صندوق النقد الدولي: الكويت تستطيع تحمل الصدمات الأخيرة
أكد صندوق النقد الدولي أن الكويت تستطيع تحمل الصدمات الأخيرة من منطلق قوتها فالأصول الوفيرة التي يتمتع بها (المركزي) والاحتياطيات الكبيرة التي تديرها الهيئة العامة للاستثمار التي تقدر بنحو 435 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وما يتمتع به القطاع المصرفي من مساحة كبيرة للاقراض ومعدلات الرسملة الجيدة تدعم المرونة المالية للدولة في مواجهة الصدمات.
جاء ذلك في البيان الختامي لصندوق النقد الدولي الذي نشره على موقعه الإلكتروني بمناسبة اختتام مشاورات عام 2020 مع دولة الكويت بموجب المادة الرابعة من اتفاقية إنشاء الصندوق إضافة إلى ملحق توضيحي عن آثار انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19).
وذكر أنه على الرغم من تقلبات الأسواق لا تزال عائدات السندات منخفضة وفي حال لم يقر قانون الاقتراض العام الجديد أو اشتدت المخاطر بانخفاض أسعار النفط وتداعيات أكثر شدة من تفشي فيروس كورونا وارتفاع تكاليف الاقتراض يمكن للحكومة التفكير في السحب مؤقتا من صندوق الأجيال القادمة على أن تعاد تلك الأموال المسحوبة بمجرد تطبيق الوضع القائم على مسار إصلاحات مالية متوسط الأجل ذات مصداقية.
وأضاف أن النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاعات غير النفطية في الكويت تعزز إلى نحو 3 في المئة عام 2019 مدفوعا بالإنفاق الحكومي والإنفاق الاستهلاكي وسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاع النفطي انكماشا بنحو 1 في المئة في ظل اتفاقية (أوبك +) (بين منظمة الدول المصدرة للبترول ودول من خارجها).
وأوضح أنه محصلة لذلك من المتوقع تراجع النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للكويت إلى نحو 7ر0 في المئة العام الماضي مقارنة بنحو 2ر1 في المئة عام 2018 لافتا إلى أن فوائض المالية العامة والحساب الجاري تراجعت بسبب انخفاض أسعار النفط والإنتاج وارتفع معدل التضخم السنوي إلى 1ر1 في المئة العام الماضي مقارنة بنحو 6ر0 في المئة في 2018.
وأشار إلى تسارع نمو الائتمان إلى نحو 4ر4 في المئة في نهاية عام 2019 مقارنة بنحو 9ر3 في المئة في نهاية عام 2018 مدفوعا بتراجع السقوف التحوطية الكلية على القروض الشخصية والظروف النقدية الداعمة.
وبين أن حيز المالية العامة الأساسي تقلص في السنة المالية 2018/2019 إذ تراجع رصيد الموازنة العامة غير النفطي (باستثناء دخل الاستثمارات الحكومية) كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي مع استمرار ارتفاع الإنفاق الحكومي وبقيت الاحتياجات التمويلية للموازنة العامة (بحساب مخصصات صندوق احتياطي الأجيال القادمة واستبعاد دخل الاستثمارات الحكومية) كبيرة عند نحو 7ر7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ورأى صندوق النقد أنه بالنظر إلى “انتهاء الإذن للحكومة بالاقتراض العام منذ أكتوبر 2017 فإنها لم تتمكن من إصدار دين جديد مما أدى إلى الاستمرار في اللجوء إلى السحب من أصول صندوق الاحتياطي العام لتمويل العجوزات في الموازنة العامة“.
وتوقع أن يؤدي السحب المستمر من الأصول المالية لصندوق الاحتياطي العام إلى تراجع الأرصدة الإجمالية والسائلة إلى نحو 56 و 24 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الترتيب في يونيو 2019 مبينا أنه على الرغم من ذلك واصلت أصول صندوق الأجيال القادمة وصندوق الاحتياطي العام نموها.
وأكد الصندوق متانة القطاع المصرفي إذ بلغت نسبة كفاية رأس المال في القطاع المصرفي نحو 6ر17 في المئة في سبتمبر الماضي في حين تتمتع البنوك بسيولة وفيرة على المدى القصير وبقاء معدل صافي القروض غير المنتظمة بعد خصم المخصصات المحددة منخفضا في حين أن مخصصات خسائر القروض مرتفعة وانخفض صافي دخل الفوائد بسبب تضييق الهوامش بين معدلات الإقراض المصرفي وتكلفة الأموال.
ولفت البيان الختامي لصندوق النقد الدولي إلى أن سوق العقار المحلي شهد استقرارا في حين تفوقت بورصة الكويت على جميع بورصات المنطقة العام الماضي وذلك جزئيا بفضل إدراجها في مؤشرات الأسواق الناشئة.
وعن تقييم المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي أفاد بأن التحدي المتمثل في تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز المدخرات أصبح أكثر إلحاحا وتؤثر التوقعات المنخفضة للايرادات النفطية على النمو في المدى القريب من جهة وأرصدة المالية العامة والخارجية من جهة أخرى وزاد هذا من الحاجة إلى الإصلاحات لإنشاء قطاع خاص نشط وضمان الادخار الكافي من ثروة النفط للأجيال القادمة.
وأوضح أن الكويت تمتلك احتياطيات مالية كبيرة وديونا عامة منخفضة لكن تضيق تلك الفرص في مواجهة تحدياتها من موقع قوة مشيرا إلى أنه بدون تصحيح مسار المالية العامة للدولة ستزداد التحديات المالية والتمويلية حدة فالارتفاع الأخير في الإنفاق العام قد أضعف الوضع المالي الأساسي للدولة.
وقال إنه في ظل استمرار السياسات المالية الحالية سيتحول رصيد المالية العامة إلى عجز متزايد وبعد حساب التحويلات الإلزامية إلى صندوق الأجيال القادمة ستصبح الاحتياجات التمويلية كبيرة على المدى المتوسط مايستوجب النظر إلى الاقتراض العام كحل مؤقت يؤدي إلى إبطاء استنفاد الأصول المالية السائلة إلا أنه سيؤدي إلى تراكم سريع للديون الحكومية.
وأضاف أن الكويت تحتاج إلى تصحيح مالي طموح ومناسب للنمو وعادل اجتماعيا و“التصحيح المقترح من قبل خبراء الصندوق سيخفض الإنفاق الحكومي الجاري من خلال معالجة جمود الإنفاق العام وتعزيز الإيرادات غير النفطية وخلق مساحة للاستثمار المعزز للنمو“.
وأكد البيان الختامي للصندوق ضرورة إصلاح فاتورة الأجور العامة الكبيرة وإلغاء الدعوم الحكومية والتحويلات المعممة لصالح خطط التعويض المستهدفة في حين يستوجب على الحكومة في مجال الايرادات العامة الشروع في مشاورات واسعة النطاق ومضاعفة الجهود لإشراك مجلس الأمة ومواصلة العمل الفني بشأن الضرائب على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وضريبة القيمة المضافة.
وذكر أن إطار المالية العامة القائم على القواعد سيحسن إدارة الإيرادات النفطية ومن شأن وجود تلك الأطر المالية أن يساعد في ربط السياسة المالية بهدف طويل الأجل للمساواة بين الأجيال كما أن القاعدة المالية المعايرة بشكل جيد تساعد في التوفيق بين المدخرات طويلة الأجل وأهداف الاستقرار الاقتصادي على المدى القريب.
وأوضح أن من شأن هذه القاعدة أن تساعد في إرساء القدرة على التنبؤ بالسياسة ومنع السياسات المالية المسايرة للدورات الاقتصادية وضمان مكاسب دائمة من التصحيح ولحين وضع قاعدة مالية معايرة بشكل صحيح يجب الحفاظ على الترتيبات الحالية فيما يتعلق بالتحويل إلى صندوق الأجيال القادمة.
وأكد الصندوق ضرورة أن تكون إصلاحات الحوكمة المالية جزءا لا يتجزأ من استراتيجية المالية العامة ويجب أن تهدف الإصلاحات إلى تعزيز الشفافية المالية وتحديث المشتريات العامة وتعزيز كفاءة الإنفاق العام ومن شأن هذه الخطوات أن تقلل من نقاط الضعف أمام الفساد وتعزز إصلاحات المالية العامة.
ورأى أن سياسة ربط سعر صرف الدينار بسلة من العملات تبقى سياسة ملائمة للاقتصاد الكويتي لأنها تقدم دعامة فعالة للاستقرار النقدي موكدا في الوقت نفسه ضرورة أن تركز إصلاحات القطاع المالي على تعزيز المرونة وتعميق الشمول المالي للحد من المخاطر الأدبية ويجب على الحكومة الكويتية تعزيز إطار العمل التصحيحي وإنشاء نظام خاص لتسوية أوضاع البنوك وإلغاء ضمان الودائع الشاملة.
ورحب خبراء الصندوق في البيان بالجهود المتواصلة التي يبذلها (المركزي) الكويتي لإعادة معايرة الأدوات التحوطية الكلية لتحقيق التوازن بين الاستقرار المالي واعتبارات النمو الاقتصادي كما أن تخفيف سقف سعر الفائدة على القروض التجارية تدريجيا من شأنه أن يوسع الإقراض لقطاعات السوق الجديدة.
ولفت صندوق النقد الدولي إلى أن مواصلة الإصلاحات لتعزيز النمو المتنوع بقيادة القطاع الخاص ستكون حاسمة ومع تقليص نمو العمالة في القطاع العام يجب أن ينشأ قطاع خاص نابض بالحياة لاستيعاب العدد الكبير من الكويتيين الذين يدخلون سوق العمل في السنوات القادمة.
وأشار إلى أن تمكين القطاع الخاص يتطلب من الازدهار تقليص تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وتعزيز المنافسة في السوق وتحسين بيئة الأعمال وتحقيقا لهذه الغاية ينبغي بذل المزيد من الجهود لإصلاح إطار الإعسار والحد من اللوائح المفرطة وتسهيل التجارة عبر الحدود.
وبين أنه بهدف تحفيز الكويتيين على البحث عن فرص عمل في القطاع الخاص ينبغي تقليص فجوة الأجور بين القطاعين العام والخاص مصحوبا بإصلاح برامج التعليم والتدريب لتعزيز روح المبادرة وتزويد الخريجين بالمهارات اللازمة للوظائف المطلوبة.
ووفق صندوق النقد الدولي وبالنظر إلى أن تقرير خبراء الصندوق لمشاورات المادة الرابعة لعام 2020 مع دولة الكويت يستند أساسا على البيان الختامي الذي صدر عن الصندوق بختام زيارة البعثة للبلاد في 20 يناير الماضي فقد أعد الصندوق ملحقا توضيحيا درس أثر انتشار فيروس كورونا والمخاطر السلبية على التوقعات الاقتصادية والمالية للكويت وتقييم استجابة السياسات والمعالجات التي اتخذته لمواجهة تلك المخاطر وهذا الملحق يغطي البيانات المتاحة حتى 12 مارس الجاري.
وذكر الصندوق أن أسعار النفط شهدت تراجعا حادا في 8 مارس الجاري إثر فشل محادثات (أوبك +) لخفض الإنتاج وعلى الرغم من أن أسعار النفط تعافت بشكل محدود فإنها لا تزال أقل بكثير من مستويات الأسعار التي افترضها خبراء الصندوق ضمن توقعاتهم للاقتصاد الكلي وينطبق هذا بشكل خاص على التوقعات في المدى القصير.
وتوقع أن يسجل متوسط أسعار النفط في العام الحالي مستويات تقل بنحو 5ر16 دولار للبرميل من المستويات التي افترضها تقرير خبراء الصندوق في حين سيكون الفرق على المدى الطويل أقل بكثير ويضيق إلى حوالي 3 دولارات للبرميل بحلول عام 2025.
وأوضح أن الكويت تأثرت بتفشي فيروس كورونا وبلغ عدد الحالات المصابة بالفيروس نحو 123 (حتى 16 مارس الجاري) ولاحتواء انتشار الفيروس أوقفت الرحلات الجوية التجارية وأغلقت المدارس والجامعات وحظرت التجمعات الاجتماعية وفي 11 الجاري تم الإعلان عن تعطيل العمل رسميا وخفض أعداد العاملين في جميع الجهات الحكومية باستثناء تلك المكلفة بحالات الطوارئ.
وأوضح أن الحكومة ستستمر بدفع الرواتب لجميع الموظفين الكويتيين وغير الكويتيين في حين تم إغلاق معظم فروع البنوك ويعمل (المركزي) مع البنوك التجارية لضمان الوصول دون انقطاع إلى الخدمات المالية بما في ذلك الخدمات المصرفية عبر الإنترنت وأنظمة الدفع والتسوية والمقاصة الإلكترونية للشيكات.
وذكر أنه بعد قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة على الدولار إلى الصفر قام المركزي الكويتي بخفض أسعار الفائدة على جميع أدوات السياسة النقدية بمقدار نقطة مئوية واحدة والتزامه بتوفير السيولة حسب الحاجة إلى جانب ذلك أنشأ (المركزي) صندوقا قيمته 10 ملايين دينار كويتي (نحو 3ر30 مليون دولار) بتمويل من البنوك الكويتية لدعم جهود الحكومة في مكافحة الفيروس.
وأشار الصندوق إلى أن هذه التطورات أدت إلى تفاقم التوقعات على المدى القريب وزيادة حالة عدم اليقين مقارنة بتقرير خبراء الصندوق مبينا أن تفشي فيروس كورونا المستجد وإجراءات احتوائه ستؤثران على النشاط الاقتصادي ولكن يصعب تحديد حجم التأثير فعمق الصدمة ومدتها مازالا غير معروفين.
وتوقع الصندوق تباطؤا في القطاعات غير النفطية خلال العام الحالي ويتبعه انتعاش في عام 2021 إذ قام خبراء الصندوق بمراجعة توقعاتهم لنمو القطاعات غير النفطية إلى ما نسبته 2 و 4 في المئة للأعوام 2020 و2021 على الترتيب مقارنة بنمو بنحو 3 و5ر3 في المئة على الترتيب.
وأبقى الصندوق على توقعاته المرتبطة بإنتاج النفط دون تغيير نظرا إلى تزايد حالة عدم اليقين إذ تشير الافتراضات المعدلة لأسعار النفط إلى تدهور أكثر حدة في الأرصدة المالية والخارجية كما يشير انخفاض سعر النفط في عام 2020 إلى تراجع الأرصدة المالية والخارجية بما نسبته 12 و13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ما سيزيد من الاحتياجات التمويلية بالتالي تراجع الاحتياطيات بوتيرة أسرع مما هو متصور في تقرير الخبراء.
وأكد الصندوق أن الإصلاحات المالية الطموحة متوسطة الأجل والإصلاحات الهيكلية المعززة للنمو والمقترحة في تقرير خبراء الصندوق لسد فجوة المدخرات بين الأجيال وتقليل الاعتماد على النفط أصبحت أكثر إلحاحا مؤكدا ضرورة البدء بضبط أوضاع المالية العامة حتى تختفي آثار تفشي فيروس كورونا وهذا سيكون متسقا مع مسار السياسة المالية في تقرير خبراء الصندوق.
وقال إنه يجب أن تكون الأولوية الفورية لاحتواء انتشار الفيروس وتخفيف آثاره الاقتصادية موضحا أن احتواء الإنفاق العام في الموازنة سيسمح بخلق مساحة كافية لاستيعاب الإنفاق على الرعاية الصحية الإضافية في المقام الأول من خلال إعادة ترتيب أولويات المشاريع الرأسمالية.
وأضاف أن على السلطات ضمان وجود سيولة كافية في القطاع المصرفي وقد تحتاج إلى توفير دعم مؤقت وموجه للشركات المتضررة بشدة والتي تكون قابلة للاستمرار خصوصا الشركات الصغيرة والمتوسطة مشيرا إلى أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط مرة أخرى يؤكد الحاجة لقاعدة مالية تعزل الاقتصاد من التقلبات المفرطة في أسعار النفط مع ضمان مستويات من الادخار تكون كافية للمستقبل.