مع اقتراب ذكرى محاولة الانقلاب العسكري في 15 يوليو 2016.. ما أبرز الانقلابات التي شهدتها تركيا؟
تحل هذه الأيام ذكرى محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا يوم 15 يوليو/تموز عام 2016، التي فشلت بالإطاحة بالسلطة التركية المنتخبة وأصبحت علامة فارقة في تاريخ الجمهورية، بسبب قدرة الشعب على مواجهة الانقلابيين ودحرهم على عكس الانقلابات الأخرى التي عاشتها تركيا التي أطاحت بحلم التعددية والديمقراطية والحرية في البلاد. حيث عاشت تركيا عدداً من الانقلابات الدموية ضد الشعب والديمقراطية، كان أولها عام 1960.
1960: الانقلاب على مندريس
قبل 61 عاماً وفي السابع والعشرين من مايو/أيار 1960 عاشت تركيا أسوأ يوم في تاريخ ديمقراطيتها، إذ انقلب الجيش على رئيس الوزراء آنذاك عدنان مندريس.
كان مندريس عضواً في حزب “الشعب الجمهوري”، وفي 21 سبتمبر/أيلول 1945 قرر ديوان الحزب إبعاد مندريس عن الحزب لدفاعه عن الديمقراطية في البلاد، ليؤسس مع آخرين “الحزب الديمقراطي” في 7 يناير/كانون الثاني 1946، ويحصل على نتائج عالية في انتخابات 1950 و1954 و1957.
خلال تولي حزبه الحكم أنهى مندريس سياسات عديدة، إذ ألغى مثلاً حظر رفع الأذان باللغة العربية بعد 18 عاماً من حظر بدأ في 1932، وأعاد مادة التربية الدينية إلى المناهج التعليمية، بعد منعها بدعوى علمانية المؤسسات التعليمية.
انتهج مندريس سياسة اقتصادية ليبرالية، وشهدت تركيا في عهده تنمية اقتصادية، وانتقلت إلى اقتصاد السوق الحر، ورفعت حكومته جميع القيود أمام الواردات، وخفضت نسبة الفائدة لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار.
في صباح 27 مايو/أيار 1960 أعلنت لجنة الاتحاد الوطنية، التي تشكلت من 38 جنرالاً وضابطاً من القوات المسلحة التركية، وضع يدها على السلطة في البلاد.
ألقي القبض على مندريس واقتيد إلى أنقرة، وبعدها سُجن مع باقي عناصر حزبه في جزيرة “ياسّي أدا” في بحر مرمرة، لتبدأ محاكمته، ويحكم بإعدامه في 15 سبتمبر/أيلول 1961.
1971: انقلاب المذكّرة
في 10 أكتوبر/تشرين الأول 1965 انتخب سليمان ديميريل نائباً في الانتخابات البرلمانية عن “حزب العدالة” الذي كان أمينه العام، ليصبح رئيس الوزراء التركي الثاني عشر، بترؤسه الحكومة المشكلة في العام ذاته، ثم حكومتين أخريين عامي 1969 و1970.
وجاءت حكومات ديميريل وسط جو من الاضطرابات في البلاد، بالإضافة إلى تلك التي سيعيشها حزبه خصوصاً بعد انسحاب قرابة 40 نائباً من “حزب العدالة” من كتلته البرلمانية، ليسقطوا حكومة ديميريل الثانية عام 1969، ويضطر إلى تشكيل حكومة جديدة لم تصمد طويلاً.
فبعد 11 عاماً من الانقلاب على مندريس شهدت تركيا انقلاباً عسكرياً في 12 مارس/آذار 1971، عُرف بـ”انقلاب المذكّرة”، في إشارة إلى المذكّرة العسكرية التي أرسلها الجيش إلى رئيس الوزراء آنذاك سليمان ديميريل طالبه فيها بالتنحي، وهو ما حصل فعلاً باستقالة ديميريل، لتتحوّل تركيا إلى ما عُرف بـ”نظام الثاني عشر من آذار”.
1980: انقلاب كنعان إيفرين
بعد حالة عدم استقرار سياسي لحق انقلاب 1971 عاد ديميريل ليشكل ويرأس 3 حكومات أعوام 1975 و1977 و1979، وكانت الأخيرة حكومة أقلية مدعومة من حزبَي “السلامة القومية” و”الحركة القومية” قبل أن يضطر ثانية إلى الانسحاب من العمل السياسي بعد انقلاب 1980.
ففي 12 سبتمبر/أيلول 1980 شهدت تركيا انقلاباً جديداً بزعامة الجنرال كنعان إيفرين مع مجموعة من الضباط في الجيش التركي، وفي نفس اليوم اتّخذ مجلس الأمن القومي الذي كان يرأسه إيفرين قرارات عديدة منها حلّ البرلمان ووقف العمل بالدستور.
أعقب انقلاب إيفرين حالة قمع سياسي غير مسبوقة، وعُدّ أكثر الانقلابات قمعاً ودموية في تاريخ البلاد، بعد قرابة سنة من الاضطرابات قتل فيها عدد واعتقل آلاف، قبل أن يقدّم دستور جديد للاستفتاء في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1982 ويصبح إيفرين رئيساً للجمهورية حتى عام 1989.
1997: انقلاب ما بعد الحداثة
شهدت تركيا انتخابات برلمانية في ديسمبر/كانون الأول 1995، نتج عنها فوز “حزب الرفاه” بزعامة نجم الدين أربكان، بأصوات 21% من الناخبين الأتراك، ليحصد بذلك 158 مقعداً من أصل 550 في البرلمان التركي.
وفي يونيو/حزيران 1996 تشكلّت حكومة ائتلافية بزعامة أربكان من “حزب الرفاه”، وطانصو تشيلار من حزب “الطريق القويم”، التي تولت منصب نائبة رئيس الوزراء وزيرة الخارجية.
وفي 28 فبراير/شباط عام 1997 أصدر مجلس الأمن القومي سلسلة قرارات بضغوط من كبار قادة الجيش بدعوى “حماية علمانية الدولة من الرجعية الدينية”، ممّا تسبب في الإطاحة بالحكومة الائتلافية لاحقاً.
بحلول 21 مايو/أيار 1997 أصدر النائب العام لدى المحكمة العليا التركية قراراً بحل “حزب الرفاه” بشكل دائم، لـ”تحوله إلى مركز للفاعليات والأنشطة المعادية للدستور ومبادئ العلمانية” على حد وصفه، خصوصاً بعد تنظيم فاعليات حول القدس وزيارات أربكان إلى دول إسلامية.
وفي يونيو/حزيران من العام نفسه اتفق أربكان وتشيلار على تسلم الأخيرة رئاسة الحكومة، وإشراك أحزاب أخرى في الحكومة لحين إجراء انتخابات مبكرة، وفي اليوم نفسه قدّم أربكان استقالة الحكومة إلى رئيس البلاد سليمان ديميريل.
واعتُبر التدخل العسكري الذي أدى إلى استقالة أربكان بمنزلة انقلاب عسكري أبيض غير مُعلن، سُمّي لاحقاً بـ”انقلاب ما بعد الحداثة”.
2016: محاولةُ انقلابٍ فاشلة
شهدت تركيا في 15 يوليو/تموز 2016 محاولة انقلاب فاشلة نفذتها عناصر محدودة من الجيش تتبع تنظيم كولن الإرهابي، حاول خلالها السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها الأمنية والإعلامية.
وقوبلت المحاولة الانقلابية باحتجاجات شعبية عارمة في معظم المدن والولايات التركية، إذ توجه المواطنون بحشود غفيرة تجاه البرلمان ورئاسة الأركان بالعاصمة، والمطار الدولي في مدينة إسطنبول، ومديريات الأمن في عدد من المدن.
وأجبر الموقف الشعبي آليات عسكرية كانت تنتشر حول تلك المقرات على الانسحاب، ما ساهم بشكل كبير في إفشال المخطط الانقلابي الذي أوقع نحو 251 شهيداً و2200 جريح، خلال 15 ساعة فقط.
تعليق واحد