آراءترند

فهد توفيق الهندال: البحث عن الكائن الفريد

“هناك قصور في الحركة النقدية العربية عامة، والمحلية أكثر، يجب أن يتزايد حضور النقاد طردياً مع غزارة الأعمال الجيدة، وهذا ما لم نشهده حتى على الأعمال التي تحظى باهتمام إعلامي أو تلك التي تحصل على جوائز، بالنسبة لي لا أبحث عن الإنصاف بقدر ما يضيف نصي للقارئ ولشخصي كروائي.”

هذا اقتباس من حوار صحيفة الخليج مع الروائي خالد النصرالله، ما لفت انتباهي هو ما يراه النصر الله ضروريا في تزايد حضور النقاد “طرديا” مع غزارة الأعمال “الجيدة”، وذكر أن هذا ما لم يشهده حتى مع الأعمال التي تحظى باهتمام إعلامي أو تلك التي تحصل على جوائز!

لاشك أن هموم الكتّاب دائما ما تنصب على قلة التشجيع والاهتمام بما ينتجونه، ويكون للنقاد نصيب في تلقي بعض من هذه الهموم أو الشكوى ، لكونهم غير متفاعلين مع ما يكتبونه أو ينتجونه!

ولكن من هم النقاد المعنيون بهذا؟

هل هم النقاد المشتغلون بالنظرية وتحليل النص أم النقاد الأكاديميون العاملون بتدريس النظرية أم النقاد المعنيون بتقييم العمل وتحديد مستواه بين الجيد والردئ؟

إذا كان الكتّاب متنوعين في اهتماماتهم واشتغالهم، فالنقاد أيضا متنوعون في اهتمامهم واشتغالهم، ولا يمكن أن تتطابق وجهة نظر الكاتب مع الناقد والعكس، وإلا دخلنا في مسألة المجاملة أو الخصومة بين الطرفين.

الأمر الثاني، الناقد المشتغل في النظرية لا يفكر في منجز الرواية الإعلامي ولا الحائزة على جائزة أو تنويه، بقدر ما يرصد قيمة العمل الفنية وأصالة البناء الذي سيكون بصمة الكاتب بما يحتوي على رؤيته وأسلوبه الروائي.

عندما تناول الناقد جيرار جينيت عملا روائيا ضخما بحجم (البحث عن الزمن الضائع) لمارسيل بروست ذكر مبررا سبب دراسته:

“إن التحليل ليس معناه التوجه من العام إلى الخاص، بل من الخاص إلى العام، أي من ذلك الكائن الفريد الذي هو رواية بحثا عن الزمن الضائع إلى عناصره المألوفة كثيرا، من محسنات وطرائق عامة الاستعمال وشائعة التداول، ومن ثم عليّ أن أعترف بأنني أبحث عن الخصوصي أجد الكوني، وإذا أريد أن أجعل النظرية في خدمة النقد، أجعل النقد في خدمة النظرية بالرغم مني”.

وجينيت بذلك يقيم نقاشا منهجيا بين تطوير النظرية بما يؤدي لاكتشافات جديدة في تجربة النص البروستي.

إذن النقد الأدبي هو بحث مفترض في خط إبداعي مؤسس، قد يشكل مدرسة لكتابة إبداعية لجيل من الكتّاب، فليس منا من يجهل أثر روايتي دون كيشوت أو ١٩٨٤ أو قصيدة الأرض اليباب لاليوت أو مسرحية في انتظار جودو لبيكيت وغيرها من الأعمال العظيمة، التي ما كان لها أن تجد حضورها لولا حوار النقد والإبداع، في مد جسور النظرية بينهما،واكتشاف الجديد.

ولعل كونديرا لديه وجهة نظر حول ماهية الناقد:

“ينبغي الامساك بما هو جديد، وما يتعذر إحلال شيء محله، في ما يسهم لنتبين ما اكتشفته مظاهر الوجود التي كانت مجهولة في السابق. إذن يعتبر الناقد مكتشفا للمكتشفات”.

بالنهاية الناقد باحث كما هو الروائي، عن مكاشفات ومكتشفات جديدة في الكتابة، وليس مسوّقا أو مروجا لكاتب ما أو كتابات معينة.

 

فهد توفيق الهندال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

زر الذهاب إلى الأعلى