محافظ بنك الكويت : انظمة البنوك المركزية أصبحت أكثر استقراراً ومتانة
قال محافظ بنك الكويت المركزي الدكتور محمد الهاشل اليوم الاربعاء ان “البنوك المركزية والجهات الرقابية قطعت أشواطا واسعة نحو بناء انظمة مالية أكثر استقرارا ومتانة” مشيرا الى ان الازمة المالية العالمية ادت الى تحول جذري في اساليب الرقابة والاشراف المصرفي.
جاء ذلك في الكلمة الافتتاحية التي ألقاها الهاشل في انطلاق أعمال الاجتماع السنوي ال 14 عالي المستوى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في ابوظبي واستعرض فيها واقع الرقابة المصرفية والدروس التي تعلمها القطاع المصرفي من الأزمة المالية العالمية.
وجاءت كلمة الهاشل في الاجتماع الذي تنظمه لجنة بازل للرقابة المصرفية بالمشاركة مع معهد الاستقرار المالي وصندوق النقد العربي تحت عنوان (الرقابة والاشراف: أخطاء الماضي ومخاوف الحاضر). وتناولت الكلمة محورين الاول يتعلق بواقع الرقابة وما وصلت اليه بعد سنوات من الاصلاحات الرقابية لمعالجة أوجه القصور التي كشفتها الأزمة المالية العالمية والاخر هو هموم الرقابة والاشراف المستقبلية.
واشار الهاشل في المحور الاول إلى ان خسائر الأزمة (طبقا لأبحاث بنك التسويات الدولي) بلغت ما نسبته 25 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي فضلا عن التكاليف الاجتماعية لارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الانتاج.
وأشاد بتحرك قادة العالم حينذاك لمواجهة العواقب والمخاطر التي أحدقت بالنظام المالي واصفا اياه بأنه تحرك استثنائي مقارنة بأوضاع اليوم التي يغلب عليها طابع تنامي الاتجاهات القومية والمشاحنات التجارية.
وقال “لم يكن التعرف على هذه الاختلالات وأوجه القصور التي كشفت عنها الازمة صعبا ” لافتا الى عدم كفاية رأس المال وضعف جودته وغياب المصدات والتدابير الوقائية لاحتواء الرفع المالي المفرط.
واوضح ان البنوك الكبرى استفادت من قوتها في السوق دون أن تتحمل كلفة المخاطر التي تسببت فيها للنظام برمته كما انه لم تكن هناك تدابير خاصة بالسيولة سواء من حيث التمويل أو تغيرات السوق حيث كانت الرؤية ضبابية بالنسبة لجهود احتواء المخاطر النظامية في مجال البعد الزمني أو الهيكلي مبينا ان “الخلل قد كان جليا في كل القواعد التنظيمية جملة وتفصيلا”.
وأكد الهاشل ان من أوجه القصور التي كشفت عنها الأزمة المالية العالمية النظرة التي رأت في الاشراف المصرفي عملية تقوم على التحوط الجزئي وحده إذ ساد الاعتقاد ان استقرار وحدات النظام المالي كل على حدة كفيل باستقرار النظام مما أدى الى تجاهل المخاطر النظامية الآخذة في التنامي.
واضاف انه بفضل حزمة الاصلاحات الرقابية من قبل لجنة بازل للرقابة المصرفية تمت معالجة القصور الى حد كبير وتحسين نظام كفاية رأس المال برفع معدله وتحسين جودته كما فرضت متطلبات بشأن تكوين المصدات الرأسمالية التحوطية والمصدات المالية ضد التقلبات الاقتصادية لمساعدة البنوك للمحافظة على هوامش اضافية في صورة مصدات رأسمالية والحد من المخاطر النظامية.
وفي السياق ذاته طبق تدريجيا معيار الرفع المالي لدعم تطبيق معيار كفاية رأس المال أما بالنسبة للسيولة فقد أدى تطبيق معياري نسبة تغطية السيولة وصافي نسبة التمويل المستقر الى تعزيز قدرة البنوك على مواجهة ضغوط السيولة وزيادة استقرار هيكل التمويل لديها.
ولمواجهة البعد الهيكلي من المخاطر النظامية أضيفت متطلبات رأسمالية للبنوك ذات الأهمية النظامية الى جانب تعزيز خطط الانعاش وتسوية الأوضاع وتحسين شبكات الأمان فضلا عن كثير من التدابير الاخرى.
وذكر ان هنالك أدلة على أن البنوك غدت أكثر استقرارا مما كانت عليه قبل عقد من الزمن حتى ان أثر هبوط أسعار النفط في عام 2014 على البنوك الخليجية كان محدودا رغم تفاوت درجة المتانة من دولة لأخرى وهناك توافق على ان تلك البنوك قد دخلت حقبة تراجع أسعار النفط من مركز قوة معززة بالاصلاحات الرقابية التحوطية.
وبين أهمية دور الاشراف الى جانب الرقابة مؤكدا أنه دون الإشراف الفعال سيكون من الصعب ضمان التطبيق السلس والآني أو تحقيق الاستقرار المالي عموما.
واشار الى ان الاشراف الفعال له أهمية كبيرة في كشف المخاطر التي يتعرض لها النظام المالي اذ لا يمكن التنبؤ بكل المخاطر سلفا مشددا على ضرورة أن تتسم الجهات الرقابية بالمرونة والسرعة لتصويب الأوضاع بما يتماشى مع الطبيعة المتغيرة للصناعة المصرفية واستجابة للمخاطر الجديدة.
ومن ثم تطرق الى المخاطر الناشئة مقدما مثالين عنها هما (المخاطر السيبرانية) و(التغير المناخي) وبالنسبة للمخاطر السيبرانية كشف عن أن التطورات التكنولوجية باتت تلقي بظلالها على جميع نواحي العمل المصرفي محدثة تحولا في عمليات البنوك الداخلية وفي تعاملاتها مع العملاء.
واضاف انه مع تعاظم دور التكنولوجيا من دور مساعد الى منصة أساسية لكل أنشطة البنوك فانه تلوح في الأفق احتمالات عالية لنشوء مخاطر جديدة عن أنماط التكنولوجيا واسعة الانتشار والمتشابكة.
ولفت الى ان أثر حدوث مثل هذه الاحتمالات على أرض الواقع لا يقتصر على الإخلال بالخدمات المالية الحيوية بل يتعدى ذلك لتهديد متانة النظام المصرفي والثقة فيه ولذلك بات ينظر الى المخاطر السيبرانية على أنها مخاوف محورية.
وأشار الى استطلاع بنك انجلترا حول المخاطر النظامية للنصف الثاني من عام 2018 الى المخاطر السيبرانية كثاني أكبر المخاطر بعد المخاطر السياسية الناشئة عن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
وأشار الى انعكاس المخاطر السيبرانية المتزايدة في المتطلبات الرأسمالية لدى البنوك لمواجهة المخاطر التشغيلية معتبرا ان تنامي الوعي بالمخاطر السيبرانية خطوة في الاتجاه الصحيح لا سيما أن هذه المخاطر تعتبر عظيمة الأثر وان كانت احتمالاتها منخفضة.
وشدد على أن الاعتماد على رأس المال فقط في مواجهة المخاطر السيبرانية لن يكون كافيا اذ يجب على الجهات الرقابية ضمان تحسين البنوك لمتانتها التشغيلية عبر تعزيز قدرتها على الاستجابة للهجمات السيبرانية والتعافي منها.
واضاف ان الحد من الهجمات السيبرانية يتطلب تعاونا فعالا بين الجهات الرقابية والقطاع وكذلك خطط طوارئ وتعاف مناسبة وتبني جميع المشاركين في بنية الأسواق المالية لممارسات السلامة الصحيحة.
وقال الهاشل إن بنك الكويت المركزي يعكف حاليا على خلق منصة متطورة للتبادل الفعال للمعلومات المتعلقة بالمخاطر السيبرانية وهي منصة يمكن استخدامها لاحقا على نطاق اقليمي.
واشار الى ضرورة الاستفادة من توجيهات المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية ولجنة المدفوعات والبنية التحتية للسوق (CPMI-IOSCO) التي تهدف لتعزيز المتانة المعتمدة على التصميم وتضمين النظام مواصفات أمان سليمة في أول مراحله عند صياغة مفاهيمه مما يساعد على التصدي للمخاطر السيبرانية المحتملة التي يمكن أن تنشأ عن استمرار البنوك في الاعتماد على ارثها التقني.
وعن مخاطر التغير المناخي استعرض الهاشل بعض الحقائق والأرقام المتعلقة بالتغير المناخي وأثره الاقتصادي والاجتماعي على مستوى العالم مرحبا باهتمام واضعي السياسات بهذه القضية بعد سنوات من الاهمال.
وبين ان اثر الكوارث المناخية على الاقتصاد ينتج عنها نوعان من المخاطر أحدهما مادي والآخر متعلق بالتحول الاقتصادي حيث يشكل تزايد وتكرار الكوارث المناخية خطرا ماديا كبيرا يلحق الضرر بأصول وضمانات البنوك في حين يمكن للكوارث الطبيعية أن تضر بالبنية التحتية العامة فتؤثر على حياة الأفراد والنشاط الاقتصادي ككل.
وفيما يتعلق بخطر التحول الاقتصادي أشار الى أن الخطر يكمن في الأثر الاقتصادي للتحول الى اقتصاد منخفض الكربون لافتا الى امكانية ان تحدث بعض العوامل مثل تطوير تكنولوجيا رفيقة بالبيئة وتغير الرأي والتوجه العام واصدار القوانين الجديدة لضبط انبعاثات الكربون أن تحدث نقلة في النشاط الاقتصادي نحو المشاريع الأقل إضرارا بالبيئة. وتبعا لذلك يمكن لقيمة الأصول كثيفة الكربون أن تنخفض وتواجه قطاعات النفط والغاز والفحم والخدمات العامة بشكل خاص هذا الخطر على المدى الطويل اذ يمكن لمثل هذا التحول أن يخفض من قيمة أصولها ويهدد الوظائف فيها.
واكد محافظ بنك الكويتي المركزي أنه “يجب على الجهات الرقابية للقطاع تحديد السبيل الأمثل لوضع المخاطر المرتبطة بالمناخ في الاعتبار عند رسم سياساته التحوطية”.
واضاف “سيتطلب هذا الامر توسعة مصفوفة المخاطر لتشمل المخاطر المرتبطة بالمناخ بشكل صريح وتحسين أدوات التحليل المستخدمة لتقييم مدى الخطر الذي تشكله الكوارث المناخية على القطاع المالي”.
واوضح ان الحل يكمن في تزويد النظام الرقابي بأدوات جديدة تأخذ في الحسبان المخاطر المرتبطة بالمناخ من منظور شمولي بدلا من اضافة بند جديد الى منظومة المخاطر”.
واشار الى انه برغم الاختلالات التي كشفت عنها الأزمة المالية قد تمت معالجتها الى حد بعيد الا أن القدرة على الاستجابة لبعض المخاطر الناشئة مازالت محدودة مبينا “ان السبيل لمواجهة هذه المخاطر يكمن في تبادل المعلومات وتعزيز أطر التعاون والاستجابة لهذه المخاطر بنفس وتيرتها وسرعتها”.
ويشارك في الاجتماع عدد من كبار المسؤولين من محافظين ونواب محافظين ومديري ادارات الرقابة المصرفية والاستقرار المالي من 15 دولة عربية من مصارف مركزية ومؤسسات مصرفية وهيئات أسواق المال والبنوك التجارية وشركات التصنيف الائتماني وخدمات التقنيات المالية وعدد من المؤسسات الدولية والأوروبية.
ومن المقرر ان يناقش الاجتماع عددا من البرامج من بينها برنامج عمل لجنة بازل للرقابة المصرفية والأولويات الاشرافية والرقابية الجديدة الناشئة عن عدة أمور مثل التقنيات المالية الحديثة والاجراءات الحالية وآخر التطورات في مجال مواجهة التهديدات الالكترونية الى جانب التعرف على الأولويات الرقابية في المنطقة العربية.
كما يتناول الاجتماع عملية المراجعة الاشرافية على الركيزة الثانية في اطار عمل لجنة بازل للمرحلة ما بعد الأزمة المالية العالمية اضافة الى التعرف على التطورات في التقنيات المالية الحديثة على مستوى العالم وتجارب السلطات الاشرافية والرقابية في تطبيق اللوائح والاشراف على مقدمي خدمات التقنيات المالية الحديثة.