هل دخلت الأرض عصر الانقراض السادس بسبب تغير المناخ؟
يحذر أحدث كتاب لمايكل مان، واحد من أشهر علماء المناخ، من أن البشرية ربما تعيش في زمن الانقراض السادس بسبب تغير المناخ والاحترار العالمي
يقول الكتاب، الذي يحمل عنوان “لحظتنا الهشة: كيف يمكن للدروس المستفادة من ماضي الأرض أن تساعدنا على النجاة من أزمة المناخ”، إن الحياة على الأرض سوف تتأثر بشدة، وربما محكوم عليها بالفناء بحلول نهاية هذا القرن إذا لم تفعل البشرية شيئًا للحد من الاحترار.
وفق تقديرات العلماء، خلق الله الأرض قبل حوالي 4.5 مليار سنة، وتعرضت خلال الخمسين مليون سنة الماضية فقط لخمس حالات انقراض جماعي، نجمت جميعًا عن أحداث طبيعية لا دخل للبشر فيها.
حدثت حالات الانقراض الأربعة الأولى بسبب تغيرات جيولوجية كبيرة مثل الفترات الجليدية الممتدة، والانفجارات البركانية الشديدة، والاحتباس الحراري، وما إلى ذلك، وكانت الخامسة بسبب هجوم كوني على الأرض بعد ما ضربها كويكب ضخم.
وتسببت حالات الانقراض الخمس في فقدان سريع وغير عادي لجميع الأنواع الحيوانية والنباتية التي كانت موجودة على الأرض آنذاك.
ويدق مايكل مان ناقوس الخطر في كتابه الأخير، مشيرًا إلى أن زمن الانقراض السادس ليس ببعيد، لكنه يؤكد أيضًا أن البشرية قادرة على زيادة احتمالات البقاء على قيد الحياة، إذا سرعت وتيرة الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي.
القوى التنظيمية
منذ أكثر من أربعة آلاف عام، في الأيام الأخيرة للإمبراطورية الأكادية في بلاد ما بين النهرين، العراق حاليًا، اجتاح الجفاف أجزاء شاسعة منها، وأصاب أراضٍ بعيدة مثل اليونان وما يعرف الآن بباكستان.
ربما كان السبب وراء ذلك هو ثوران بركان بعيد، مما أدى إلى تدمير المناخ الجاف للزراعة المحلية في مناطق عدة تابعة لأول إمبراطورية قديمة بعد الحضارة السومرية.
مع انهيار الأراضي الزراعية التي كانت مزدهرة في الجزء الشمالي من الإمبراطورية، فر الناس إلى الجنوب هربًا من الجفاف والجوع والعطش.
شرع أهل الجنوب في بناء جدار طوله أكثر من 150 كيلومتراً بين نهري دجلة والفرات، لمنع دخول النازحين والمهاجرين، وبعد فترة وجيزة، انهارت أول إمبراطورية في التاريخ، وماتت عطشًا في مهد الحضارة.
يقول الكتاب إن الأنظمة المناخية والحضارات لا تكون مستقرة إلا إلى حدود معينة، وإذا تجاوزتها سقطت، ويحذر من أن البشر اليوم تجاوزوا بالفعل حدود كليهما.
في الكتاب، يلقي مان نظرة على أحداث تغير المناخ العالمي على مدى 4.5 مليار سنة الماضية، من عصور الحرارة القاتلة إلى الأراضي القاحلة التي ينتشر فيها الجليد على نطاق واسع، ومع كل حالة، يستخلص دروسًا حول ما يحدث للأرض في فترات تغير المناخ.
في بعض الأحيان، تكون النتيجة انقراضات جماعية دراماتيكية أو اضطرابات جيولوجية، وفي أحيان أخرى، كما هو الحال مع الأكاديين، يكون الأمر بمثابة انهيار حضاري.
يشتمل النظام المناخي للأرض على قوى تنظيمية مهمتها حماية الكوكب من التغيرات الصغيرة في المناخ؛ وتعد القمم الجليدية والسحب المنخفضة نموذجين مهمين على هذه القوى.
تعكس القمم الجليدية والسحب المنخفضة ضوء الشمس وتساعد في تبريد الكوكب، لكن في حالة الإفراط، تطغى الحرارة على القوى التنظيمية وتثقل كاهلها، فتنهار، مما يؤدي إلى خروج المناخ عن نطاق السيطرة.
كان هذا هو الحال قبل 55 مليون سنة، عندما قذفت مجموعة ثابتة من الانفجارات البركانية ثاني أكسيد الكربون في الهواء، وارتفعت درجة حرارة الأرض.
ساهمت الحرارة في تكوين سحب أرق وأقل انعكاسا، فاختفت السحب المنخفضة التي تعكس الحرارة، وارتفع متوسط درجات الحرارة العالمية إلى 32 درجة مئوية، في ظاهرة يشار إليها باسم Hothouse Earth.
فرصة أخيرة
بعد رحلة عبر الماضي، ينقلنا مان إلى الحاضر، الذي تتفاقم فيه انبعاثات غازات الدفيئة غير الخاضعة للرقابة.
قد يواجه العالم بسبب هذه الانبعاثات دوامة حرارية مماثلة لما حدث في الماضي، وإن كانت أقل حرارة، مع اختفاء القمم الجليدية العاكسة، التي تعد من أهم القوى التنظيمية الطبيعية.
من الممكن أن يؤدي ذوبان القمم الجليدية إلى رفع مستويات سطح البحر وتشريد نحو 40% من سكان العالم، كما يمكن لارتفاع الحرارة أن يجعل مساحات واسعة من الكوكب غير صالحة للسكن.
لكن ما يجعل تغير المناخ الحالي مختلفا عما شهدته الأرض من قبل، هو مصدره البشري، مما يعني القدرة على وقفه، وهذه فائدة فريدة لمناخ الأرض المتغير حديثًا.
وفق مان، إذا تحرك العالم بجدية، يمكنه الحفاظ على عالم يشبه عالمنا إلى حد كبير، مؤكدًا أن التحرك المطلوب ليس جيولوجيًا أو حتى تكنولوجيًا؛ بل سياسيًا.
يتطلع الكتاب في النهاية نحو المستقبل، مشيرًا إلى أنه من غير المرجح أن تشهد الأرض احترارًا يقضي على الحياة فيها.
لكنه يستدرك قائلا إن ارتفاع درجة حرارة المناخ أصبح أسرع مما كان عليه منذ آلاف السنين، بسبب الأنشطة البشرية، وهذا قد يتسبب في سيناريوهات كارثية لا يمكن توقعها.
يحذر مان من أن الأمور ستكون مؤلمة في حال استمرت سياسة المناخ الحالية، ويخلص إلى أن “آثار تغير المناخ تشكل بلا شك تهديدا وجوديا إذا فشلنا في التحرك، لكن لا يزال لدينا أمل، ومن الممكن الحفاظ على لحظتنا الهشة”.