منوعات

هل يمكن للنظام الغذائي أن يؤثر على السرطان؟

يعمل البروتين 53 ‏كـ جين مثبط للأورام لدى البشر، حيث ينظم نمو الخلايا ويعطل الخلايا الضارة من خلال تقسيمها بقوة.

وأفاد الباحثون قبل حوالي 15 عاما، بأنه عندما تتضور الخلايا من الجلوكوز،ويغير البروتين عمله بدلا من التأثير على الخلايا السرطانية، فإنه يساعدها على البقاء.

بعد بضع سنوات انطلقت كارين فوسدن، عالمة الأحياء السرطانية في معهد فرانسيس الكريك في فهم عما إذا كانت العناصر الغذائية التي يتم تناولها من خلال الطعام تؤثر على مسار التمثيل الغذائي والبروتين53.

ووجدوا أنه في الخلايا السرطانية التي تفتقر إلى P53، قطعت إمدادات الأحماض الأمينية سيرين والجليكين تباطأ نمو الخلايا، في حين أن نظام التحكم الذي يحتوي على العناصر الغذائية يملؤها. ويعد سيرين والجليكين من الأحماض الأمينية غير الأساسية، مما يعني أنه لا يحتاج إلى استهلاكهم لأن الجسم ينتجهما من جزيئات أخرى ، لذلك لم يكن من الواضح أن إخراجها من النظام الغذائي سيكون له أي تأثير، وكان الاكتشاف الأساسي هو أن تغيير النظام الغذائي يمكن أن يبطئ نمو الورم.

لقد تكهن الباحثون منذ فترة طويلة بأن نظاما غذائيا للإنسان يمكن أن يؤثر على السرطان، ولكن حتى وقت قريب، جاءت معظم الأدلة على ذلك من الدراسات التي تقوم بمسح الوجبات الغذائية للمجموعات الكبيرة ولا تنظر إلى العمليات الأساسية التي تحدث في الجسم.

كان اكتشاف الباحثان ماكدوس وفوسدن Ma أول من أظهر صلة كيميائية حيوية مباشرة بين النظام الغذائي والسرطان، منذ ذلك الحين بدأ العلماء في رؤية المزيد من الروابط، وبدأت موجة من الدراسات الحديثة في الكشف عن كيفية تحديد العناصر الغذائية مثل السكريات والأحماض الأمينية والدهون أو تكبح نمو أورام معينة.

يقول ماثيو فاندر هايدن عالم الأحياء في مرض السرطان في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: “إنه وهم أن نعتقد أن النظام الغذائي [وحده] سوف يعالج السرطان، لكن يمكن أن يحدث فرقا، ونحن بحاجة إلى إجراء الدراسات لمعرفة ذلك.”

العلماء الذين يدرسون العلاقة الكيميائية الحيوية بين النظام الغذائي والسرطان يصنعون الكثير من المحاذير، أهمها: لا يمكن للباحثين إخبار المرضى بعد بما يجب تناوله عندما يعانون من السرطان، على الرغم من أن عناوين الإعلام التي تروج لخصائص مكافحة السرطان في العنب البري أو البروكلي، تقول باحثة في استقلاب السرطان في مستشفى بوسطن للأطفال وكلية هاردفارد:” الحقيقة هي في الوقت الحالي ليس لدينا أي توصيات”.

يقول جيسون لوكاسال، باحث السرطان في جامعة ديوك الذي يدرس دور الأحماض الأمينية والعناصر الغذائية الأخرى في السرطان :”من شبه المؤكد أنه لا يوجد طعام أو حل غذائي واحد من شأنه أن يساعد في معالجة جميع أنواع السرطان،ويضيف أنه من غير المرجح أيضا أن تحل التدخلات الغذائية محل الأدوية القاتلة للسرطان كعلاجات”.

ويتصور الباحثون إنشاء نوع من المصفوفة التي من شأنها أن تطابق الطفرات الجينية المسببة للسرطان أو أجزاء من المسارات الأيضية مع مناهج غذائية دقيقة تكمل أدوية السرطان.

وتضيف العديد من أدوية السرطان بضعة أشهر فقط إلى حياة المريض، ولأسباب غير معروفة، لا يستفيد بعض الأشخاص من بعض الأدوية على الإطلاق. يقول فاندر هايدن :”إنه من خلال التوافق الصحيح، يمكن أن تعزز كمية المغذيات الصحيحة من فعالية أدوية السرطان وتجعل المزيد من الأشخاص يستجيبون لها”.

وبحسب هايدن إن فكرة أن المغذيات يمكن أن تغذي الخلايا السرطانية مباشرة ليست جديدة، منذ ما يقرب من قرن من الزمان، اكتشف عالم الكيمياء الحيوية الألماني أوتو هاينريش واربورغ أن الخلايا السرطانية تلتهم كمية هائلة من الجلوكوز، ووضع اكتشاف واربورغ الأساس لمجال استقلاب الخلايا السرطانية، وعلى مدى عقود، قام الباحثون بالتحقيق في السرطان من خلال تلك العدسة.

واستندت أولى عقاقير السرطان الفعالة إلى تأثيرات التمثيل الغذائي للخلايا، وفي أواخر الأربعينيات من القرن الماضي بينما كان اختصاصي أمراض الأطفال سيدني فاربر يعالج الأطفال المصابين بفقر الدم، وهي حالة حدثت بسبب إصابتهم بسرطان الدم، وجد أن استخدام حمض الفوليك (فيتامين ب 9) يمكن أن يجعل سرطان الدم يتقدم بسرعة مفاجئة، وقاده ذلك إلى علاج سرطان الدم بنجاح باستخدام الميثوتريكسات وهو دواء يثبط نشاط الفولات. ولا يزال الميثوتريكسات يستخدم على نطاق واسع ضد السرطان والعديد من الأمراض الأخرى اليوم.

وفي الثمانينيات حوّل الباحثون في مجال السرطان تركيزهم بعيدا عن التمثيل الغذائي ونحو التواقيع الجينية للسرطان.

وأسفر البحث عن الجزيئات الصغيرة التي يمكن أن تعالج هذه الطفرات المحددة عن العديد من علاجات السرطان الرئيسية، ولكن المثير للاهتمام أن هذا البحث أعاد توجيههم نحو استقلاب الخلايا.

ويقول لويس سي كانتلي عالم الكيمياء الحيوية في معهد دانا فاربر للسرطان وكلية الطب بجامعة هارفارد: “كان الجميع يركزون على الجينات المسرطنة، والآن نكتشف ما يفعلونه، إنهم ينظمون عملية التمثيل الغذائي، مما يعيدنا إلى حيث بدأنا.”

وساعدت الأبحاث التي أُجريت على إنزيم اكتشفه كانتلي في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي يُدعى phosphoinositide 3-kinase (PI3K) في تعزيز هذا التحول.

ووجد كانتلي وزملاؤه أن PI3K شره للجلوكوز، وفي ظل الظروف المناسبة، فإن PI3K سوف يغذي نمو الأورام طالما كان متوفرا بالسكر، كما أنه يتطور في مجموعة متنوعة هائلة من السرطانات، وتمت الموافقة على العديد من مثبطات PI3K لعلاج السرطان، ولكن غالبا ما يكون لها تأثيرات باهتة.

و يعتقد كانتلي أن الدراسات السابقة ربما تكون قد أغفلت التأثير الذي يمكن أن يحدثه النظام الغذائي على تثبيط PI3K ، وعلى وجه التحديد قد يكون منع ارتفاعات الأنسولين أحد المفاتيح لتعزيز بعض علاجات السرطان.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى