مسرحية «ياهل عود».. الوجع الإنساني بشكل ساخر
متعة الأعمال المسرحية أنها تلامس بأحداثها وبشكل ساخر العديد من القضايا الاجتماعية بحكم أن الفن هو الأقوى تأثيرا، ويبدو أن «قروب المانع» للنجم مبارك المانع استهوتهم تلك النوعية من الأعمال فهم من القلائل الذين يتمسكون بأن تلامس مسرحياتهم قضايا اجتماعية لا تخلو من الإسقاطات السياسية، بحكم أنها أقوى تأثيرا، وبإمكانها توصيل المعلومة بسلاسة إلى المتلقي والحكومة على حد سواء.
وللأمانة لقد نجحوا في ذلك بصورة كبيرة، فهم لا يقدمون الضحك من أجل الضحك لكنهم يقدمون الضحك الهادف من منطلق مقولة «شر البلية ما يضحك»، وهذا ما شاهدته في أعمالهم الأخيرة، وتحديدا في مسرحيتي «الشحاتين» و«مولانا»، والآن تعرض لهم وبنجاح كبير على مسرح «جمعية شرق» المسرحية الكوميدية «ياهل عود» من إنتاج الاخوين مشاري وشملان المجيبل، إشراف عام: مبارك المانع، تأليف وإخراج: محمد الحملي، وبطولة النجوم: مبارك المانع وأسامة المزيعل ومشاري المجيبل وشملان المجيبل وبشار الجزاف وغدير حسن وأسرار الدوسري ومشعل المجيبل وصالح الفيلكاوي وراشد محمد.
المسرحية سبق أن شارك بها محمد الحملي قبل 14 عاما في مهرجان المسرح للشباب في الدوحة، وكانت بعنوان «الحضانة»، وحصدت وقتها 7 جوائز ليتم نقلها من المسرح النوعي إلى الجماهيري تحت عنوان «ياهل عود»، حيث يقدمها الحملي «عراب جيل المسرحيين الشباب» برؤية فنية وإخراجية جديدة.
تدور قصة العرض في قالب اجتماعي إنساني، حول حضانة لا توجد فيها أطفال صغار فكلهم كبار في العمر، ونشاهد مهندسا شابا (مبارك المانع) يعاني من ظلم بعض أصحاب النفوذ الذين أبعدوه عن المنصب الذي يستحقه واختاروا له خاتمة تعيسه بأن وضعوه في حضانة تضم الكثيرين مثله من الشباب الذين استسلموا للأمر الواقع ورضوا بأن يعيشوا كالأطفال، ويحاول هذا المهندس أن يقنع زملائه في الحضانة بأن يتمردوا على معيشتهم داخل الحضانة، وعلى المدرس (بشار الجزاف) المتحكم فيهم بالقوة لكنه يفشل في ذلك، فيحاول الهرب مرارا وتكرارا من الحضانة ولا ينجح، ليجد نفسه متهما في قضية أخلاقية مع احدى الفتيات وهو بريء منها، وأمام الضغط يرضخ للأمر الواقع ويستسلم ويقنع نفسه بأنه طفل مثل باقي أطفال الحضانة، وان العناد لن يجني من ورائه سوى المهانة، وهنا نجد أنفسنا أمام قضية يلتقي فيها الأدب بالتحليل النفسي، فالعمل عميق في قصته وطرحه، ويرمز إلى أن من يحب الخير ويقول الصدق «ينداس» بالأقدام، أما المنافق فيوضع على الرأس.
قدم محمد الحملي عملا جميلا متكاملا يحمل العديد من الاسقاطات السياسية، بعضها على أوضاع مؤلمة، والآخر ينقل نبض الشارع ومعاناته، كما أن العمل متميز من ناحية الديكور والأزياء والاضاءة، وفيه متعة بصرية بمعنى الكلمة، وسبق لي أن حضرت البروفات الأولى للمسرحية وشاهدت المجهود الكبير الذي بذله الحملي مع الفنانين، وكعادة أعماله احتوت المسرحية على الكثير من المشاهد الغنائية والعزف الموسيقي والذي تفوق فيه مشاري المجيبل، كما قدم الحملي تقليدا لبعض المشاهد بشكل ساخر من أعمال فنية شهيرة مثل مسرحية «البيت المسكون» لعبدالعزيز المسلم ومشهد تقليد موسيقى أفلام رعاة البقر الشهيرة وغيره من المشاهد المضحكة التي تفاعل معها الجمهور.
أما عن أداء الممثلين، فقد كان أداؤهم رائعا وتحركهم مدروسا على خشبة المسرح، فقد تفوق مبارك المانع على نفسه وجسد شخصية المهندس المضطهد الذي يعاني من الظلم، ونقل لنا بتمكن شديد معاناته مع أشكال القمع الاجتماعي التي يتعرض لها.
أما أسامة المزيعل في التعاون الثالث له مع «قروب المانع» فهو «غول» على خشبة المسرح، ويمتلك حضورا طاغيا يؤكد كل مرة انه ممثل من العيار الثقيل، وبالنسبة لمشاري المجيبل والذي أشعر انه وجد نفسه مع «قروب المانع» فهو طاقة فنية كبيرة «ما شاء الله»، وسبق أن فاز بجائزة «أفضل ممثل» عن نفس العمل في نسخته القديمة «الحضانة»، فمشاري أمتعنا بحضوره وعزفه وغنائه، وكان من عوامل نجاح العرض، ونفس الشيء ينطبق على شقيقه النجم الموهوب شملان المجيبل والذي لعب شخصية «ياهل من يهال الحضانة» يمر بمعاناة كباقي زملائه، وقدم المشاهد الجادة بصورة مميزة وتفاعل معه الحضور.
وجسد بشار الجزاف شخصية المدرس المتحكم في «يهال الحضانة» بشكل جميل ومقنع، ومارس أسلوب القهر النفسي على الجميع بشكل رائع، كما جسدت غدير حسن وأسرار الدوسري دوريهما ببراعة، ونالتا استحسان الجمهور، وشكلا «دويتو» متناغما في أكثر من مشهد، كذلك أجاد صالح الفيلكاوي ومشعل المجيبل في تجسيد شخصيتهما على المسرح ببساطة وعفوية شديدة.
في النهاية، مسرحية «ياهل عود» تستحق المشاهدة، فهي تقدم الوجع الإنساني بشكل ساخر.