قصة فيلم “Leave the World Behind”.. دراما ديستوبية جيدة عن نهاية غامضة للعالم المتحضر!
أفلام نهاية العالم في العادة صاخبة وتدميرية؛ تستلهم روح وقائع فيضان نوح؛ مثل أفلام “2012”، و”اليوم بعد التالي” “The Day After Tomorrow”، وهي أعمال درامية تصل الأحداث فيها إلى ذروتها في أوقات دمار الكوكب. بعض الأعمال الأخرى تجد الإثارة في تخيل مُجتمع مرحلة ما بعد دمار الحضارة؛ هناك أمثلة شهيرة وقاتمة؛ منها سلسلة أفلام “ماكس المجنون” “Mad Max”، وفيلم “أنا أسطورة” “I Am Legend”. لكن فيلم “دع العالم خلفك” “Leave the World Behind” يختار وقت الحدث نفسه، دون صخب، وبلا مشاهد جرافيك تفصيلية لدمار المُدن الكبرى، وغرق المعالم الشهيرة، ويكتفي برصد لحظات القلق والجهل بحقيقة ما يحدث.
اختفاء الأصدقاء!
الفيلم إنتاج شبكة “نتفليكس”، وشارك في ادارة الإنتاج كلا من “باراك أوباما” و”ميشيل أوباما”، وهو بطولة “جوليا روبرتس”، “ماهرشالا علي”، “ايثان هوك”، وقصة وإخراج “سام إسماعيل”، مؤلف مسلسل “السيد روبوت” “Mr. Robot”. العمل مُقتبس عن رواية تحمل نفس الاسم، كتبها “رومان علم”، وصدرت عام 2020، وهي رواية ديستوبية تتخيل نهاية العالم، أبطالها عائلتين، يعيش أفرادها حدث غامض، بلا وسائل اتصال أو تكنولوجيا تفسر ماذا يحدث.
تنتقل آماندا “جوليا روبرتس”، مديرة الدعاية، من منزلها في قلب نيويورك الصاخبة، لقضاء عُطلة في منزل حديث فخم يطل على البحر، يقع في منطقة نائية في لونج آيلاند، وهي لا تبعد كثيرًا عن نيويورك. كان قرارًا مُفاجئًا لعائلتها من الطبقة المتوسطة العُليا؛ الزوج، الأستاذ الجامعي المؤمن بالصداقة والعلاقات الاجتماعية كلاي “ايثان هوك”، والابن المُراهق أرشي “شارلي ايفانز”، صموت ولا يهتم إلا بالفتيات، والابنة الصُغرى روز “فرح ماكينزي”، البريئة، المفتونة بمسلسل “فريندز”.
بداية هادئة وكسولة تُمهد لحدث جلل قادم، وتأخذ الدراما مسارًا غامضًا حينما يحضر جورج “ماهرشالا علي” وابنته الشابة روث “مايهالا” ذا مساء إلى منزل العائلة، يدعي جورج أنه مالك المنزل، وأن الكهرباء ووسائل الاتصال مقطوعة في الخارج، ويطلب أن يقيم وابنته بصحبة العائلة حتى تتضح الأمور في الخارج.
العودة إلى الكهف!
ملامح بدايات درامية تليق بفيلم من أفلام الرعب الذي تتفجر معه شلالات دماء الشخصيات، ويدور صراع بقاء عائلة عادية وشخصيات سيكوباتيه اقتحمت حدودها الآمنة، ربما هذه خيالات آماندا التي لا تثق بالبشر.
الحياة بعد فقد وسائل التواصل والاتصال تبدو من ملامح دراما “سام إسماعيل”، فبدون معلومات تفقد شخصيات الفيلم اتزانها وثقتها؛ لا تصدق آماندا ما يخبرها به جورج عن انقطاع الكهرباء في كل مُدن الساحل الشرقي، تتشكك في الرسائل الأخيرة الغامضة التي وصلتها على هاتفها.
الكهرباء لا زالت تعمل في المنزل دون تفسير، وسائل الاتصال الأخرى مقطوعة فعلًا، ويبقى ستة أشخاص مذعورين معًا في منزل واحد، وكل منهم مهموم بمصيره ومصير أقرب الناس إليه، وتبقى الصغيرة روز مهمومة بمصير أبطال مسلسل “فريندز”؛ بعد توقف الإنترنت قبل مشاهدة الحلقة الأخيرة على الإنترنت.
قد يكون الأمر كارثة مناخية، أو غزو خارجي، أو حرب أهلية داخلية؛ كل الاحتمالات مفتوحة، وقلة المعلومات تجعل الخوف هو الأوكسجين الذي تتنفسه الشخصيات في كل لحظة.
من الصعب تحويل رواية ديستوبية تأملية قليلة الأحداث إلى فيلم سينمائي؛ ولهذا غير سيناريو “سام إسماعيل” شخصية روث زوجة جورج الهادئة في الرواية، إلى ابنة شابة غاضبة، فتاة سوداء لا تثق بالبيض؛ وخلق هذا كثير من التعليقات الحادة المُتبرمة، والحوارات الصاخبة أحيانًا، وبشكل خاص مع آماندا، التي تمتلك ابتسامة ودودة، وخلف هذه الابتسامة جدار من عدم الثقة في الآخرين.
استعراضات الكاميرا!
شيء ما حدث في الخارج، وأصبح المُجتمع اللطيف يفقد هدوءه وطمأنينته وقدرته على التواصل والتآزر. تنقطع العائلة عن العالم المُتحضر، وتفقد وسائل الاتصال، وتُسجن اختياريًا في منزل مُترف لا تملكه، وتضطر إلى مشاركته مع شخص يدعي أنه مالكه وابنته الغاضبة، ويجد الجميع أنفسهم على المحك؛ لا يعرفون ما حدث هناك في المدينة القريبة، ويُصيبهم غموض الحدث والمصير بنوبات من الشك والانعزالية والقلق.
لم يهتم الفيلم كثيرًا بتفاصيل الحدث الجلل الذي أوقف روتين الحياة اليومية لمُجتمع حضاري مُعاصر؛ فهو معني أكثر بسلوك البشر في ظل الأزمات العظيمة، وصور كيف يفقد البشر ثقتهم في بعضهم البعض سريعًا؛ ويظهر “كيفن باكون” في مشاهد قليلة في دور داني، المقاول الذي عدّه جو نموذجًا للشخص المُحب للجميع، القادر على التواصل والتعاون ومُساعدة الآخرين؛ ولكنه يكتشف أن هذا يرتبط فقط بالحياة المُتحضرة التي كان يعيشها الجميع، قبل الحادث الجلل، حيث يفقد الجميع الثقة ويلوذ داني بكهفه؛ وهو منزله المليء بكميات طعام ودواء ووسائل حياة لن يشاركها مع أحد.
يستخدم “سام إسماعيل” الكاميرا بصورة استعراضية، وزوايا نرى معها كل شيء ينقلب رأسًا على عقب، وهي زوايا تُعبر عن حال الأبطال، وتوحي بكيان ضخم يُراقب كل شيء من أعلى؛ يخطط لفوضاه في صمت وهدوء، وقد أفرط في استخدامها، وصنع حالة من التشويق البصري الذي ينتهي دون هدف واضح.
نهاية مفتوحة أم مبتورة!
من مميزات السيناريو صقل حبكة الرواية التي شابها بعض التصنع؛ حوار الفيلم جيد وبناء الشخصيات مقبول، وفي الفيلم لمحات من تداعيات الكارثة لم ترد في الكتاب، والفيلم نظم القصة في فصول؛ تبدأ بفصل (العزلة)، وهي تؤدي إلى باقي التطورات الدرامية: (الفوضى)، (الصراع)، (المواجهة)، وأخيرًا (الخلاص).
يكره كثير من مُشاهدي الأفلام النهايات المفتوحة؛ حينما تصل عُقدة الأحداث إلى نهايتها، وتبدأ الشخصيات في تجميع الخيوط، وتبدأ الدراما في الانتقال إلى منطقة حل العُقدة، و، وحرم المتفرج من مُتعة حل اللغز الذي تابعه منذ البداية.
سواء كانت النهاية مفتوحة أم مبتورة يشعر المُشاهد بالضيق؛ فهذا امتداد طبيعي لكراهية البشر للغموض، والقضايا المعلقة، والألغاز بلا تفسير، ولكن هذا مصير الشخصيات في الفيلم؛ هم أمام أزمة وجود، وعليهم الانشغال بالبقاء حيٌّ يُرزَق؛ فالصداقة بمعناها اللطيف؛ كما يُقدمها مسلسل التسعينيات لم تعد موجودة.
ربما عرفت روز الصغيرة مصير شخصيات مُسلسلها المُفضل أخيرًا؛ حينما عثرت على شرائط فيديو قديمة للحلقات في منزل مهجور مُجاور، في حين لن نعرف مصير روز وباقي شخصيات الفيلم؛ فقد صفق “سام إسماعيل” باب الأحداث الدرامية فجأة في وجوهنا، وعلى شاشة سوداء نزلت تترات الأسماء على اللحن المميز لأغنية مسلسل “فريندز”، وهذا الإزعاج يساير مضمون القصة؛ إننا نرى نهاية العالم بعيون شخصيات لا تعيش في قلب الأحداث الدامية والانفجارات والدمار على الجانب الأخر؛ هي شخصيات ربما تنجو من الموت لأنها بعيدة عن مركز الكارثة، وهذا لا يعني أنها ستعود إلى الحضارة قريبًا، انتهى الفيلم فجأة؛ لأن الحياة بمعناها الواقعي والرمزي في ظل الكارثة قد تنتهي فجأة، وبدون مُقدمات.