آراءهاشتاقات بلس

#مقالات | إبراهيم العمار: “دفاعاً عن الخلوة”

 

الخلوة إما نقمة مشؤومة أو نعمةٌ مقدسة.

لا يبدو أن هناك وسطاً للكثير من الناس، فإما يعشقها أو يرهبها، إما يجد قمة إبداعه ومتعته لوحده، أو مع الآخرين ولا يطيق الوحدة ولو لساعة. لكن هؤلاء يجب أن يروا جانبها الحسن، فالخلوة من طقوس الأنبياء، ورسولنا لم يأته الوحي لأول مرة إلا وهو في خلوته في حراء.

البعد عن الناس من أفضل ما ينشّط إبداعك، فالوجود المستمر حولهم يشوش على تواصلك الداخلي مع ذاتك، تركيز عقلك يكون على ما يقوله من حولك وما يفكرون به وخططهم ومقاصدهم وتصرفاتهم وعلاقتك معهم، لكن إذا اختفوا اختفت التشتيتات هذه، وصرت ترعي سمعك لنفسك، ولعل عقلك كان يريد أن يوحي لك بأفكار ومشاعر كثيرة ذهبت في صخب الناس، والآن صوت تلك الأفكار واضح.

العزلة المطولة المبالغ فيها تضر أكثر ما تنفع، لكن القليل منها لا بد منه إذا أردت أن تريح عقلك ولو قليلاً وترفع عنه الخناق الاجتماعي الذي يكبت قدراته، لكن كيف تفعل ذلك في هذا العصر المشؤوم؟ لقد صار الناس في جيبك الآن! جوالك البائس يأتي لك بالأخبار الكئيبة والمحادثات الغزيرة والتنبيهات والمحاورات والرسائل و و و، كل عدة دقائق تنبيه أو فيديو أو صورة حتى لو صرت وحدك فربما أنت أكثر تشتتاً ذهنياً مما لو كان حولك أشخاص، لذلك إذا أردت أن تحصد ثمار الخلوة فادخلها من دون جوالك أو على الأقل طوّر قدرة أن تصمته لساعةٍ ولا تمسك به وأن تقاوم إغراءه، حينها لا بأس أن تأخذه معك.

جميل أحياناً أن تكون مع الناس، تتسامرون، تتضاحكون، تتحاورون، لكن إذا زاد هذا، صارت الاجتماعية قيداً يلزم التحرر منه ولو قليلاً، وهذا القيد خنق البعض حتى صار لا يجد أُنسه ومتعته إلا بعيداً عنهم، كما قال الأحيمر السعدي لما فارق الحضارة وقضى الأيام الطوال وحده في البراري:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى.. وصوَّت إنسانٌ فكدت أطير

 

إبراهيم العمار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى