هل تصبح تكساس شديدة الحرارة بالنسبة للبشر؟
الساعة 9.15 مساءً في سان أنطونيو يوم 17 يونيو/حزيران. عادةً ما يكون الأطفال الصغار نائمين في هذا الوقت، ويستمتع آباؤهم بأمسية صيفية معتدلة. ولكن ليس هذا العام، بعدما وصلت درجات الحرارة إلى أعلى بثلاث مرات في أجزاء من تكساس، وجعلت الرطوبة الشديدة الجو أكثر سخونة، حتى بعد غروب الشمس.
وتم إصدار تحذيرات لملايين الأشخاص من ارتفاع درجات الحرارة وتسبب ذلك في وفاة العديد من الأشخاص حتى الآن. وبلغت درجات الحرارة ذروتها عند 48 درجة مئوية، محطمة عدداً لا يحصى من الأرقام القياسية لدرجات الحرارة في جميع أنحاء الولاية. ومن المتوقع كسر المزيد منها خلال الأسبوع المقبل مع اتساع موجة الحر شمالاً وشرقاً.
ونتجت درجات الحرارة المرتفعة بشكل غير عادي، عن سلسلة من الضغط العالي فوق منطقة جنوب الولايات المتحدة تسمى “القبة الحرارية”، والتي تحدث عندما يحبس الغلاف الجوي هواء المحيط الساخن مثل الغطاء.
ويقول جون نيلسن-غامون، عالم المناخ بولاية تكساس ومدير مركز المناخ الإقليمي الجنوبي في جامعة تكساس إيه آند إم، إن هناك عوامل أخرى تساهم على المدى القصير أيضاً في ذلك: “خليج المكسيك دافئ بشكل غير عادي… وهو أيضاً في وقت قريب من الانقلاب الصيفي”.
هناك أيضاً اتجاهات طويلة المدى. زاد تواتر وشدة أحداث الحرارة الشديدة في جميع أنحاء العالم بسبب تغير المناخ ومن المتوقع أن يزداد الأمر سوءاً.
الصورة الأكبر والأكثر سخونة
ارتفعت درجة حرارة تكساس بين نصف درجة فهرنهايت ودرجة واحدة في القرن الماضي. وتحذر وكالة حماية البيئة من أنه “في العقود المقبلة… من المرجح أن يصبح الصيف حاراً وجافاً بشكل متزايد، ما يتسبب في حدوث مشاكل للزراعة وربما صحة الإنسان”.
وتتوقع الوكالة أنه بعد 70 عاماً من الآن، ستشهد الولاية ثلاثة أو أربعة أضعاف عدد الأيام سنوياً والتي تكون فيها الحرارة فوق 100 فهرنهايت (38 درجة مئوية) مقارنة مع هو حادث الآن.
كما تقدم أداة “كلايمت إكسبلورر” الخاصة بالنظام الوطني المتكامل للمعلومات الصحية، لمحة مقلقة عن مستقبل تكساس. وتتوقع أن يرتفع متوسط درجة الحرارة القصوى اليومية في أوستن ومقاطعة ترافيس في يونيو/حزيران إلى 99.7 فهرنهايت (37.6 درجة مئوية) بين عامي 2060 و2090 في حال لم يتم اتخاذ خطوات للتخفيف من الآثار المدمرة المحتملة لتغير المناخ.
أما تقدير مكتب أوستن للاستدامة، فيتوقع تسجيل درجات حرارة أعلى من ذلك، حيث يقول إن متوسط درجة الحرارة المرتفعة في الصيف سيبلغ 103.8 فهرنهايت (39.9 درجة مئوية) في المدينة في نهاية القرن الحالي.
التكلفة البشرية
تعتبر الحرارة المرتفعة بشدة حالياً من أخطر المخاطر الطبيعية في الولايات المتحدة، حيث يعتبر الأطفال والبالغون الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً من بين أكثر الفئات عرضة للأمراض والموت المرتبطة بالحرارة.
ووجد تحليل أجرته صحيفة “تكساس تريبيون” أن أكثر من 275 شخصاً في تكساس ماتوا بسبب أمراض مرتبطة بالحرارة خلال عام 2022 والتي كانت أعلى مستوياتها منذ عقدين، ويبدو أن موجة الحر هذا العام ستكون أسوأ.
ويعتبر الأطفال الصغار وكبار السن والمرضى والفقراء الذين لا يستطيعون تحمل التكاليف التكنولوجية بما في ذلك تكييف الهواء للمساعدة في إبقائهم باردين، أكثر عرضة لتأثيرات الحرارة الشديدة. ويمكن أن تسبب درجات حرارة الهواء المرتفعة بضربة الشمس والجفاف وتؤثر على القلب والأوعية الدموية والجهاز العصبي.
ويقول أندرو بيرشينغ، نائب رئيس العلوم في “كلايمت سنترال”، وهي منظمة غير ربحية تحلل علوم المناخ: “كانت موجة الحر هذه مرهقة جداً للناس في المنطقة وخطيرة بشكل خاص للأشخاص الذين يعانون من مشكلات صحية سابقة”.
ووجدت الأبحاث التي أجرتها كلايمت سنترال “زيادة كبيرة” في عدد الأيام التي تزيد عن “عتبات الحرارة الخطرة” المحلية في العديد من مدن تكساس، والتي تزداد فيها المخاطر الصحية المرتبطة بالحرارة. وعلى سبيل المثال، في مدينة أوستن اليوم، 53 يوماً إضافياً من الحر الخطير في السنة مقارنةً مع العام 1970.
ويشرح قائلاً: “يؤدي تغير المناخ إلى زيادة عدد أيام الحر الشديدة الخطيرة في معظم الأماكن وذلك غالباً عن طريق زيادة طول موسم الحرارة”. حتى الآن، أودت القبة الحرارية الحالية بحياة عشرات الأشخاص على الأقل في تكساس ولويزيانا.
ويمكن القول إن النقطة التي تصبح فيها الحرارة غير محتملة بالنسبة للفرد هو أمر شخصي، لكن دراسة نُشرت في العام 2010، قدرت أن درجة حرارة 95 فهرنهايت (35 درجة مئوية) مع نسبة رطوبة 100٪، أو 115 فهرنهايت مع نسبة 50٪ رطوبة، هي على الأرجح بحرارة يمكن لمعظم البشر فيها الحفاظ على درجة حرارة جسمهم الأساسية الصحية عن طريق التعرق.
أما فوق هذا “الحد البيئي الحرج”، فترتفع درجة حرارة أجسامنا بشكل مستمر ويزداد خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالحرارة مثل ضربة الشمس.
غير أن فريقاً من الباحثين من جامعة ولاية بنسلفانيا، اكتشف أن قدرتنا على تحمل الحرارة ربما تكون أقل من ذلك، بعد اختبار كيفية تعامل الأشخاص الأصحاء مع درجات الحرارة المرتفعة. وأظهروا أن الحد البيئي الأعلى، هو درجة حرارة تبلغ 95 فهرنهايت (31 درجة مئوية) فقط مع رطوبة بنسبة 100٪.
وقد تجاوزت موجة الحر في بعض الأماكن في تكساس هذه النطاق من درجات الحرارة الخطرة، لذلك فإن ما إذا كان بإمكان الناس العيش بسعادة في الولاية يعتمد أيضاً إلى حد كبير على ما إذا كان لديهم إمكانية الوصول إلى تقنيات تكييف الهواء ويمكنهم تحمل تكاليف استخدامها، أو ما إذا كان عليهم العمل في الخارج تحت الشمس الحارقة.
هذا ما جعل الناس يتساءلون: متى يكون الجو حاراً جداً للعمل؟ وفي هيوستن، أضرب عمال بعض المطاعم هذا الأسبوع بعد تعرضهم لمشاكل في تكييف الهواء. وفي الوقت نفسه، يكافح عمال بناء الأسقف وعمال اللحام وأولئك الذين يعملون في مهن لا يمكنهم فيها الاعتماد على هذه التقنيات، للحفاظ على درجات حرارة أجسامهم ضمن النطاق الطبيعي.
وحتى عندما لا تكون درجات الحرارة المرتفعة مهددة للحياة، فإنها يمكن أن تضعف مستوى الإدراك وتؤثر على قدرتنا على أداء المهام اليومية. وهذا يمثل مشكلة، لأنه مهما حدث للمناخ في تكساس، سيظل معظم الناس بحاجة إلى العمل.
هناك أيضاً تداعيات أوسع على المجتمع. لقد ثبت أن الطقس الأكثر دفئاً يمكن أن يجعلنا أكثر عدوانية، مما يزيد من معدلات الجريمة العنيفة واحتمال حدوث اضطرابات اجتماعية.
ويعتقد جيمس دوس-غولين، الأستاذ المساعد في الهندسة المدنية والبيئية في جامعة رايس، في هيوستن، تكساس، أن تحسين البنية التحتية يمكن أن يساعد الناس على التعامل مع موجات الحر في المستقبل في الولايات المتحدة، لكن لذلك ثمن.
هناك خطط لتحسين موارد طاقة الرياح والطاقة الشمسية في تكساس بين الآن والعام 2030 بتكلفة تقديرية تبلغ 66.5 مليار دولار أمريكي، بينما يمكن للمقيمين إضافة ألواح شمسية على الأسطح أو بطاريات احتياطية إلى منازلهم، مما قد يخفف العبء على نظام الإرسال خلال ساعات الذروة.
كما يوضح: “من المهم التأكد من أن الأشياء التي تفيد الأشخاص الذين يستطيعون تحمل تكلفتها، تعود بالفائدة أيضاً على الآخرين الذين لا يمكنهم ذلك ومن أننا لا نترك الناس”.
وقد يفكر أولئك الذين لا يستطيعون تحمل التكلفة التكنولوجية للتكيف مع درجات الحرارة العالية في الانتقال إلى مكان أكثر برودة إذا أصبحت الحرارة الشديدة هي القاعدة في تكساس وأماكن أخرى في الولايات المتحدة.
ويقول المؤلف جيك بيتل، الذي يحكي كتابه “النزوح العظيم”، قصص الأشخاص الذين أجبروا على مغادرة منازلهم بسبب الأحداث المناخية القاسية إنه على مدى السنوات الخمسين المقبلة، سيشهد ملايين الأمريكيين هذا النوع من النزوح القسري داخل البلاد فيما سيكون “أكبر هجرة في تاريخ بلدنا”.
ومن المتوقع أن يشهد حوالي 162 مليون أمريكي، انخفاضاً في جودة الطقس والبيئة وبحلول العام 2070، يمكن أن يعيش أربعة ملايين خارج “المكان المثالي للحياة البشرية”، وفقاً لتقرير مشترك بين “بروبابليكا” و”نيويورك تايمز”.
وينتقل الناس في الوقت الحالي إلى تكساس من ولايات أمريكية أخرى هرباً من المشكلات المتعلقة بالطقس مثل الأعاصير المتكررة والجفاف. ووجدت إحدى الدراسات أن هيوستن هي “مجتمع استقبال” لمهاجري المناخ من نيو أورليانز في أعقاب الدمار الذي أحدثه إعصار كاترينا عام 2005.
وتتوقع دراسة أخرى، أن ارتفاع مستويات سطح البحر سيجبر 13 مليون أمريكي على الابتعاد عن السواحل، مع احتمال نزوح الآلاف الى هيوستن ودالاس. لكن التنبؤ بحركة الناس أمر صعب للغاية، وقد يلجأ الناس هروباً من الطقس القاسي داخل وخارج منطقة ساحل الخليج بالولايات المتحدة.
يبقى أن نرى ما إذا كانت تكساس ستصبح يوماً ما شديدة الحرارة الى درجة مزعجة للبشر، لدرجة أن يقرروا المغادرة عنها. ويقول نيلسن-غامون، إن أعلى درجة حرارة سجلت على الإطلاق في تكساس كانت 120 فهرنهايت (49 درجة مئوية) وهي أعلى بدرجة واحدة فقط من الذروة المسجلة خلال هذه الموجة الحارة.
ويحذر نيلسن-غامون: “مع ارتفاع درجة حرارة المناخ العالمي تدريجياً، هناك احتمال أن تستمر درجات الحرارة (في تكساس) في الارتفاع أيضاً”.