أقامت الجمعية الكويتية للدفاع عن المال العام حلقتها النقاشية (الصندوق السيادي الماليزي .. وأثره على اقتصاد الكويت) في الموعد المقرر والموافق لليوم العالمي للمبلّغين عن الفساد.
لم تبارك وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل هذا النشاط كونها الجهة المشرفة على أعمال جمعيات النفع العام، وطلبت من المنظّمين إلغاءها! لكن الفضل بعد تيسير الله للضغط الشعبي الذي مارسه الشباب الوطني الواعي عبر الوسائط الاجتماعية، والذي أتت نتيجته بإعلان الوزارة موافقتها على النشاط، وإنذار الجمعية على إقامته!
علّلت الوزارة طلبها إلغاء الحلقة النقاشية في كتابها الرسمي بعلة “عدم أخذ الجمعية موافقة الوزارة المسبقة”، محتجة بقرار مجلس الوزراء رقم 836\2004 الذي لم يجوّز “مباشرة الجمعية أي نشاط ….. قبل الحصول على موافقة الجهات الرسمية”، وهي بهذا الموقف تقوم بتأويل النص على اعتبار أن (الجهات الرسمية) هي: نفسها وزارة الشؤون، والجهات التي تراها هي رسمية!
فقد ذكرت في ردّها على إخطار الجمعية لها بإقامة النشاط أن “الحلقة النقاشية سيتم فيها استضافة شخصيات وجهات من خارج الكويت دون أخذ موافقة (الجهات المختصة) بذلك ممثلة في وزارتي الداخلية والخارجية”، وكأن الجمعية ستستضيفهم في الكويت لا في عالم افتراضي يكون فيه كل شخص وجِهة معززاً مكرّماً في مكانه!
استأذنكم في بحث المسألة عبر المثال التالي: من هي الجهات الرسمية فيما إذا عزمت الجمعية على إقامة ندوة في مسرح جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا بشأن دور هيئة مكافحة الفساد والذي سيحاضر فيها قيادي في الهيئة وعضو مجلس أمة سابق؟ سيكون الجواب؛ الجهات الرسمية هي: الجامعة التي ستستضيف الحدث فموافقتها مطلوبة، والهيئة التي سترشح محاضراً من قياداتها فموافقتها مطلوبة، والنائب السابق طبعاً فموافقته مطلوبة.
فهل مطلوب في هذه الحالة أخذ موافقة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل؟
الجواب: لا حتميّة! فدور الوزارة في الإشراف على جمعيات النفع العام لا يبيح لها التدخل في تنظيم أعمال تلك الجمعيات، وإلا لماذا التشدّق بالشكليات الانتخابية إذا كانت كل مجموعة تقود مجلس إدارة جمعية نفع عام لا تستطيع تحقيق رؤاها بما يتوافق وأهداف الجمعية المنصوص عليها في نظامها الأساسي؟! وإذا كان تأويل مستشاري الوزارة لنص القرار المذكور دقيقاً، فإن امتلاك الوزارة صلاحية إنذار أو حل مجالس إدارات الجمعيات هو أمرٌ اعتباطي إذا كان كل نشاط ستقوم به محرّماً ما لم يُمضِ عليه مفتي الوزارة!
اخترت المثال السابق عامداً متعمّداً، لأن ذلك الذي حصل فعلاً عند إقامتنا لندوتنا الأولى بعنوان (مسؤوليتنا .. المال العام) بتاريخ 17\9\2014، وكعضو مجلس إدارة في الجمعية الكويتية للدفاع عن المال العام منذ 7\5\2014 إلى الآن، لا أذكر اهتمام الوزارة باستدعاءنا وتزويدنا بالقرارات المنظّمة للعلاقة بينها وبين جمعيات النفع العام، ما عدا المخاطبات المعنية بتشكيل مجلس الإدارة والدعوة للجمعية العمومية.
ولقد تنوّعت أنشطتنا: إجتماعية ورياضية وتوعوية وتدريبية وملتقيات رسمية وشعبية ومؤتمرات وحلقات نقاشية وحملات إعلامية وبلاغات ضد الفساد، أعلنا عنها بذات الطريقة التي أعلنا فيها عن حلقتنا النقاشية الأخيرة، ولم تنبّهنا الوزارة على مخالفتنا لأبوّتها المزعومة!
ولنسلّم – جدلاً – على صحة موقف الوزارة، هل حددت هي الآلية المعقولة للموافقة على الأنشطة؟ كأن:
(1) يحتوي طلب تنظيم النشاط على نوعه وموعده المحتمل وعنوانه إذا كان ندوة وما شابه والهدف منه؟ أم (2) يحتوي على المعلومات الدقيقة كمكان الانعقاد وأسماء المحاضرين والمشاركين وتاريخه ووقته المعتمدان؟ هل هناك دفاتر طلبات رسمية طبعتها الوزارة ووزعتها على جمعيات النفع العام؟
بالنسبة لي، سأقبل على مضض الاختيار الأول، أما الثاني فهو مرفوض، فمن غير المعقول أن أبذل جهدي التنسيقي كاملاً ومن ثم تعرّضني الوزارة لموقف محرج مع كل الأطراف التي نسّقت معها! بالإضافة إلى ذلك، هل حددت الوزارة مدة معقولة للرد على الطلب؟ لأني أذكر أننا تقدمنا بطلب موافقة الوزارة على انضمامنا لمنظمات إقليمية عربية انضمت لها هيئات حكومية كويتية، وكان ذلك قبل 5 سنوات، التزاماً منا بالقرارات المنظمة، وحتى هذه اللحظة لم يأتنا الرد! هذا جهد ذاتي يجب على الوزارة أن تقوم به إذا كانت جادة تمام الجد في موقفها من الحلقة النقاشية.
وإذا كان موقفهم نابعٌ من صدق في تنفيذ قرار مجلس الوزراء كما يفهمونه – لا من ضغوطات أتتهم منه أو من خارجه – عليهم اتخاذ ذات الموقف من كل جمعية نفع عام تنظّم (أي) نشاط ولم تأخذ الموافقة المسبقة للوزارة. لكننا نعلم أن هذا لن يحدث!
الحقيقة المؤسفة أن رد الوزارة لم يبيّن السبب الحقيقي لطلبهم إلغاء الندوة، وسبق كتاب الرد أن طلبت الوزارة عقد اجتماع مع ممثلي الجمعية للاستفهام منهم عن الهدف من تنظيم النشاط، وبيّنوا أن الفيديو الدعائي الذي سوّقته الجمعية هو السبب في هكذا دعوة ظنًّا منهم على احتوائه على صورة شخصيات كويتية جرى تداول اسمها في تقارير ساراواك باعتبارهم وسطاء المتهم الرئيسي جو-لو في غسل أموال الصندوق السيادي الماليزي، مغلّفين خشيتهم على سمعة هؤلاء بخشيتهم المزيّفة على سمعة الكويت!
فهم لو كانوا فعلاً يخشون على سمعة الكويت لما فكرّوا مجرّد التفكير بإلغاء الندوة، لأن إقامتها مؤشر إيجابي للأطراف المشاركة على اهتمام الكويت بمكافحة الفساد وغسل الأموال المنهوبة وإعادتها لمستحقيها.
والأنكى من ذلك أن يهدّد مستشارٌ مقيم شبابَ الكويت المتطوّع بأن تطوّعهم يهدد مجرى العدالة زاعماً جهلاً أن القضية منظورة أمام القضاء، وحين صوّبنا له خطأه، أخذته العزة بالإثم للتكلم بلسان النيابة العامة! ولو شاء النائب العام أن يمنع التداول في القضية لفعل دون أن يستأذن من سليط اللسان ذاك.
لم تكتفِ الوزارة في ردّها علينا بالتحدث بلسان مؤسسات حكومية أخرى مثل وزارة الداخلية ووزارة الخارجية والنيابة العامة، وهي مؤسسات لا دور لها في تنظيم حلقة نقاشية عبر تطبيق “زووم” لبحث فساد الصندوق الماليزي مع المبلّغ والصحفي ناشر التقارير والبرلماني الماليزي المعتني بالقضية، بل علاوة على ذلك تصيغ الرد كأنه كتاب إخلاء طرف من جهتها عن أي خطأ أو تجاوز من المحتمل أن يكون! وهذا سوء ظن عفن لا يستقيم حمله في صدور قيادات حكومية من مهامها تذليل العراقيل أمام العمل النفعي العام لا إذلاله واتهام الناشطين فيه بسوء النية! وإذا كانت تلك القيادات عاجزة عن أداء المهام المنوطة بهم على أكمل وجه فعليهم التنحي حالاً، لأننا لسنا ممن يسمع الإهانة ثم يدسّ رأسه بالتراب.
لم تكن الجمعية الكويتية للدفاع عن المال العام المنظّم الوحيد للحلقة النقاشية، بل بالتعاون مع جمعية المحامين الكويتية، لكن المريب أن الوزارة تأبى التواصل إلا مع الأولى! وحتى كتابهم الموجّه لنا، والذي يثبّتون فيه وجود ممثل عن جمعية المحامين الكويتية، لم يكن له نسخة أخرى توجّه لهم!
يا قارئي الفطن، إذا لم يكن أعلاه استقصاداً عمدياً لمنع الجمعية من تحقيق أهدافها في نشر التوعية العامة بأهمية الحرص على المال العام وإعداد الدراسات والاقتراحات التي تمنع استمرار التعدي والتجاوز عليه، فلا أدق من وصفه بالمثل الذي يُضرب في الرجل الذي يجمع في تصرّف واحد بين خصلتين ذميمتين.