كيف تدير حياتك بعد الصدمة؟
للصدمة جذور وأصول، وكذلك عدة وجوه. يتفق الجميع على أنها محوّلات. لذا يجب أن نتحدث وأن نعرف ونُعرف بدقة التحدي الذي تفرضه علينا.
تستمر حياتك اليومية كالمعتاد. فأنت تذهب إلى العمل أو إلى فصولك الدراسية. تخرج من وقت لآخر مع أصدقائك. حياتك الزوجية، إن كنت متزوجًا تبدو عادية. روتينك اليومي مستقر عمومًا. كل شيء يعمل كما ينبغي. ومع ذلك، فجأة يحدث شيء يغير حياتك تمامًا.
قد يكون التغيير المفاجئ بسبب موت قريب عزيز أو هجوم من قبل شخص غريب، أو وقوعك في حادث. يمكن أن تكون الأسباب متنوعة، ويمكن أن تحدث أيضًا في أي وقت من حياتك، ولكنّ هناك قاسما مشتركا وهو أن العجلة التي جعلت حياتك تدور في اتجاه واحد إذ بها تتوقف فجأة توقفًا تامًّا. العجلة تنكسر ومعها حياتك. وهكذا تستقر الصدمة في عقلك وتقلب فيك كل شيء رأسًا على عقب.
ورد في التقرير الذي نشره موقع nospensees يوم السبت أن الصدمات شائعة ويمكن أن تظهر في أي عمر. يمكننا القول إننا جميعًا نحمل واحدة أو بالأحرى بضع صدمات في حقيبة كاهلنا. تنشأ الصدمة عندما نشهد أو نختبر حدثًا غير متوقع وغير سار يؤثر فينا ويستولي على أذهاننا.
فعلى الرغم من أنه ليس من الضروري أن يكون حدثًا عرضيًّا، فإن من الممكن أن تحدث الصدمة بعد تجربة موقف مزعج لم نقم باستيعابه ومعالجته بالكامل لفترة طويلة من الزمن.
حتمًا وجود الصدمة يتحكم في ظروفنا، عن وعي منا أو دون وعي، ولكن إذا عرفنا كيف نتعايش مع الصدمة وكانت لا تؤثر على نوعية حياتنا، فلا داعي في هذه الحالة للقلق.
تنشأ المشكلة عندما تصبح الصدمة هي البطل في حالتنا الانفعالية. أيًّا كان السبب الذي أدى إلى حدوثها فإن الصدمة المؤلمة تكتسب الكثير من الوزن لحد أنها تبدأ تدريجيًّا في غزونا.
بعد ذلك تطفو الاستجابات الجسدية والنفسية والعقلية التي تبدأ في تعطيل حياتنا. هذه العجلة التي كانت تدور بسلاسة وتحرك حياتنا اليومية إذ بها تتعطل ولا تسمح لنا بمواصلة الحياة بالسهولة التي اعتدنا عليها ورغبناها دومًا. التعرض للصدمة يتحكم في طريقة تفكيرنا ومشاعرنا.
الوحوش الخفية التي تصاحب الصدمة
كل شخص فريد من نوعه، كما هي الحال بالنسبة للكيفية التي تؤثر بها الصدمة عليه والكيفية التي يتفاعل بها معها. فقط الشخص الذي يعيشها يعرف ما يجري في داخله. يستجيب بعض الأشخاص للصدمة بتحولات في طبعهم الشخصي، أو يتفاعلون مع الصدمة عن طريق تغيير طريقة ارتباطهم ببيئتهم. قد يعانون أيضًا من أعراض جسدية مثل توتر العضلات أو الأرق أو خفقان القلب.
لكن البعض الآخر يرفض أي شيء يذكرهم بأقل قدر ممكن بِحدث الصدمة، وهكذا تحجب عقولهم الذكرى التي قادتهم إلى تلك الصدمة. على العكس من ذلك هناك من يتذكرها مرارًا وتكرارًا. ويلجأ البعض إلى الانفصام فيفصلون أنفسهم عقليًّا عن الألم الذي سببته لهم الصدمة. قد تظهر عندهم الأفكار المتطفلة في أكثر الأوقات غير المتوقعة، أو قد تظهر اضطرابات نفسية، مثل: الاكتئاب. كل شخص يتبنى دون وعي آليات الدفاع التي تساعده بشكل أفضل على مقاومة ما حدث له.
رغم ذلك هناك مشاعر سلبية شائعة بين الأشخاص الذين يواجهون حدثًا صادمًا. إنها وحوش صغيرة تصاحب الأشخاص المصابين باضطرابات نتيجة الصدمات، وقد تكون هذه الوحوش أحيانًا غير مرئية للآخرين.
الخطأ
في تجربة الصدمة قد يكون الشعور بالذنب رفيقًا دائمًا. أحيانًا يلوم الشخص الذي يعيش مع الصدمة نفسَه على الحدث الذي قاده إلى تلك الصدمة. من المحتمل أيضًا أن يتحمل مسؤولية عدم تجنبه لذلك الحدث الصادم. يبدأ الشعور بالذنب والندم بمرافقته أينما ذهب. فهو ليس مذنبًا بالصدمة التي يعيشها، لكن عقله قد يعتقد ذلك.
الشعور بالذنب آلية أخرى من الآليات التي يملكها الدماغ لمواجهة الموقف. إذا كنتُ أنا الجاني يمكنني أن أضع حدًّا لهذا القلق. إنها آلية شائعة، على سبيل المثال، عند ضحايا الاعتداء الجنسي. “ليتني قطعت العلاقة معه من قبل”، “ليتني أوقفته عند حده”، “ليتني لم أخرج ليلًا”. إنها أفكار غير واعية تميل إلى صُنع ضحايا هذا النوع من الأحداث الصادمة.
الشعور بالوحدة وعدم الفهم
من الشائع أن يظهر القلق الاجتماعي والشعور بالوحدة بعد الصدمة المؤلمة، ومع ذلك فإن الشعور بالوحدة ليس دائمًا جسديًّا. الشعور بالوحدة العاطفية، دون دعم للاعتماد عليه، والشعور بعد الفهم أو سوء الفهم من قبل الآخرين هو أحد تلك الوحوش الصغيرة التي تضاف إلى موكب الصدمة.
عندما لا تمر بيئتك بما مررت به قد تشعر أنها لم تفهم ألمك. قد تعتقد أنه من غير المجدي أن تشرح مشاعرك لمحيطك لأنه لن يفهمها، وفي حين أنه من الصحيح أن هناك أشياء لا يفهمها إلا من يختبرونها أو يعانون منها، فمن اللائق أيضًا أن بيئتك تسعى إلى دعمك وتحتاج إلى مساعدتك حتى تساعدك بدورها.
يجب أن تتحمل عائلتك أو أصدقاؤك أو شريكك أو الشخص الذي يريد مساعدتك مسؤولية مرافقتك دون الضغط عليك مع احترام حدودك والاستماع إليك. لكنك، بصفتك المتضرر إذا كنت تريد أو تحتاج إلى مساعدتهم فإنك تتحمل أيضًا مسؤولية التواصل معهم وإرشادهم قدر الإمكان إلى الكيفية التي تساعد تواجدهم إلى جانبك لجعل هذا الطريق أكثر يسرًا.
كما أن إجراء اتصالات وتبادل الخبرات مع الأشخاص الذين مروا بنفس المأساة يمكن أن يكون مفيدًا جدًّا حتى تشعر أن هناك من يفهمك. يمكن أن يوفر لك الذهاب إلى مجموعات الدعم العديد من الفوائد في علاجك النفسي. هكذا يمكنك تبادل الآراء والخبرات مع الأشخاص الذين يعرفون عن كثب ما حدث لك. وهكذا سيتمكن الأشخاص الذين هم في حالة تعاف من تقديم المشورة لك من واقع تجاربهم. باختصار، بالإضافة إلى الدعم والتفهم ستتمكن من توسيع رؤيتك ومنظورك لما حدث لك وكيف تتعامل مع صدمتك.
الخجل
مثل الأخ الصغير الذي يجبرك والداك على اصطحابه إلى سهرات، فإن الخجل يرافق بانتظام الوحوش الصغيرة التي تحدثنا عنها. “أشعر بالذنب وأخجل من ذلك”. “أشعر بالخجل إن أنا أخبرت شخصًا ما بما مررت به في حال حَكم عليّ وعزلني انفعاليًّا من محيطي”.
الخجل المفرط يقلل من قدرتك الاجتماعية واحترامك لذاتك، لدرجة أنه يجعلك تشعر بالضعف أو تشكك في ذاتك. وهذا بالفعل يمثل عقبة كبيرة في عملية تعافيك، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى انتكاسة هذا التعافي.
الخجل ظاهرة إنسانية. ومن الخطأ الاعتقاد أن الإنسان في مأمن من أحكام الآخرين عليه أو من انتقاداتهم له. فنحن نتفاعل مع هذا الواقع. لكن على الرغم من وجود أشخاص ينتقدوننا فإن هناك أيضًا أنظارًا تعاطفية، فهي على وجه التحديد تساعد بشكل كبير عندما يتعلق الأمر بإدارة هذا الشعور بالخجل.
الطريق طويل لكن له نهاية
لا شك أن العودة إلى الحياة بعد الصدمة ليست مهمة بسيطة أو سريعة. فللصدمة النفسية كما لو كانت أخطبوطًا عملاقًا، العديد من المخالب وهي تؤثر على العديد من جوانب حياة الشخص الذي يتعرض لها. لا يكفي قطع الجذور والتخلص منها. شيئًا فشيئًا، بالصبر والمثابرة والجهد يجب أن نقطع المحاجم التي تمتصنا. لكننا بحاجة إلى شخص خبير لمساعدتنا على إزالتها جميعًا.
العلاج النفسي حليف لا غنى عنه في التغلب على الصدمات وعواقبها. من خلال مهاجمتنا لكل تلك المخالب السامة التي شلت حياتنا سنتمكن من العمل بأساليب مختلفة لتقبل ما حدث لنا وحتى نتعلم كيفية إدارته، إلى أن يأتي اليوم الذي يتوقف فيه الضغط والأذى ويتاح لنا الاستمرار في العيش بشكل طبيعي.