضاء لاحقاً للاجتهاد في تفسير حالة الأزمة، فالأمر برأيهم أشبه بإعصار ضرب مدينة ما، حيث لا يتوقع أهلها أن تعلن حكومتهم نيتها تقديم قروض للمتضررين لإعادة بناء مساكنهم، بل توفير مواد البناء لهم بما يساعدهم في إعادة التأهيل وامتصاص آثار الصدمة الكارثية.

ويشيرون إلى أن اللجنة العليا المشكلة غلب عليها طابع البنوك والتمويل ولم تضم أطرافاً أخرى من المبادرين والعقاريين ونقابيين وجمعيات نفع عام وغيرهم، ومن خطورة ذلك أن قرار تحديد المستفيدين من القروض الميسرة سيكون مبنياً على درجات تصنيف بشروط تعجيزية، لا يفترض الاعتماد عليها في ظل الأزمة الحالية التي عطّلت جميع الأعمال ودمّرت الإيرادات بشكل كبير.

تغيير النظرة

إلى ذلك، يقول الرئيس السابق للجمعية الكويتية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة داود معرفي، إن المبادرين يئسوا من أي دعم حكومي في أزمة أضرت بالمبادرين كثيراً، فيما يدعو الحكومة إلى تغيير نظرتها للأزمة واعتبارها كارثة طبيعية لا يتعين حلّها وفق المعالجات التقليدية التي تفلح عادة في الأزمات المالية المعتادة.

ويتوقّع ألا يستفيد من هذه الحزمة سوى 2 إلى 3 في المئة من المبادرين على قاعدة أن البنوك لن تتحمل مخاطر إقراض شركات غير ناجحة بطريقة أكاديمية تتمثل في التدفقات المنتظمة والأرباح الدائمة والإدارة القوية، ويقول «الحزمة التحفيزية تدبّس المبادرين».

ويشير إلى أن الصورة الكمالية لا تتوافر في كثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة كما أنه لا يمكن في هذه المرحلة تحديد الشركة الناجحة والفاشلة باعتبار أن هناك شركات كبيرة وناجحة بدأت كمشاريع صغيرة ثم نمت من رحم المعاناة وتعرضت لصعوبات مالية وإدارات غير ناجعة في بعض الأحيان، متسائلاً «كيف للجنة العليا تحديد الشركات الناجحة التي يمكنها الاستمرار وتقديم القروض لها وتلك التي ستفشل وتذهب في مهب الريح؟».

ويوضح أن الحكومة وضعت كل المخاطر على المبادرين، حيث إن الأموال التي سيتلقاها صاحب المشروع ستذهب إلى موظف أو مورّد أو إيجار لصاحب عقار، وسيتحمّل المبادر بعد ذلك دفع القرض والفوائد، فبدلاً من مساعدة المبادرين زادت الحكومة التزاماتهم وصارت مخاطر فشلهم أكبر، وبالتالي فإن الأموال التي سيتلقونها ستدخل من ناحية وتخرج من أخرى.

غلق الأعمال

ويبيّن أن هناك شركات كثيرة لن تقترض لأنها لن تكون لديها القدرة على السداد، حيث إن هذه المبالغ قد تساعد صاحب العمل على الاستمرار لأشهر محدودة فقط، لكن قد يصعب مع آلية منحها دفع أقساطها.

ويضع معرفي سيناريو افتراضياً بأن 90 في المئة من المبادرين سيفشلون وسيغلقون أعمالهم ويعودون إلى العمل في الحكومة ما سيزيد العبء عليها ويؤدي لخروج كم كبير من الشركات من السوق ويقلل التنافسية ويؤثر على الاقتصاد بشكل كبير، وهنا ستخسر الحكومة ما دفعته من ملايين خلال السنوات الماضية لدفع الشباب الى العمل الخاص والمشاريع.

وينتقد معرفي تغييب المبادرين عن عضوية اللجنة التوجيهية أو أي لجنة تستمع إليهم وتناقش التحديات التي تواجههم، فكانت النتيجة حسب رأيه أن الحزمة المقدمة غير شمولية ولم تعالج الصعوبات الحقيقية التي تواجه المبادرين وغيرهم بشكل جذري، ويقول «بالعكس سيكون لتطبيقها تأثير سلبي على المبادرين».

ويؤكد معرفي ضرورة الأخذ بالاعتبار أن معالجات الأضرار الاقتصادية لكارثة كورونا لا يجب أن تنصب فقط على الجانب المالي، بل على كيفية إعادة بناء الأصول التي دُمّرت، وإيجاد حلول عملية تخفّف العواقب على المتضررين.

تعديلات قانونية

ويدعو إلى إجراء تعديلات على بعض القوانين بشكل موقت، وتحديداً التي تتعلق بتسريح الموظفين أو تخفيض رواتبهم، ودفع الإيجارات، ما يقلل العبء على أصحاب الأعمال في الأزمات الطبيعية، ويزيد من مسؤولية الجميع في تحمل المحنة.

ويذكر أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة كانت على رأس الجهات المتأثرة من الأزمة، ولكنها حتى الآن ملزمة بدفع الإيجار، حيث ترك القرار لصاحب العقار ليقرر إذا كان يريد أن يقدم إعفاءً من جزء من الإيجار أم لا، وقالوا «لماذا لا يتشارك الجميع ألم هذه المرحلة؟».

ويحذّر معرفي من أن الحكومة وبطريقة تعاملها مع المبادرين خلال الأزمة تقتل فرصاً اقتصادية قد تكون غير ناجحة في المرحلة الحالية، لكن أصحابها قد يتحولون لأسماء لامعة في عالم الأعمال مستقبلاً، كما أن الحكومة صرفت ملايين الدنانير لتحويل أعين الشباب عن التوظف في القطاع الحكومي وبدء مشاريعهم الخاصة الصغيرة والمتوسطة.

ويوضح أن الشركات الصغيرة التي ستكون قادرة على أخذ القروض الميسرة هي الشركات التي تسير أعمالها بشكل جيد ولديها سيولة كافية من قبل الأزمة وغير مهددة بالإفلاس بسبب المستجدات، لكن في الوقت نفسه هناك شركات كان وضعها جيداً قبل الأزمة وستحصل على قروض ميسرة، لكن وضعها المستقبلي سيكون سيئاً وهناك احتمال كبير بخروجها من السوق.

ويقول معرفي «فعلياً الدولة لم تفعل شيئاً، فالأموال التي تتحرك تتراوح بين 20 و30 مليون دينار، وهذا معناه أننا سنعود للكارثة التي تحاول الحكومة تفاديها، لأن 90 في المئة من المبادرين لن يكون لديهم الأموال لدفع الإيجارات، وسنشهد تعثر بعض شركات العقار إلى جانب خسارة الكثير من الكويتيين والوافدين لوظائفهم، وبالتالي تركهم آلاف الشقق المستأجرة، ما سينعكس سلباً على جميع القطاعات ذات العلاقة».

مشكلة السيولة

يشكل انخفاض السيولة خطراً مباشراً على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حسب دراسة المبادرين والتي حذرت من أن معظم المشاريع لن تستمر إلى ما بعد أبريل الماضي وفقاً للآتي:
• 45 في المئة من الشركات سيولتها الحالية (بداية الأزمة) لا تتجاوز 5000 دينار
• 22 في المئة من الشركات سيولتها أقل من 10 آلاف دينار.
• 60 في المئة من المشاريع تصل مصروفاتها الشهرية وتشمل الإيجارات والرواتب إلى 10 آلاف دينار.

100 ألف موظف عاطل

تشير إحدى دراسات المبادرين إلى أن أعداد العاملين المسجلين بإدارة المشروعات الصغيرة تقارب 100 ألف عامل، وعدد الشركات المسجلة كمشروع صغير بالقوى العاملة 9781، أي أن كل شركة لديها بمعدل 9 موظفين، كما أن المسجلين على الباب الخامس بنظام التأمينات كأصحاب عمل يصلون إلى 15 ألفاً.

وتظهر هذه البيانات أن نسبة العمالة المسجلة بالمشروعات الصغيرة لا تزيد على 5.9 في المئة من إجمالي العمالة المسجلة بالقطاع الخاص أجمع، كما أن نسبة العمالة الوطنية على المشروعات الصغيرة كأصحاب أعمال فقط تزيد على 15 في المئة.

كما تشير الدراسة إلى أن 7 في المئة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة توظف كويتيين، ومتوسط أعدادهم في المشروع الواحد 3، ومن المخاطر التي تواجهها الدولة ارتفاع نسبة البطالة لدى العمالة الوطنية المسجلين على الباب الثالث من التأمينات الاجتماعية، والتي يصل عددها إلى 24 ألف موظف كويتي قد يتم تسريحه إثر توابع انتشار كورونا في الكويت.

توصيات لمجلس الوزراء

رفع عدد من المبادرين توصيات إلى مجلس الوزراء في بداية الأزمة حذّروا خلالها من أن استمرار الوضع الراهن بتعطيل الدوائر الحكومية والخاصة وفرض حظر جزئي، وإغلاق الأسواق والنشاطات الحيوية والتي أغلبها هي من تصنيف المشروعات الصغيرة والمتوسطة، سيسبب أضراراً مباشرة على وضع المبادرين، فيما لخصوا أضرارهم بالتالي:
1. انخفاض حاد بالمبيعات.
2. خسائر يومية متراكمة لثبات المصروفات الشهرية مثل الرواتب والإيجارات.
3. انخفاض السيولة.
4. عدم القدرة على الوفاء بالالتزامات التي تشمل (استحقاقات بنكية – رواتب وإيجارات – الموردين).
5. الاستغناء عن بعض الموظفين (ما يُنتج عدم قدرتهم على الوفاء لالتزاماتهم مثل: سكن – أقساط بنك – مصاريف شهرية).
6. إفلاس بعض المشروعات الصغيرة والمتوسطة بما فيها المموّلة من الصندوق الوطني ما يشكل
تكلفة عالية على الدولة.

 

 

 

الراي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

زر الذهاب إلى الأعلى