منوعات

دراسة: التغيّر المناخي يتسبب بمخاطر غير مسبوقة على صحة الأطفال

حذّرت دراسة جديدة من أنّ التغيّر المناخي يطرح خطراً صحياً غير مسبوق على الأطفال ويترك فعلاً آثاراً “دائمة ومنتشرة” ستستمرّ طيلة حياتهم.

ففي ظلّ عدم العمل على خفض الانبعاثات بشكلٍ جذري، ستثقل الارتفاع المتفاقم في درجات الحرارة كاهل الجيل القادم بدرجاتٍ عالية من سوء التغذية وضعف في أنظمة المناعة وسط ارتفاعٍ مخاطر الوفيات المبكرة.

ورصدت هذه التوقعات التي نُشرت في مجلّة “لانسيت” التقدّم عبر 41 مؤشراً اساسياً وشملت بحثاً مشتركاً أجراه 120 خبيراً من 35 مؤسسة. ونظر هؤلاء الباحثون في ما قد يحدث في حال اتّبعت البشريّة مساراً اعتيادياً من شأنه أن يؤدّي اليوم إلى ولادة طفلٍ يعيش في عالمٍ ارتفعت حرارته أربع درجاتٍ فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية بحلول عيد ميلاده الحادي والسبعين.

ويقول العلماء إنّ التغيّر المناخي سيهدّد هؤلاء الأطفال طيلة حياتهم ما لم تُتخذ تدابير للحدّ من ارتفاع درجات الحرارة إلى أقلّ من درجتين مئويتين تماشياً مع الالتزامات الدولية.

ومع ارتفاع درجات الحرارة، يتوقّع العلماء تراجعاً في غلال المحاصيل الأساسية كالذرة والأرزّ وفول الصويا ممّا سيؤدّي إلى ارتفاع الأسعار ويترك الأطفال عرضة لسوء التغذية الذي ينتج عنه توقّف في النموّ ومشاكل في تطوّر الجسم على المدى الطويل.

يُذكر أنّ الأطفال هم بشكلٍ خاص أكثر عرضة للالتهابات الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة والتغيّرات في أنماط المتساقطات.

وكان سبق لارتفاع درجات الحرارة عام 2018 أن سبّب زيادة انتشار البكتيريا التي تؤدّي إلى أمراض الإسهال والتهابات الجروح. فعلى مرّ الثلاثين عاماً الماضية، تضاعف عدد الأيام المؤآتية مناخياً لتطوير بكتيريا الضمّة (فيبريو) المسبّبة للإسهال.

وتنتشر حمى الضنك إذ أنّ تسعة من أصل عشر سنواتٍ تمّت خلالها معالجة انتقال هذه الحمى في المستشفيات حصلت منذ العام 2000 مع بدء البعوض بالانتشار في أوروبا والعديد من الأراضي الأخرى الجديدة.

واعتبر د. نيك واتس المدير التنفيذي لدراسة “لانسيت كاونت داون” التي ترصد الروابط بين الصحة العامة والتغيّر المناخي أنّ “الأطفال هم الأكثر عرضة لمخاطر صحيّة جرّاء تغيّر المناخ. فما زالت أجسادهم وأجهزة المناعة لديهم في طور النموّ ممّا يتركهم أكثر احتمالاً للإصابة بالأمراض والملوّثات البيئية.” وأردف واتس قائلاً: “يكون الضرر الذي يحدث أثناء الطفولة المبكرة دائماً ومنتشراً مع استمرار التداعيات الصحية طيلة الحياة. من دون قيام كافة الدول باتخاذ التدابير الفورية لخفض انبعاثات غازات الدفيئة، ستكون مكاسب الرفاه ومتوسّط العمر المتوقع مهددة وسيقوم التغيّر المناخي بتحديد معالم صحّة جيلٍ بأكمله.”

يًذكر أنّ تلوّث الهواء بالجسيمات الدقيقة PM2.5 ساهم في 20500 حالة وفاة مبكرة في المملكة المتحدة عام 2016 بينما يعتبر العلماء أنّ تأثير تلوّث الهواء سيتفاقم خلال العقود القادمة. ونتيجةً لذلك، يكون الأشخاص الأصغر سناً معرّضين بشكلٍ خاص للهواء السام ممّا يساهم في تراجع وظيفة الرئة وزيادة حالات الربو سوءاً وزيادة خطر الإصابة بالنوبات والسكتات القلبية.

فضلاً عن ذلك، يمكن أن تبلغ الخسائر الاقتصادية والتكاليف الصحية السنوية من تلوّث الهواء بالجسيمات في أوروبا حوالي 129 مليار يورو (141 مليار دولار) كلّ عام طيلة فترة حياة السكّان الحاليين إذا استمرّ التلوّث على نفس معدلات العام 2016.

ومن المتوقع أيضاً أن تشتدّ الأحوال الجوية القاسية وبذلك سيكون قاطنو المدن المتقدّمين في السنّ في أوروبا وشرقي المتوسّط الأكثر تأثراً. ففي العام 2018، تعرّض 220 مليون شخصاً إضافياً ممن تتجاوز أعمارهم الخامسة والستين لموجات حرّ مقارنةً بالعام 2000.

واعتبر البروفسور هيوغ مونتغومري، الرئيس المشارك في لانسيت كاونت داون ومدير معهد الصحة البشرية والأداء في جامعة كلية لندن أنّ “هذا العام، أصبحت تأثيرات التغيير المناخي المتسارعة أكثر وضوحاً من أيّ وقتٍ مضى. إذ تسبّبت درجات الحرارة المرتفعة القياسية التي تمّ تسجيلها في غربي أوروبا وحرائق الغابات في صربيا وكوينزلاند وكاليفورنيا في الربو والتهابات في الجهاز التنفسي وضربات شمس.” مضيفاً أنّ “مستويات مياه البحار ترتفع بمعدّلاتٍ مقلقة. يدرك أطفالنا هذا الإلحاح البيئي ويطالبون بالتحرّك لحمايتهم. علينا الإصغاء إليهم والاستجابة لمطالبهم.”

وفي حين تستمرّ موجات الحرّ بالارتفاع في المملكة المتحدة، من المتوقع أن تتزايد الوفيات المرتبطة بالطقس الحار ثلاثة أضعاف من ألفين إلى سبعة آلاف بحلول العام 2050. ويقول العلماء حتى يحقق العالم أهدافه المناخية، لا يحتاج الأمر سوى إلى خفض سنوي بنسبة 7,4 في المئة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وصولاً إلى العام 2050.

ودعا د. ريتشارد هورتون رئيس تحرير صحيفة لانسيت المجتمعات الطبية ومجموعات الصحة العامة إلى التحرّك قائلاً إن “أزمة المناخ هي إحدى أبرز التهديدات المحدقة بصحّة البشرية اليوم، غير أنّ العالم ما زال ينتظر تحرّكاً من الحكومات يتماشى مع درجة التحدّي غير المسبوقة التي تواجه الجيل القادم. مع دخول اتفاقية باريس المناخية حيّز التنفيذ وتوقّع تطبيقها عام 2020، لا يمكننا تحمّل هذه الدرجة الاستهتار.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى