د.محمد النغيمش: ضحايا رياح التغيير
عندما تهب رياح التغيير في المؤسسات لابد أن يدفع الثمن غالياً أحد من الداخل أو الخارج. ويتوقف ذلك على كيفية وسرعة وعشوائية سياسة التغيير. صحيح أن التغيير هو الشيء الثابت في هذه الحياة غير أن «اعتباطية» سرعته قد تدفع الكفاءات إلى القفز من تلك السفينة مهما كانت مغريات وجهتها. ولذلك ينصح دائماً بالتروي، ومنح رسائل تطمينية خاصة للكفاءات بأن رياح التغيير لن تطالهم. لأن هناك من تملي عليه كرامته المسارعة في المغادرة حفظاً لماء الوجه. والتغيير أنواع فمنه ما «تفرضه ظروف قاهرة» بمعنى آخر هو التخطيط الذي لم يكن مخططاً له، ولم يتهيأ له «ضحاياه». ولذلك إذا أضيف إليه عنصر السرعة دب الهلع في نفوس الجميع.
وهناك التغيير «المخطط له سلفاً» حيث يعلم الجميع توقيته وملامحه مثل قضية الاندماج بين مصرفين. غير أن غياب التفاصيل تثير قلق البعض، والأهم هو تلك الكفاءات التي قد نخسرها لأنها فهمت الرسالة بطريقة خاطئة. ومن التغيير ما يحدث ثورة إدارية أو تقشفية تطال الجميع وهناك توجه يقصد منه «تطفيش» الأقل الأداء عبر خنقهم في أجواء عمل قاسية أو مسؤوليات مرهقة تدفعهم دفعاً إلى الهروب من ميدان العمل إلى بيئات متراخية تستوعب تقاعسهم وتتقبله. فما أكثر من هرب من جدية القطاع الخاص ورياح تغييره الموسمية إلى رحابة وأريحية العمل البعيد عن أجواء التنافس، الخالي من ضغوطات تطوير الأداء المستمر والضغوطات المهددة لأمنهم الوظيفي.
وأكثر رياح التغيير شدة تلك التي تهب من الأعلى، فتقتلع الرؤوس الكبيرة. إما على الطريقة العربية وهي مطالبتهم سراً بالاستقالة، وتهديدهم بالفصل إن لم يستقيلوا، أو على الطريقة الغربية وهي الاستغناء عن خدمات الموظفين من دون الحاجة إلى إبداء الأسباب. يقولون ليس هناك دخان من غير نار، وكذلك في رياح التغيير المؤسسي. فهناك من ولدت لديه خبراته المتراكمة قرون استشعار تمكنه من الإحساس بقدوم التغيير، فيتحول إلى آلة جبارة في الإنتاجية، ويبدأ بالضغط على جميع المرؤوسين للعمل الجاد وتحقيق نتائج ملموسة تنجيهم مما هو قادم. وقد رأينا كيف تحول أعداء الأمس إلى أصدقاء اليوم بقدوم إدارة جديدة أو ملاك جدد لسبب بسيط وهو أنهم وجدوا في هؤلاء المهمشين ضالتهم.
ففي كثير من الأحيان يجد البعض نفسه مغموراً في بيئة لا تقدره ولكن فور ما تأتي إدارة جديدة يرتقون إلى أعلى المراتب بعد أن تلاقت الاهتمامات والشخصيات والتوجهات. وهذه سنة الحياة.
قبل أيام كان يسألني أحد المتفانين والمخلصين عن كيفية مواجهة رياح التغيير فقلت له «تمسك بجذع النخلة جيداً حتى تخف رياح التغيير». بعض الناس المهنيين وغير المتورطين بمخالفات إدارية أو مالية، ليس عليهم سوى التشبث بساق الشجرة حتى تنقشع الغمة. فسرعان ما ستعود المياه إلى مجاريها وتدب الحياة من جديد. غير أن أولئك المتورطين بمخالفات إدارية ومالية أو لا يشاطرون أصحاب التغيير الأجندة، فإنه من الأسلم لهم أن يرحلوا قبل فوات الأوان. ولابد أن يعي البعض أنهم قد يكونوا «ضحايا مؤقتين» حيث يتم التخلص منهم لاحقاً. وهم أولئك الذين يحملون كنزاً من المعلومات.
المشكلة في الواقع ليست بهم بل بالمؤسسة التي سمحت أن يحمل شخص واحد دون غيره معلومات جوهرية في عمل كان يفترض أنه «مؤسسي» لا يقوم على الفردانية. ولذلك كان الحل الوجيه دائماً بنقل المعلومات من أذهان الناس إلى الصفحات الورقية أو الإلكترونية لجعلها في متناول الجميع. كما أن من حق البديل الناجح أن يكون لديه ما يكفيه من معلومات لإنقاذ الموقف. إن رياح التغيير قادمة لا محالة. والمؤسسات التي لا تشعر برياح التغيير هي منظمات لا روح فيها. فسنة الحياة التغير وهي أمر طبيعي لكن غير الطبيعي ألا يتوقع الناس تغييراً، والأسوأ أن يقاوموا التغيير من دون أجندة ذكية أو آراء وجيهة.