ملتقى «تكوين» ناقش «الهوية النسوية والواقع الاجتماعي» من زوايا مختلفة
«هوية المرأة دائما ما تكون مصاغة ضمن إطار السياق الثقافي والاجتماعي المحيط بها، وهي هوية دائمة التغير وتظهر تجلياتها في العلاقات والسلوك والمواقف اليومية، نعيش اليوم أزمة ثقافية ما بين الاحتفاء بالمرأة صوريا وبشعارات ومناسبات عابرة، وبين شيطنة محاولاتها للتحرر من خلال تشويه الحراك النسوي واستلاب هويته»، كان هذا أبرز ما توصلت إليه وناقشته ندوة «الهوية النسوية والواقع الاجتماعي» التي عقدت أول من أمس ضمن ملتقى «تكوين» الثالث المنعقد تحت شعار «تساؤلات الهوية.. من نحن؟ وما الذي يمكننا ان نكونه؟» والذي تنظمه مكتبة تكوين بالتعاون مع المجلس البريطاني ومنصة الفن المعاصر وبرعاية إعلامية من «الأنباء»، حيث عقدت الندوة بحضور مؤسسة مكتبة تكوين الروائية بثينة العيسى ومدير عام منشورات تكوين الشاعر محمد العتابي وعدد من الأدباء والمثقفين والمهتمين بالثقافة.
في البداية، قالت الباحثة والناشطة في حقوق الإنسان وقضايا المرأة والطفل والأقليات خديجة الشمري ان المسألة النسوية تحمل في طياتها الصراع الأنثوي – الذكوري بعد أن كان صراعا صامتا لسنوات، لافتة الى ان هوية المرأة مصاغة بتعقيد وتداخل ضمن سياق ثقافي واجتماعي، فهي دائمة التغير في كل الاتجاهات.
النسوية فكرة
وأضافت الشمري ان النسوية ليست مجرد نظرية أو أيديولوجية أو معتقد، ولكنها فكرة وكما تقول عنها الكاتبة ماري شير «المفهوم الأساسي أن النساء بشر»، ومشروع سياسي مثلما توضح بيل هوكس عندما تقول: «إنها حركة لإنهاء التحيز والاستغلال والقمع»، أما من ناحية أكاديمية وفكرية فتقول ديبورا كاميرون «إنها طريقة تحليل وطرح أسئلة والبحث عن إجابات»، لافتة إلى ان نقاشات حقوق المرأة في الخليج تركز مؤخرا بشكل ضيق على مفهوم النسوية دون الوضع في الاعتبار سياقاته، وهل يمكننا حقا أن نتحدث عن حقوق المرأة في مجتمع محافظ يسعى نحو الأداء الجمعي ويتجاهل الفردية؟ والفردية هنا حق الفرد في اتخاذ خيارات حياته دون إكراه مجتمعي.
وتابعت: لاتزال المرأة الخليجية والعربية تعاني من الهيمنة السياسية والاجتماعية التي غالبا يسود فيها الرأي للرجال المنحازين ضدها في قراراتهم، وبعد سنوات من محاولات النسوية نجد أننا في حالة صدام دائم مع المجتمع المحافظ الذي نجح إلى حد ما في بناء تصور ذهني لدى العامة بتصوير الحركة النسوية وكأنها دعوة لإفساد النساء وتغريبهن مما يدفع الكثير من الأشخاص عند مواجهة الفكر النسوي بالوقوع في المغالطات المنطقية وإيهام الناس بأن النسوية ستؤدي لعواقب أخلاقية واجتماعية وتهز الثوابت الدينية.
ولفتت إلى ان مصطلح النسوية يثير رد فعل سلبي ودفاعي في المجتمع المحافظ، كما أن الجهود التي تسعى للنهوض بحقوق المرأة تأتي بنتائج عكسية، وربما لا تتفق المجتمعات الخليجية على تعريف عام للنسوية، وإذا اتفقوا على المفهوم فهم بحاجة للاتفاق على حاجة المرأة للحصول على حقوقها، متسائلة:هل نحن بحاجة للنقاش عن كوننا نسويات أم لا؟ وهل تخدم النسوية المرأة حقا – حتى في الشرق الأوسط – أم أنها تعمل ضدها؟.
حراك طويل
بدورها، ذكرت الكاتبة الصحافية ومديرة تحرير موقع منشور شيخة البهاويد ان الحراك النسوي في الكويت ممتد منذ عقود طويلة وكانت هناك تحركات لإعطاء المرأة حقوقا أكبر، ومثال على ذلك مطالبة الرجال بتعليم الفتيات الصغيرات في أول مدارس نظامية بالكويت، لافتة إلى ان الحراك حاليا أصبح متعلقا بالفكرة والتنظير للمدارس النسوية وبدراسة نظرية وأكاديمية لتلك التحركات ولتحليل وتفكيك الوضع والواقع الاجتماعي والسياسي والهيمنة الذكورية، موضحة ان الحركة النسائية في السابق كانت عبارة عن مطالبات عملية بإعطاء حقوق معينة والمساواة ولكنها لم تكن تنظر الى تقاطع المطالبات مع فئات أخرى ولا إلى عمق المشكلة وتفكيك الأساس البنيوي الموجود في المجتمع والدولة الذي يؤدي لعدم وجود تلك المساواة.
وأشارت البهاويد إلى ان التطور الذي حدث طبيعي وجيد للانتقال من مرحلة المطالبة بالحقوق الى التحدث عن النظام الذي أسس عدم وجودها، وبعد إقرار الحقوق السياسية للمرأة الكويتية في عام 2005 لم تحدث هناك تحركات جادة لمزيد من المطالبات ولكن بعد تغير الوضع في 2011 وثورات الربيع العربي لم تكن الكويت بمنأى عن الأحداث وأصبحت هناك نفضة لكل الأفكار، موضحة ان تلك الثورات لم تكن سياسية فقط بل اجتماعية أثرت بشكل كبير على طريقة تفكير الشباب العربي وتعبيرهم عن أنفسهم ونظرتهم الى الأمور وبنيوية الدولة وأصبحت هناك إعادة بحث ونظر لتلك الأمور.
وتحدثت عن الحراك النسوي السعودي، موضحة انه أقوى حراك في المنطقة وقوته نابعة من كونه حراكا من دون خيار او قدرة على ان يكون موجود ومع ذلك صنع قوة وغير في تفكير المجتمع ودفع الى تغيير قوانين الدول وأسس لأمور جديدة، مبينة انه كان هناك بعد ثقافي كبير لدى النسويات السعوديات اثر بشكل كبير على نساء الكويت، وأصبحت هناك رغبة من الفتيات والنساء في أن يكون لديهن دور في تحريك واقع المرأة الكويتية، مؤكدة ان هناك قضايا كانت تتم المطالبة بها بخجل مثل تجنيس أبناء الكويتيات ولكن بعد تشجيع الحراك السعودي للنساء في الكويت أصبحت هناك شجاعة أكبر لنعود بعد غيابنا في 2005.
وبينت ان هوية المجتمع تضم قطبين: احدهما يريد الحفاظ على هوية المجتمع ويبقي على عاداته وتقاليده، والثاني يريد ان يهدم الهوية كليا بحجة حقوق المرأة، وأكبر مثال عليه الاستعمار، فهناك النسوية الاستعمارية، مؤكدة اننا أصبحنا أمام خيارين إما الحفاظ على الثقافة كما هي حتى وإن كانت هناك عادات سيئة او ان نحاول هدمها باستعمار خارجي، موضحة ان الفكرة من النسوية هي إعطاء الخيار للمرأة بأن تختار هويتها وليس إجبارها على هوية معينة تتواءم مع فكر نسوي معين.
ثورة اجتماعية
من جانبها، تحدثت غزيل الحربي الحاصلة على الماجستير في الإعلام السياسي عن الهوية الإسلامية وتوافقها مع الحركة النسوية في الكويت والمقارنة بين الواقع الاجتماعي في الكويت والخارج، لافتة الى ان المرأة الكويتية كان لها دور كبير في الحراك بالمجتمع.
وأكدت الحربي ان ظهور «تويتر» كان أشبه بثورة اجتماعية سمح للشخص العادي بأن يوصل صوته لأهم شخص في الدولة، موضحة ان المرأة في الكويت ولأول مرة اصبح صوتها يصل الى الرجل الذي كان من المستحيل ان يسمعها في الماضي، وفي بداية ظهور «تويتر» كان من العيب ان تضع المرأة اسمها او صورتها او تعبر عن رأيها ولكن تغيرت الأمور بعد مرور سنوات وأصبح للمرأة رأي يعرض مع اسمها وصورتها.
وأشارت الحربي إلى العالم الافتراضي الجديد الذي ظهر والمتمثل في «كلوب هاوس»، مؤكدة انها لم تتوقع ان تكون هناك غرفة في «كلوب هاوس» تحمل اسم «نسويات بدويات» مبينة انه كان فرصة للرجال ان يستمعوا للنساء وآرائهن في مختلف الموضوعات، وفي مجتمعاتنا العربية نجد ان الخط بين الدين والعادات والتقاليد مبهم للغاية وهناك إشكالية في الحراك النسوي الكويتي تتمثل في الطبقية والعنصرية بين النساء بعضهن البعض.
تعليق واحد