في ذكرى وفاته الـ14.. لماذا لا يموت أحمد زكي؟
القاهرة – هاشتاقات الكويت:
منذ وفاة فتى الشاشة الأسمر أحمد زكي، نجد أغلب المشاهير الذين عايشوه في حياته، وتحديدًا في فترة مرضه، يكشفون باستمرار عن تفاصيل جديدة لأسرار لحظاته الأخيرة قبل الموت، وآخر كلماته، من أحب ومن كره، من سانده ومن تخلى عنه، وما إلى ذلك مما خفي على الجمهور.
لكن رغم الشغف الذي كان يصيب الجميع لمجرد ذكر أي تفصيلة غير معروفة عن حياته، نجد أنه ما تلبث أن تذهب تلك التفاصيل من الذاكرة ويبقى أحمد زكي الفنان.
حالة ارتباط نادرة، قلما تتكرر مع فنانين آخرين، ليس لأنه الأفضل – وهو فعلًا يستحق ذلك-، بل لأنه لم يكن منافسًا أصلًا، فلا يمكنك أن تقارنه بفنان آخر، أو أن تقلّد أسلوبه وشخصيته، حتى وإن تقاربت الملامح وتشابهت الأصوات، فهو قد رحل ولم يوَرث أحدهم سر موهبته، لكنه بدأ المسيرة واجتهد فيها، ثم رحل وتركها تمضي في الحياة من بعده، رغم تعاقب الأجيال.
رائد تقمص الشخصيات
تحل اليوم الذكرى الثالثة عشر لوفاة النمر الأسود أحمد زكي، ولو كان ما زال بيننا حتى اليوم لكان في طريقه الآن إلى عامه التاسع والستين، فهو من الفنانين القلائل للغاية، الذين تليق بهم جميع الأدوار، وليس دورًا بعينه، فهو الطيب المسالم في “مدرسة المشاغبين”، والابن المتحمل للمسؤولية في “العيال كبرت”، وهو “البيه البواب”، والزعيم “ناصر والسادات”، والعندليب.
وهو صاحب التجربة الفريدة مع محمد خان في “موعد على العشاء” و”زوجة رجل مهم”، “أحلام هند وكاميليا”، حتى أفلامه التي وصفها البعض بأنها “تجارية” إلى حد ما، سواء “كابوريا، النمر الأسود، استاكوزا، امرأة واحدة لا تكفي”، كلها أحبها الجمهور ونالت شهرة واسعة، ولم تكن في مستوى العديد من الأفلام التي تندرج تحت نفس الفئة.
خفة الطرب
أجاد زكي التمثيل والغناء، رغم أن صوته لم ينافس عمالقة الغناء، لكن كما وصفه البعض، بأن ما قدمه لم يكن طربًا بالمعنى المعروف، بل حالة خفيفة مبهجة، أتت دوماً في محلها الصحيح، ساعده في ذلك تعاونه خلالها مع قامات موسيقية وفنية كبيرة، مثل عمار الشريعي، صلاح جاهين، حسين الإمام، سيد حجاب وغيرهم، سواء في “الدربندوخ” من فيلم “البيضة والحجر”، “أيوة يا دنيا يا بنت الإيه” من فيلم “مستر كاراتيه”، و”أنا بيه” في “البيه البواب”، و”إستاكوزا” و”أز أز كابوريا”.
التقليد والأحلام الثلاثة
يُعرف عن الفنان الراحل أحمد زكي اتقانه الشديد لتقليد بعض الشخصيات، وكان كثيرًا ما يربطها بالعندليب عبد الحليم حافظ، ففي أحد المناسبات قلّد كلا من عمر الشريف ومحمود المليجي وشفيق جلال ومحمد رشدي، في حالة غنائهم لأغنية “موعود” للعندليب بطريقة كوميدية.
وفي حوار سابق للفنانة عفاف شعيب، ذكرت أنها درست مع زكي في نفس الدفعة بمعهد التمثيل، وكان وقتها يغني كثيرًا لعبد الحليم حافظ، كما كان يقرأ خطب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إلي جانب تقليد الرئيس السادات، حتى أن الطلبة كانوا يلتفون حوله، منبهرين من براعته في التقليد.
أضافت أن الراحل قدّم الشخصيات الثلاث التي كان متيماً بهم وعاشقًا لتاريخهم، لذا حين أخبرها بأنه سيجسد دور العندليب خشيت عليه، وقالت له بالنص “أنا حاسة إن دي هتكون نهايتك”، ووقتها غضب من حديثها، وبالفعل رحل بعد أن حقق أحلامه الثلاثة.
لكن رغم أنه كان بارعًا في تقليد الشخصيات الثلاثة، ورغم أن كثيرين قلّدوا نفس الشخصيات، لكن يظل أداء أحمد زكي خارج إطار هذه الإمكانية، فقد أتى الكثيرون ممن مستواهم أقل من ذلك، وقد يأتي من هم أفضل، لكن لا أحد يتساوى معه، لأنه لم يكن فقط صعب التكرار، بل حتى صعب التقليد.
اضحك الصورة تطلع حلوة
كشف الناقد الفني طارق الشناوي، خلال أحد لقاءاته أن الزعيم عادل إمام كان يدرك جيدًا حجم وقيمة موهبة أحمد زكي، وقبل شهرة الأخير همس عادل إمام في أذن الفنان صلاح السعدني وهو يشير إلى زكي أثناء تمثيله لمشهد قصير وصامت في إحدى المسرحيات، قائلاً “هذا الممثل عبقري، انظر إلى عينيه”.. وبالفعل بالنظر إلى زكي وخفة وسهولة التمثيل لديه، تكتشف أنك أمام ممثل عبقري كما قال الزعيم.
فمثلاً من خلال فيلم “اضحك الصورة تطلع حلوة”، نقل أحمد زكي فكرة بسيطة مليئة بالشجن، تتشابه مع أحداث كثيرة في الحياة، ساعده فيها بالتأكيد السيناريو الجيد كالعادة من السيناريست الكبير وحيد حامد، والإخراج المتقن لشريف عرفة.
ممثل حد الموت
في أحد اللقاءات التليفزيونية، روى الدكتور ياسر عبد القادر طبيب الأمراض السرطانية والمشرف على علاج الفنان الراحل أحمد زكي، موقفًا استثنائيًا جمعه به خلال رحلة علاجه، موضحًا أن “زكي” أراد تمثيل مشهد يعبر عن لحظة وفاته، فألف سيناريو ومثّله، وكانا جالسين بمفردهما، وأورد حوارًا بينه وبين ملك الموت، وكأنه يستأذنه في 10 دقائق قبل أخذ روحه، لتحضير سرادق عزائه في الحامدية الشاذلية، ليكون قريبًا من بيته.
مؤكدًا أن هذا المشهد الذي مثله الفنان الراحل مازال يؤثر فيه حتى الآن، سواء لعلاقة الصداقة القوية التي كانت تربطهما، وإنسانية الموقف ذاته، وكذلك لكم العبقرية في الأداء والتفاصيل والسيناريو الذي ارتجله في وقتها، وأدّاه بصورة مؤثرة.