كيف نحمي أطفالنا من متلازمة الطفل الغني؟
تؤثر التنشئة الأبوية تأثيرا بالغا في شخصية الطفل وسلوكه ومستقبله، وتعد متلازمة الطفل الغني من المشكلات التربوية الخطرة التي قد يقع فيها الوالدان.
ففي تقرير نشرته مجلة “سانتي بلوس” (Santeplusmag) الفرنسية، يقول الكاتب باتريك إف إن متلازمة الطفل الغني، التي تُعرف أيضا باسم “ريكوباتيا” (ricopatía) أو “أفلوينزا” (affluenza)، لا تصيب فقط أبناء الطبقة الثرية من المجتمع.
فمن الطبيعي أن تؤدي الحماية المفرطة إلى عدم تربية الطفل تربية مناسبة، ونتيجة لذلك يفتقد عند البلوغ المهارات الضرورية للتعامل مع تقلبات الحياة لأنه لم يتعود المثابرة والكفاح للحصول على ما يريد.
ويمكن لأسر الطبقة الوسطى أن تحتضن هذه الظاهرة المجتمعية لأن الآباء الذين لديهم وتيرة عمل مرهقة قد يرغبون بتعويض غيابهم عن أولادهم وقتا طويلا بتقديم هدايا باهظة الثمن.
السلوك غير المسؤول وعدم التعاطف
واستخدم مصطلح الطفل المدلل على مدار عقود قبل أن يظهر مصطلح متلازمة الطفل الغني أول مرة في تسعينيات القرن الماضي. وظهر مصطلح “أفلوينزا” أول مرة في كتاب “الغيتو الذهبي.. علم نفس الثراء” الذي ألفته الخبيرة النفسية جيسي إتش أونيل.
وحسب رأي أونيل، يمكن للأطفال الذين يعانون هذه السمات الغريبة أن يُظهروا سلوكا غير مسؤول وأن يفتقروا إلى الشعور بالتعاطف. ويعود الأمر أساسا إلى سلوك الوالدين، بخاصة حين يجلبون كثيرا من الهدايا للأطفال لتعويضهم عن الغياب الطويل.
خطورة الهدايا
وفي الواقع، هناك كثير من المؤشرات التي تساعدك على أن تعرف إن كان طفلك يعاني متلازمة الطفل الغني. فعلى سبيل المثال، قد يقول في كثير من الأحيان إنه يشعر بالملل رغم أن لديه كثيرا من عوامل الترفيه المتاحة، ويريد الحصول على المزيد.
ولا يُعدّ إعطاء الهدايا للأطفال أمرا سيئا في حد ذاته لأن أحد الوالدين يمكن أن يعطي طفله هدية ليهدأ أو يتوقف عن البكاء، كما يمكنه أيضا تقديم هدية عندما يتصرف الطفل بأسلوب جيد، ولكن القيام بذلك آليا يؤثر سلبا في الصحة النفسية للطفل.
ولا يؤدي الإفراط في تقديم الهدايا إلى جعل الطفل مدللا فحسب، بل هناك كثير من العواقب الأخرى التي يمكن أن تنجم عن مثل هذه التنشئة، ومن بينها تدنّي احترام الذات وفقدان القدرة على التحدي وعلى مواجهة الإحباط والتغلب على المشاكل. في الواقع، يعتقد الطفل الذي اعتاد تلقي الهدايا دون أن يستحقها أن والديه سوف يتعاملان مع أي موقف مزعج بدلا عنه.
ويمكن أن يضاف إلى ذلك الافتقار إلى الانضباط والإخفاق الأكاديمي وإلى صعوبات في التعامل مع الآخرين وعدم السيطرة على الغضب، ويمكن أن يصل الأمر إلى سلوكات خطرة أخرى مثل إدمان تعاطي المخدرات.
كيف نحمي الطفل؟
ويؤكد الكاتب ضرورة أن يضطلع الآباء بدور مهم في جعل الطفل يفهم أنه لا يمكن أن يحصل على جميع الأشياء التي يرغب بامتلاكها. ولتجنب الوقوع في مزالق هذه المتلازمة، يستطيع الأب والأم إظهار الجهد الذي يبذلانه لتوفير نمط حياة مريح لأطفالهم دون تقديم هدايا.
وبهذه الطريقة سيفهم الطفل قيمة العمل وقيمة الأشياء المادية التي يحصل عليها من والديه. فضلا عن ذلك، تعدّ مشاركة الطفل في الأعمال المنزلية دون مقابل، مثل ترتيب السرير وترتيب غرفته وغسل الأطباق، جزءا من التنشئة السليمة لتجنب متلازمة الطفل الغني.
كما أن تقديم العون بطريقة محسوبة للطفل من أجل حل المشكلات التي تعترضه من شأنه أن يساعده على فهم القيم الأساسية للتطور في الحياة، فتوعية الطفل بأن عليه تحمل مسؤولية أخطائه سيجعله يقدر كل شيء من حوله، مثل حب والديه أو الهدايا المقدمة له.
أن تكون صارما لا يعني أن تسيء لطفلك
في الحقيقة، لا تعني عدم المساومة على مبادئ معينة في الحياة أن تكون والدا قاسيا وتعامل طفلك معاملة سيئة. على العكس من ذلك، يجب أن يكون تعلم القواعد اليومية طريقة لإظهار الحب ومساعدة الطفل على أن يصبح شخصا متوازنا. وسيؤدي ذلك إلى اكتساب الطفل المعايير والقيم الأساسية في الحياة ويتمكن من اتباع نهج أفضل في مواجهة صعوبات الحياة اليومية.
ويعدّ تعلم إدارة الإحباط جزءا من المعارف الأساسية لمواجهة المواقف الصعبة التي قد يمر بها الطفل، وهي مسألة ضرورية لنموه. هنا يأتي دور الوالدين في مساعدته على الاستفادة من المهارات العاطفية والنفسية لتجاوز المتاعب، وليعيش حياته عند البلوغ بأسلوب متوازن.