وداعًا لفخامته وسعادته ومعاليه في لبنان!
لبنان – هاشتاقات الكويت:
أصدر الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية مذكرة إدارية، طلب فيها عدم إستعمال الألقاب في التخاطب واعتماد كلمة “السيدة” أو “السيد” في جميع المراسلات الإدارية، وذلك عملًا بقرار مجلس الوزراء في جلسته الذي أكد على قرار المجلس رقم 36 تاريخ 16/10/1997.
في هذا الصدد، أشار الوزير السابق سجعان قزيفي في تصريح عبر مواقع التواصل الإجتماعي إلى أنه “صدر قرار من مجلس الوزراء يقضي بإلغاء الألقاب في التخاطب في المراسلات الإدارية”، معتبرًا أنه “يجب إلغاء الشتائم في التخاطب، لا الألقاب فقط”.
ويتحدث الخبير القانوني الدكتور فيليب أبو جودة لـ”إيلاف” عن أنه “في السابق برزت مناشدات محدودة من هنا وهناك للتوقّف الفوري عن اعتماد الالقاب، وكانت حاجة فطرية في بقعة، تكاد تشكّل مجرد نقطة أو أقل على خارطة العالم، لكنها تختزن في سلوكياتها كل ما يلزم من أدوات التمييز السياسي والطبقي في الذهنيات وفي الممارسة”.
يضيف أن الكارثة تكمن في أن الألقاب كانت لا تعرف التقاعد، فمثلًا أن تكون وزيرًا أو نائبًا أو رئيسًا أو مديرًا عامًا حتى ليوم واحد فقط، لحق اللقب بك إلى القبر، ولا يستقيم “الشأن العام” من دون “معاليه” و”دولته” و”سعادته” و”صاحب الفخامة” و”الشيخ” و”البيك”.
فكانت ترنّ في الأذن وتمنح سامعها مزيدًا من جرعات الاستقواء والعنجهية، ليس بالضرورة الاستقواء لتغليب المصلحة العامة، فليس هذا ما يحدث عادة، ويكفي حمل اللقب، فيتحوّل إلى “فيزا عمل” لفعل أي شيء، بما في ذلك تكريسه لممارسة الفوقية على الجميع حتى على الخدم وسائق السيارة والعامل في المتجر والنادل.
يضيف أبو جودة في التاريخ من أشهر باعة الألقاب الملك ويليام الفاتح، وإدوارد الثالث، وجيمس الأول، وتشارلز الثاني، وجورج الثاني. مارغريت ثاتشر نفسها توسّطت مرارًا لمنح ألقاب النبالة إلى رجال الأعمال وصناعيين قدّموا إلى حزب المحافظين تبرعات دسمة.
أما في لبنان، فاللقب كان بضاعة خاضعة للعرض والطلب، كان يُدفع حقها استزلامًا وتودّدًا وزحفًا وتبعية، وأيضًا بالأموال، إلى المرجع القادر على منح “برستيج” الموقع، ثم اللقب، وكانت لكبار القوم ألقابهم الازلية أيضًا، الاستغناء عنها كان يبدو ضربًا من ضروب الخيال.
ويلفت أبو جودة إلى أنه “وفق دراسة “الدولية للمعلومات،” فإن “فخامة رئيس الجمهورية”، “دولة رئيس مجلس النواب”، “دولة رئيس مجلس الوزراء”، “عطوفة المير”، “معالي الوزير”، “سعادة النائب”، “سعادة المدير العام”، “الشيخ”، “البيك” هي ألقاب كانت تستخدم في التخاطب والمراسلات في الدولة اللبنانية منذ عقود طويلة، وقد تم إلغاؤها في العام 1997، ثم عادت فألغيت اليوم.
تشير الدراسة بحسب أبو جودة إلى أنه “في العام 1997 تحدّث رئيس الجمهورية إلياس الهراوي في مجلس الوزراء عن إلغاء الألقاب المتوارثة من العهد العثماني”، معتبرًا أنه “لا موجب للتمسّك بها، بل إن الواجب يقتضي منا البحث عن لغة جديدة في التخاطب غير لغة التفخيم التي سبقنا إلى إلغائها كثير من البلدان”.
وخلص الهراوي متمنّيًا على مجلس الوزراء إلغاء الألقاب، واعتماد كلمة “السيّد” في التخاطب مع جميع الرسميين، وقد قرّر المجلس بموجب القرار رقم 36 تاريخ 16 – 10 – 1997 الموافقة على إلغاء الألقاب، واعتماد كلمة السيّد في التخاطب مع جميع الرسميين وفي ما بينهم، والتمنّي على السلطة التشريعية اتخاذ قرار مماثل.
تضيف الدراسة “اعتمدت الحكومة هذا الإجراء، ولكن السلطة التشريعية لم تعتمده، وفي السنة التالية بعد انتهاء ولاية الهراوي عادت الحكومة إلى اعتماد الألقاب، وذلك بتوجيه شفهي من دون قرار من مجلس الوزراء”، ثم تقدم النائب السابق محمد قباني في العام 2013، وفق الدراسة، باقتراح قانون إلى مجلس النواب يرمي إلى إلغاء الألقاب في الخطابات والمحافل الرسمية واعتماد “لقب السيّد الرئيس” أو “السيّد الوزير” أو “السيّد النائب” ولقب السيّدة (المتزوجة وغير المتزوجة) على حدّ سواء، ولا يجوز استخدام هذه الألقاب الملغاة إلا في التعامل الدبلوماسي مع الدول التي لا يزال هذا الاستخدام يمثل جزءًا من تقاليدها أو أعرافها أو قوانينها”.
وفي الأسباب الموجبة لهذا الاقتراح أنه يمثل خطوة نحو الحداثة والمساواة بين المواطنين. عُرض الأمر على هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل برئاسة القاضي ماري دنيز المعوشي التي أفادت أن الألقاب متوارثة عن عهود سابقة سواء العهد العثماني أو الانتداب الفرنسي، والتشريع اللبناني لم يلحظ أي مواد قانونية تمنح الشخصيات الرسمية ألقابًا ترتبط بالمركز الذي يشغلونه، ولكن استعمالها لفترة طويلة من الزمن أوجد حاجة إلى إصدار قانون يلغي هذا العرف السائد، وخلصت إلى القبول باقتراح القانون المذكور، ولكن بعد مرور نحو سنتين لم يقرّ بشكل قانوني، سواء بقرار أو مرسوم من الحكومة أو قانون من مجلس النواب، إلا أنه أقر اليوم إلغاء الألقاب، وهي خطوة بحسب أبو جودة جيدة في لبنان.