ناديا كعوش: قراءة في “رواء الغليل”
أصدر الناقد الأدبي د. براك القعيط عبر دار الظاهرية للنشر و التوزيع كتاباً نقدياً بعنوان (رواء الغليل في أدب الهجرة و الرحيل)، مسلطا الضوء في كتابه على موضوعي (الهجرة و الرحيل)في النص العربي متخذا من روايتي موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح و مقام عزيز لعبدالعزيز الجاسم أنموذجا، ويهدف بذلك إلى تقديم صورة متطورة عن النقد العربي الممنهج والبعيد عن المسائل النظرية الأكاديمية التي لا تطبق فعليا على موضوع النقد.
ليس ذلك فحسب؛ بل دعا القعيط إلى تغيير الطريقة النقدية التنظيرية التي يتم بها نقد الأعمال الأدبية و نبذ طريقة النقد الصحفي المرتكزة على النظريات النقدية دون الاهتمام بطريقة تطبيقها على النص مؤكداً أن سلطة الناقد على دعم الحركة الأدبية و استخراج أهم الأعمال الأدبية هي التي ستبرز هذه الأعمال و تنهض بأصحابها و تنتج مشهدا أدبيا جديدا على الساحة الأدبية العربية.
قدم القعيط في هذا الكتاب نقدا تطبيقيا منهجيا لروايتي موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح و مقام عزيز لعبد العزيز الجاسم واضعا بعين الاعتبار أن النقد لا يقاس دائما بمقاييس الصحة وعدمها إنما بلا شك يخضع لمعايير الجودة الأدبية التي تعمل على رفع نسبة أدبية العمل.
رواء الغليل كتاب قد يعد معجما للمصطلحات النقدية و مرجعا نقديا مهما للقراء و النقاد و طلبة الكليات الأدبية و محبي كتابة المراجعات القرائية حيث يتكون الكتاب من ثلاثة أبواب ، كل باب منها يتكون من عدة فصول تتناول دراسة العناصر الأدبية وتقنيات وفنيات العمل الأدبي ومناقشة تفصيلية لموضوعتي الهجرة و الرحيل ، وقد قام القعيط بطريقة لافتة إلى الإشارة للمصطلحات النقدية بخط سميك لينتبه لها القارئ بسهولة وليجعل منها نماذج نقدية تطبّق على أي قراءة نقدية لأي عمل سردي، كما أنه استخدم فيه لغة فصيحة بيضاء سلسة سهلة بعيدة عن التشدق والتعقيدات لكنها ليست بعيدة عن أداء المعنى المفهوم والهدف المنشود فمكّن بذلك كل قارئ على فهم المحتوى مهما كانت مرجعيته العلمية أو الثقافية.
في رواء الغليل شدد القعيط على أهمية النقد الأدبي وأثره في الثقافة العامة والأعمال المنشورة،فالنقد الأدبي بمثابة عين الرقيب التي تحرص على سير أعمال الكُتاب على خط سليم في نقل رسائلهم وأفكارهم واضعا نصب عينيه الموضوعية في تفكيك النصوص الأدبية مستخرجا منها مواطن الجمال أو مواطن الضعف و الخلل بطريقة ميسرة تبعا للمقاييس النقدية الموضوعية مسلطا الضوء على الجودة الأدبية المنشودة للعمل.
في هذا الكتاب اختار القعيط قضية معينة وهي (الهجرة والرحيل) لتكون مرتكزا للموضوعات النقدية والأفكار الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية التي تشير لها الأعمال الأدبية وقد اختار روايتي موسم الهجرة إلى الشمال ومقام عزيز السالف ذكرهما في هذه الدراسة النقدية لما رأى من تشابه في نقاط مشتركة بينهما مثل الهجرة إلى بريطانيا و صراع الهوية والظلم والصراعات الطبقية وغير ذلك.
كتاب يبسط للقارىء الجاد الناقد معظم النظريات النقدية و التقنيات الأدبية مهما كانت ثقافته وخلفيته العلمية حتى وإن لم يكن متخصصا في الأدب فالمؤلف لم يقحم في هذه الدراسة أي نظرية نقدية دون شرح أو تفسير بل على العكس قد قام بتنزيل الأصول النقدية على النصوص الأدبية بطريقة عملية تطبيقية واضعا رأيه بشكل موضوعي على مجريات احداث النصوص تاريخيا أيديولوجيا وعلميا وسياسيا.
“رواء الغليل” فيه من العمق و الرمزية والمصطلحات و الآراء ما يشكل تمرينا عقليا رائعا لمحبي النقد الأدبي وسيجعل القارىء الناقد يعيد النظر تجاه كتابة مراجعاته النقدية فيما قرأ وسيكون ولادة جديدة لمدرسة نقدية موضوعية حقيقية تفكك النص و تحلله بطريقة موضوعية تهم نقاد العصر المتخصصين.
ناديا كعوش
مهتمة في شؤون الأدب والنقد – دولة الكويت