هل لا نزال بحاجة إلى رواد الفضاء؟
في ليلة عيد الميلاد، مرت مركبة فضائية مستقلة بالقرب من الشمس، مسجّلةً رقمًا قياسيًا جديدًا في الاقتراب من النجم الأشد حرارةً والأكثر إشعاعًا في نظامنا الشمسي، دون أي تواصل مع الأرض، ودون أي تدخل بشري، متفوقةً بذلك على أي جسم من صنع الإنسان.
كانت هذه المركبة “باركر” الشمسية التابعة لوكالة ناسا التي أدت مهمة استكشاف شاملة عن الشمس وتأثيرها على الطقس الفضائي الذي يؤثر على كوكب الأرض، وتعرضت خلال مهمة استغرقت عشرة أيام، لدرجات حرارة تصل إلى 1000 درجة مئوية، مسافرةً إلى وجهات كان من المستحيل على البشر الوصول إليها.
هذا النجاح للمركبات الفضائية المستقلة، إلى جانب تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي المتقدم، يثير تساؤلات حول الدور الذي قد تلعبه الآلات في استكشاف الفضاء في المستقبل.
هل سنظل بحاجة إلى إرسال رواد فضاء؟
يعتقد بعض العلماء أنه قد لا تكون هناك حاجة لإرسال رواد الفضاء إلى الفضاء بعد الآن. يقول اللورد مارتن ريس، الفلكي الملكي في المملكة المتحدة: “التطور السريع للروبوتات يجعل الحاجة إلى إرسال البشر إلى الفضاء أقل أهمية مع مرور الوقت.. أعتقد أنه لا يجب استخدام أموال دافعي الضرائب لإرسال البشر إلى الفضاء”، وفق ما تنقله عنه هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
ويشير إلى أن إرسال البشر إلى الفضاء يحمل مخاطر كبيرة. ويؤكد على أن الغرض الوحيد من إرسال البشر يمكن أن يكون بمثابة مغامرة أو تجربة للأثرياء، وهو ما يجب أن يموله القطاع الخاص.
ويتفق أندرو كوتس، الفيزيائي في جامعة كلية لندن، مع هذا الرأي قائلًا: “أنا أُفضل استخدام الروبوتات في الاستكشاف الفضائي الجاد. يمكن للروبوتات الذهاب إلى أبعد مكان وتنفيذ مهام متعددة”. ويضيف: “الروبوتات أرخص من البشر، ومع تقدم الذكاء الاصطناعي، ستصبح الروبوتات أكثر ذكاءً.”
التحدي بين الروبوتات والبشر في استكشاف الفضاء
قامت الروبوتات بزيارة جميع كواكب النظام الشمسي، بالإضافة إلى العديد من الكويكبات والمذنبات، بينما لم يذهب البشر إلا إلى موقعين: مدار الأرض والقمر.
وقد سافر حوالي 700 شخص إلى الفضاء منذ بداية الرحلات الفضائية البشرية في عام 1961، حيث أصبح يوري جاجارين أول رائد فضاء في الاتحاد السوفيتي السابق. ومعظم هؤلاء الأشخاص لم يغادروا مدار الأرض أو قاموا برحلات قصيرة إلى الفضاء.
وبينما يُظهر البشر عزيمة وقوة في استكشاف الفضاء، إلا أن الروبوتات قادرة على تنفيذ أبحاث وتجارب في أماكن يصعب الوصول إليها على الأرض، باستخدام أدوات خاصة لدراسة الغلاف الجوي والأسطح.
لكن البشر يظلون أكثر مرونة وأسرع في إنجاز المهام مقارنة بالروبوتات، رغم تكاليف الحفاظ على حياتهم في الفضاء.
التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في الفضاء
قد يكون للذكاء الاصطناعي دور تكميلي في مهام الفضاء، حيث يمكن استخدامه لتقليل العبء عن رواد الفضاء من خلال أتمتة المهام الروتينية، مما يتيح لهم التركيز على الأبحاث الأكثر أهمية.
لكن التحدي يكمن في أن تشغيل أنظمة معقدة مثل النماذج اللغوية الكبيرة يتطلب كميات هائلة من الطاقة، وهو ما يتجاوز قدرة المركبات الفضائية الحالية على تحمل تلك المتطلبات.
الروبوتات البشرية: هل هي مستقبل الفضاء؟
تعد الروبوتات البشرية، مثل الروبوت “فالكييري” من ناسا، التي تم تصميمها لتأدية مهام في الفضاء باستخدام الأدوات نفسها التي يستخدمها البشر، إحدى التقنيات الواعدة في المستقبل. ولكن، حتى مع تلك القدرات، يبقى البشر مصدر إلهام فريد يمكنه تحفيز الناس على الأرض بطريقة لا يمكن للآلات أن تحاكيها.
الحياة على المريخ: طموحات وتحديات
لم يسافر البشر إلى أبعد من مدار الأرض منذ عام 1972، عندما زار آخر فريق من رواد الفضاء القمر خلال مهمة أبولو. أما ناسا فتنوي إعادة البشر إلى القمر في العقد المقبل من خلال برنامج “أرتيميس”.
وفي الوقت نفسه، يخطط إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة “سبيس إكس”، لإنشاء مستعمرة على المريخ، حيث يهدف إلى نقل مليون شخص إلى الكوكب الأحمر خلال 20 عامًا.
لكن مع ذلك، هناك العديد من التحديات التقنية التي لم يتم حلها بعد، مثل مدى قدرة البشر على العيش في بيئة مريخية، مما يثير تساؤلات أخلاقية وعلمية حول إمكانية العيش على هذا الكوكب.