مشروع مصفاة الدقم.. أحد ثمرات العلاقات الوثيقة والتاريخية بين الكويت وعمان
كونا – على أرضية صلبة وبخطى ثابتة تسجل العلاقات الأصيلة والمتجذرة بين دولة الكويت وسلطنة عمان فصلاً تاريخياً جديداً يتمثل في مشروع مصفاة الدقم الذي يعتبر من أضخم المشاريع النفطية على مستوى المنطقة والعالم. ويأتي هذا المشروع المشترك ليعكس ما تمتاز به العلاقات الكويتية العمانية من خصوصية ساهمت في نسجها سمات مشتركة مبنية على وحدة الهدف والمصير المشترك وتطابق الرؤى على كل المستويات.
وقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة نموا مطردا في العلاقات الثنائية بين الكويت والسلطنة وتعاونا مشتركا في القضايا الإقليمية والعالمية إضافة لما يربطهما من اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والسياحية والفنية وغيرها علاوة على ما توج ذلك من الزيارات المتبادلة لقيادات البلدين.
ويأتي على رأس المشاريع العملاقة المشتركة التي تجسد التطابق في الرؤى والأهداف بين دولة الكويت وسلطنة عمان مشروع نفطي كبير من شأنه أن يغير وجه المنطقة الاقتصادي ويفتح باب الاستثمارات الكبرى وهو مشروع مصفاة الدقم الذي يعد إحدى ثمرات العلاقات الوثيقة بين البلدين ويتماشى مع التوجهات الاستراتيجية لمؤسسة البترول الكويتية في مجال التكرير خارج البلاد. وفيما يخص تعزيز التعاون الثنائي شكل البلدان في عام 2003 اللجنة الكويتية – العمانية المشتركة التي تلتقي بصفة دورية وتتولى عددا من المهام أبرزها زيادة حجم التبادل الاقتصادي والتجاري والسياحي والإسهام بتحقيق تطلعات الجميع من تقدم وازدهار للبلدين والشعبين الشقيقين.
وعقدت اللجنة تسعة اجتماعات كان آخرها في مارس الماضي بالعاصمة العمانية مسقط وأثمرت أعمال الدورة التاسعة للجنة المشتركة عن التوصل لاتفاق حول خمس مذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية بمجالات عدة وهي مذكرة تفاهم في مجال الدراسات الدبلوماسية والتدريب ومذكرة تفاهم في مجال التعليم العالي ومذكرة تفاهم في مجال حماية المنافسة ومنع الاحتكار والبرنامج التنفيذي للتعاون في مجال حماية البيئة للفترة من 2021 إلى 2024 والبرنامج التنفيذي للتعاون في مجال تنمية الصادرات الصناعية للفترة من 2023 إلى 2025. وبلغ عدد الاتفاقيات الموقعة بين البلدين لما قبل الاجتماع الأخير 27 اتفاقية منذ عام 1974 إلى 2017 شملت مختلف المجالات كما وصل عدد مشاريع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية إلى 23 مشروعا في السلطنة فيما بلغ حجم الاستثمار في صندوق عمان للدخل الثابت ما يقارب ثمانية ملايين دينار كويتي نحو 26.4 مليون دولار أمريكي في حين بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين وفقا لآخر الإحصائيات الرسمية أكثر من 105 ملايين دينار نحو 346.5 مليون دولار.
وتجسيدا لتلك العلاقات التاريخية الوثيقة تأتي زيارة حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه إلى سلطنة عمان يوم غد الثلاثاء وذلك في زيارة دولة حيث يلتقي خلالها بأخيه السلطان هيثم بن طارق سلطان عمان ويتوجان هذا اللقاء برعايتهما الكريمة وحضورهما افتتاح مشروع مصفاة الدقم والصناعات البتروكيماوية ثمرة الشراكة والتعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين البلدين الشقيقين وذلك في حفل رسمي يوم بعد غد الأربعاء وذلك بولاية الدقم.
ومن شأن هذا المشروع الذي كان الطرفان قد وضعا حجر أساسه في أبريل عام 2018 أن يعمل على تحويل منطقة الدقم إلى أحد أهم مراكز الطاقة في المنطقة كما سيشجعها على القيام بصناعات متعلقة بهذا المجال على المستويين المحلي والعالمي. وتقدر مساحة المشروع الذي بلغت تكلفته نحو 8.5 مليار دولار بـ900 هكتار وهو مشروع مشترك بين مجموعة الطاقة العالمية المتكاملة أو كيو وشركة البترول الكويتية العالمية كيو 8 ويتميز بموقعه الاستراتيجي المطل على خطوط النقل البحري الرئيسية في بحر العرب وسيكون له مردود إيجابي على المنطقة.
ومع بدء عمليات تشغيل المصفاة ستبلغ الطاقة التكريرية 230 ألف برميل يوميا من النفط الكويتي الخام وستعمل على تغطية الاحتياجات اليومية الإقليمية والعالمية من منتجات الطاقة المختلفة وهي الديزل ووقود الطائرات بالإضافة إلى النافثا وغاز البترول المسال وتحقيق الاستغلال الأمثل للموقع الجغرافي للمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم. والتزمت مؤسسة البترول الكويتية بتوريد نحو 65 في المئة من احتياجات المصفاة من النفط الخام الكويتي وذلك بما يتماشى مع رؤية المؤسسة واستراتيجيتها لتوفير منافذ تسويق آمنة للنفط الكويتي. ويتكون المشروع من ثلاث حزم رئيسة للهندسة هي التوريد والإنشاء والتشغيل وتشمل الحزمة الأولى وحدات التصنيع والمعالجة فيما تشمل الحزمة الثانية المرافق والخدمات وتضم الحزمة الثالثة المرافق الخارجية ومنها بناء ميناء لتصدير المنتجات وإنشاء صهاريج لتخزين النفط الخام تقع في منطقة رأس مركز إلى جانب خط أنابيب بطول 90 كيلومترا تقريبا يربط هذه الصهاريج بالمصفاة. ويعتمد تصميم المصفاة على وحدة التكسير الهيدروجيني ووحدة الفحم البترولي وهي قادرة على تكرير النفط الكويتي بنسبة 100 في المئة وتهدف الرؤية المستقبلية للمشروع بأن تكون مصفاة الدقم ذات مستوى عالمي باستخدام تكنولوجيا مجربة وتقديم منتجات ذات جودة عالية بما يتوافق مع المعايير العالمية للسلامة مع السعي لتحقيق أعلى معايير التشغيل. وقد ساهم مشروع مصفاة الدقم الذي يحمل العلامة التجارية «أو كيو 8» في خلق المزيد من الفرص الوظيفية للشباب الكويتي والعماني كما أصبح وجهة جاذبة لتطوير جيل واعد من القياديين بالقطاع النفطي في البلدين. ومنذ تأسيس هذه الشراكة بين البلدين شهدت منطقة الدقم الاقتصادية ازدهارا كبيرا لتصبح من أهم المدن الصناعية في منطقة الخليج العربي والعالم.