عبدالمحسن النمر: تقمصي لـ«الحاخام» بعيد عن التطبيع
الحانقون لا يفرقون بين الديانة اليهودية والحركة الصهيونية
تكاد تكون شخصية الحاخام دواد اليهودي هي واحدة من أجرأ الشخصيات في تاريخ الدراما الخليجية، والتي قدمها الفنان السعودي عبد المحسن النمر في مسلسل «أم هارون»، مرتدياً زي اليهود القدامى ومصففاً شعره على طريقتهم، مع ممارسة الطقوس اليهودية داخل العمل المثير للجدل، والذي أحدث ضجة كبيرة قبيل وأثناء عرضه الحالي في شهر رمضان المبارك.
النمر تحدث باستفاضة عن هذه شخصية الحاخام داود المثيرة للتساؤلات، ورد على الهجوم المباغت للعمل، مؤكداً أنه كان هجوماً استباقياً. ولمح إلى وجود من وصفهم «المتربصين بالفن الخليجي»، إلى جانب فئة يرى أنها لا تفرق بين الديانة اليهودية والحركة الصهيونية… وإلى نص الحوار:
حين عُرض عليك دور الحاخام داود اليهودي، هل ترددت أم قبلته مباشرة؟
– في أي دور يُعرض علي لدي عناصر مهمة، من خلالها أحدد موافقتي على الدور من عدمها، والفكرة في البداية عرضتها علي الأستاذة حياة الفهد، فوجدت أن موضوع العمل لافت للنظر، ويحتاج مني لدراسة أكثر من أي نص آخر. والموافقة – بالتأكيد – لم تأت على الفور، بل بعد قراءة متأنية للنص، ولقاء مطوّل مع المؤلفين… التقينا بالبحرين وجلسنا جلسة طويلة بعد قراءة النص لمعرفة إلى أين سيذهب العمل وما توجهه وكل هذه المعطيات، ومن خلال ذلك وافقت بلا تردد. بعد دراسة مستفيضة للنص والفكرة والتنفيذ وكل شيء.
هل ندمت على الدور بعد الضجة الكبيرة التي أثيرت حولك وحول فريق المسلسل؟
– أنا سعيد أن العمل وصل إلى الناس، بغض النظر عن وجهة نظر كل فرد. رغم أن الضجة بدأت قبل أن يُعرض العمل، وهذا أمر غريب في كون الناس يحكمون على شيء لم يشاهدوه! حيث كانت ردة الفعل جاهزة قبل الفعل نفسه، وهذا شيء عجيب، لكنه لا يحصل للمرة الأولى، فدائما هناك أناس متربصة للعمل الفني الخليجي.
وبعض الناس يكون محملاً بأفكار معينة، ويفرض أفكاره هذه على شيء لم يشاهده، لذا فالنوعية هذه من ردود الفعل غير مؤثرة، لأنها غير حقيقية وغير موضوعية، وحتى الحكم على العمل الآن من خلال الحلقات الأولى فيه إجحاف بحق العمل.
وماذا بشأن ما أثير حول المسلسل؟
– العمل واضح وصريح، وهو بعيد تماماً عما أثير حوله… كانت أول تهمة وجهت للعمل أنه يسعى لكسب التعاطف مع اليهود، بينما في الحقيقة هو يوثق فترة تاريخية معينة وهو بعيد تماماً عن التطبيع. العمل يتناول حقبة تاريخية من مراجع تاريخية موجودة، وكل من يبحث سيجدها. وفي نهاية الأمر فالعمل يعكس ما نحن مؤمنين به وليس خارج إيماننا ولا يوجد هناك أي شيء يتعارض مع مبادئنا.
شخصية الحاخام دواد غريبة مضموناً وشكلاً… كيف حضرت لها؟
– على مستوى المضمون فهو موجود في النص، وفي النهاية نحن نعمل ضمن إطار النص، وشيء مكتوب ومتفق عليه. لكن على مستوى الشكل، هناك مراحل تبدأ من تصميم الملابس، ومعنا بالمسلسل الدكتورة ابتسام وهي متخصصة في الأزياء والتصميم، بالإضافة إلى وجهة نظر الممثل أيضاً في البحث، وصناعة «الكاركتر» أو الشكل الخارجي للشخصية يعتمد على سلسلة طويلة من البحوث المرتبطة بواقع الأشياء.
ونحن اعتمدنا على صور من نفس الفترة، ووفقنا الله للوصول إلى مجموعة من الصور، ومنها صورة لشخصية الحاخام (المنشورة)، توضح من أين أخذناها بالضبط. هذا التصوير للشخصية جاء نتيجة بحث طويل ومدروس ومرتبط بالواقع، وليس من الخيال.
هوية ولهجة اليهود في المسلسل بدت غريبة أيضاً؟
– أغلب اليهود الذين كانوا في منطقة الخليج هم كانوا عابرين، وليسوا أصيلين في المكان، لذا تلاحظين في المسلسل تداول مصطلحات عراقية في بيت الحاخام، مُررت بقصد، فحضور اللكنة العراقية كان مدروساً ودقيقاً جداً. ومعظم اليهود الذين كانوا موجودين في منطقة الخليج قدموا من العراق أو بلاد فارس، وغير أصيلين في المنطقة، ولكن قد يكونون أصيلين في مناطق أخرى مثل نجران وبعض المناطق، أما في الخليج فهم كانوا عابرين، والعابرون يتركون آثار أقدامهم فقط ويظلون عابرون في المكان. بالإضافة إلى أننا استفدنا من السيدة نانسي خضوري، وهي شخصية بحرينية، جلسنا معها وأخذنا الكثير من المعلومات. ففي البحرين ما زال هناك معبد لليهود، ومقبرة، وبيوت، هذه حقيقة وواقع نحن لم نبتكره، لكن المشكلة أن كلمة يهودي تلقى حساسية كبيرة عند بعض الناس، وفي النهاية هو دين سماوي، واليهود هم طائفة دينية منهم المرتبط بالحركة الصهيونية ومنهم البعيد عنها تماماً، ومنهم المعارض لها.
المتابع للمدينة المفترضة في المسلسل يتشكك إن كانت في الكويت أم لا؟
– الناس أسقطوا العمل على الكويت، وهو لا علاقة له بالكويت، فمن أول العمل إلى نهايته لم نذكر الكويت ولا البحرين أو غيرها، نحن قلنا إنها مدينة موجودة في مكان ما بالخليج. كي نبتعد عن هذه الشكوك، والناس أسقطوها على الكويت، واتهموا العمل بالتطبيع، وهو بعيد تماماً عن هذا الموضوع… لكن أنا سعيد بالتجربة، ومتأكد أنه في نهاية المطاف كل هذه الألسن ستُلجم، لأنها تقول شيئاً لا علاقة له بالعمل.
كثير من أدوارك مثيرة للجدل، لكونها تتناول قضايا طائفية أو مذهبية وغير ذلك… هل تبحث عن الأدوار غير المألوفة؟
– الأهم ألا يكون البحث عن الاختلاف لمجرد الاختلاف، فمن يبحث عن الاختلاف يستطيع أن يؤدي الأعمال المتناقضة مع أفكاره ومبادئه، هذا لمن يبحث عن الاختلاف بشكل عشوائي. لكن دافعي الأكيد هو البحث عن كل شيء جديد، وكل شيء فيه منطقة تنويرية، لأن للفن دوراً تنويرياً والبحث عن الأمور المؤثرة.
أي فنان عليه أن يبحث عن شيء جديد، والفن هو بالنهاية رسالة مهمة، بل وحتى الترفيه تتضمنه رسالة، فما بالك إن كان هناك موضوع يهم المجتمع والناس؟ وإلا فما فائدة تقديم العمل الفني؟ لا بد أن تكون هناك رسالة معينة تريد إيصالها، وتكون مؤمناً بهذه الرسالة، ومن الخطأ أن تكون بوقاً للآخرين… لذا فالبحث واختيار الأدوار بالنسبة لي، يهمني فيه أن يكون هناك شيء جديد ويحمل مضامين جديدة ومختلفة.
من المفارقات الطريفة أن يُعرض لك في شهر رمضان مسلسلين، أحدهما أول عمل لك «الشاطر حسن» (على قناة ذكريات) والثاني أخرها «أم هارون»… ماذا يعني لك ذلك؟
– أنا سعيد جداً بقناة «ذكريات»، فلقد كنت أظن أن هذه الأعمال لم تؤرشف، لذا سعيد أنها موجودة في أرشيفنا، فبالنهاية هذا تاريخ الدراما لدينا، وسعيد كذلك أنها ما زالت بحالة جيدة، فمعنى ذلك أن هناك أرشفة مقننة ومُعتنى فيها في وزارة الإعلام. وأنا أهنئ نفسي وأهنئهم على ذلك، وانطلاقة القناة في رمضان له أيضاً طعم خاص.
أما مسلسل «الشاطر حسن» فهو أول عمل درامي تلفزيوني شاركت فيه، هو أول أعمالي على الإطلاق، والجميل في عرضه أنه أنعش ذاكرة الناس ممن هم في عمر الأربعينات ممن عاشوا تلك الفترة. وأن يُعرض لي أول عمل شاركت فيه وآخر عمل الآن «أم هارون» في نفس التوقيت، فهذا بالتأكيد شعور جميل، وأيضاً نشوة في أن أرى هذه الأجيال من فترة الثمانينيات وإلى الآن متواصلة معي عبر هذه الأعمال، شعور جميل جداً لا أستطيع تفسيره، وأحسسني بالارتباط الكبير بمجتمعي وناسي ومتابعي الأعمال الدرامية.
الشرق الأوسط