بيروت: المرأة اللبنانية تنتظر فرصتها بالانتخابات النيابية
بيروت – يفصل اللبنانيين أقل من شهر واحد عن موعد إغلاق باب الترشح للانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في شهر مايو المقبل، بعد انقضاء نصف المهلة المحددة من 10 يناير إلى 15 مارس. ومع ذلك ثلاث نساء فقط سجلن ترشيحهن حتى الآن على مستوى البلاد ككل.
وعلى الرغم من أن الأيام المقبلة قد تبدل المشهد والأرقام، لا سيما وأنه درجت العادة في لبنان أن يتأخر المرشحون في التسجيل بانتظار وضوح التحالفات والمنافسات، إلا أن انخفاض نسبة مشاركة النساء في الحياة السياسية اللبنانية تمثل واقعاً تاريخياً في البلاد، ومن غير المتوقع أن يشهد استثناءً في هذه الدورة الانتخابية، نظراً لحجم العوائق التي ما زالت تحيط بانخراط المرأة في العمل السياسي، وانعدام الإرادة لدى السلطة السياسية في البلاد على إزالتها.
امرأة واحدة خلال نصف قرن
وبينما أعطيت المرأة اللبنانية حق الاقتراع والترشح في مرحلة مبكرة من عمر الجمهورية اللبنانية، عام 1953، استطاعت امرأة واحدة دخول المجلس النيابي منذ استقلال لبنان عام 1943 وحتى انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1992، وهي ميرنا البستاني، التي وصلت إلى مجلس النواب خلفاً لوالدها، النائب إميل البستاني، بعد وفاته عام 1963، واستمرت في النيابة عاماً واحداً فقط.
وبعد العام 1992 لم يتبدل الواقع كثيراً، حيث ارتفع عدد النساء في البرلمان اللبناني في الدورة الأولى بعد الحرب الأهلية إلى ثلاث من أصل ست مرشحات فقط، مع العلم أن مجلس النواب اللبناني يتألف من 128 مقعداً.
وبقي العدد ذاته مع انتخابات عام 2000، فيما ارتفع العدد إلى ست من أصل 16 مرشحة خلال انتخابات العام 2005، وفي العام 2009 انخفض العدد إلى أربع من أصل 13 مرشحة.
حالياً وبعد انتخابات عام 2018، يضم مجلس النواب اللبناني ست نساء فقط من أصل 86 مرشحة، أي ما يعادل 4.6 في المئة من نسبة التمثيل، ما يشير بوضوح إلى حجم التهميش الذي يطال المرأة في الحياة السياسية اللبنانية حيث لم يصل إلى المجلس النيابي إلا 14 سيدة على مدى نحو 80 عاماً.
والتهميش لا يقتصر على عدد النساء في البرلمان وحسب، بل يتعداه إلى طريقة وصول معظم السيدات إلى القبة البرلمانية في تلك المرحلة، وذلك إما عن طريق وراثة الرجل في غياب أو صغر سن الوريث الذكر، كما كان الحال مع ميرنا البستاني ونايلة معوض ونهاد سعيد وصولانج الجميل ونايلة التويني، وإما عن طريق العائلية السياسية، كما هو الحال مع بهية الحريري وستريدا جعجع.
ويحتل لبنان المرتبة 18 بين الدول العربية لناحية عدد النساء في المجالس النيابية، بحسب أرقام الاتحاد البرلماني الدولي، في حين أنه من بين الدول العربية القليلة التي لم تخصص بعد كوتا نسائية في مجلسها النيابي ولا تفرض حصة نسائية على لوائح المرشحين في القانون الانتخابي.
العرقلة مستمرة
وبسبب هذا الواقع، تركزت المطالبة في السنوات الماضية على تخصيص كوتا نسائية ثابتة العدد في المجلس النيابي اللبناني، وقد تقدمت جهات عدة بمشاريع واقتراحات قوانين في هذا الصدد تمايزت عن بعضها البعض في عدد المقاعد ونسبة التمثيل النسائي (ما بين 30 في المئة من المجلس، و20 و24 و26 مقعداً من أصل 128)، وذلك في سبيل التعويض عن التغييب التاريخي للمرأة عن التمثيل السياسي.
وعلى الرغم من وجود انتقادات كثيرة للكوتا من قبل مناصري مشاركة المرأة في الحياة السياسية، باعتبارها إجحافاً بحق المرأة ومحاصرتها بعدد محدود من المقاعد، إلا أن أياً من الاقتراحات لم يسلك طريقه نحو الإقرار في مجلس النواب اللبناني.
حيث وصل القانون إلى مرحلة متقدمة عندما طرح على المجلس بصفة معجل مكرر وأعيد ترحيله إلى اللجان النيابية لمزيد من المراجعة، ما يعني أنه لن يعتمد في الانتخابات المقبلة ليبقى البت فيه بيد المجلس القادم، الذي، إذا ما أقره، سيجري العمل فيه بعد أربع سنوات، موعد الانتخابات النيابية المقبلة 2026.
ليبقى في التداول اقتراح قانون واحد للكوتا، تقدمت به اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، ولا يزال الاقتراح نائما في الأدراج، الأمر الذي يشير بوضوح إلى “عدم وجود نية حقيقية لدى السلطة الحاكمة في لبنان لإقرار مبدأ الكوتا النسائية”، وفق ما تؤكد أمينة سر الهيئة الوطنية لشؤون المرأة، رندا عبود، في حديثها لموقع “الحرة”.
وتشرح عبود أن اقتراح الهيئة المقدم إلى المجلس النيابي يراعي في تفاصيله “مخاوف الأحزاب” ومطالبها فيما يخص الكوتا، لاسيما من ناحية عدد المقاعد في كل المناطق ومراعاة التوزيع الطائفي والمنظومة اللبنانية القائمة.
وتضيف “قلنا إن هذه المقاعد تتنافس مع بعضها البعض على النظام الأكثري، وهنا تصبح المرأة حمالة أصوات للأحزاب ورافعة، بدلا من أن تكون عائقاً انتخابياً في القانون الحالي الذي تحتاج فيه حاصلاً لتنجح”.
وتقول أمينة سر الهيئة الوطنية لشؤون المرأة: “اختاروا تمييع الموضوع خوفاً من أن المشاركة الفاعلة للمرأة قد تأخذ من طريقهم مقاعد نيابية، فيما أحزاب السلطة تعاني اليوم من وضع انتخابي حرج، وليست بوارِد ‘المغامرة’ بالحواصل الانتخابية لصالح إشراك المرأة في اللعبة السياسية”.
وتؤكد عبود عدم وجود نية بالأصل لدى مجلس النواب والسلطة السياسية، لمناقشة هذا التعديل على الحياة السياسية وإدخال المرأة إليها، ولهذا السبب سقطت كل القوانين بذرائع عدة، ونام اقتراح الهيئة الوطنية في الأدراج.
ويطبق لبنان، منذ الانتخابات الماضية 2018، قانونًا نسبيًّا للانتخابات النيابية يجمع بين اللائحة المغلقة في 15 دائرة، وبين الصوت التفضيلي الواحد ضمن القضاء، إلا أنه لا يعتمد إجراءات لتعزيز مكانة المرأة في الميدان العام.
من جهتها، ترى المرشحة عن دائرة بيروت الثانية، خلود الوتار، وهي واحدة من ثلاث نساء ترشحن حتى الآن للانتخابات النيابية المقبلة، أن مشكلة المرأة في الحياة السياسية اللبنانية تكمن في كون “أركان السلطة الحاليين الذين يتقاسمون مناصب البلد ومراكز صناعة القرار فيه، هم أنفسهم المسؤولون عن الحرب الأهلية، وفي الحرب الأهلية اللبنانية لم يكن هناك حضور للنساء، وبالتالي حين انبثقت سلطة ما بعد الحرب لم تحضر المرأة بين أركانها، ولا تزال مغيبة حتى داخل الأحزاب الطائفية في لبنان أو في واجهتها”.
وتضيف الوتار أن هذه الأحزاب هي نفسها التي كان يفترض أن تصوت لصالح إقرار الكوتا، “ولأنها تفتقد في تركيبتها إلى العنصر النسائي الفاعل، تعلم أن الحصة النسائية لن تكون من مصلحتها، وإنما ستأخذ من حصص رجالهم، وأغلبهم رجال أعمال وممولو الحملات الانتخابية، الأحزاب لن تتخلى عنهم من أجل كوتا نسائية”.
ثالوث العوائق: المال والقانون والمجتمع
ويمثل العائق المالي، أول وأبرز العثرات في طريق النساء للمشاركة في الحياة السياسية اللبنانية، حيث إن الوصول إلى المقاعد النيابية في لبنان، عادة ما يكون مشروعاً مكلفاً يدفع فيه المرشحون ملايين الدولارات في الدعايات والرشاوى الانتخابية، وتمويل الحملات الانتخابية للأحزاب من أجل الوصول إلى المقعد النيابي.
وهذا ما يمنح الرجال في لبنان أفضلية كبيرة على النساء، نظراً للهيمنة الاقتصادية التي يسهلها المجتمع وسوق العمل للرجل، مضاف إليها تمييز سلبي في القوانين، يتراكم بحسب عبود، ويضع المرأة بدرجة متأخرة عن الرجل في المجتمع، “وينعكس ذلك في خوض المعترك السياسي، حيث أن المال أساس في أي معركة انتخابية وفي هذا السياق الرجل متقدم أضعاف الأضعاف”.
عبود تضرب مثالا بعدد من القوانين من بينها عدم قدرة المرأة على منح جنسيتها لأولادها، والتمييز الذي يطالها في قوانين الأحوال الشخصية، أو حتى قانون الإرث، الذي يحرم النساء من ثروات عائلاتهم ويعطي النسبة الأكبر منها للرجل، مما يساهم في الحد من قدراتها المادية لصالح الرجل.
“أنا اليوم مطلوب مني أن أدفع 30 ألف دولار من أجل الظهور في ساعة تلفزيونية إعلانية، واللوحة الاعلانية الواحدة في الشارع تكلف 2500 دولار، وفي الموسم تصل إلى سعر 5000 دولار، فيما الناس تموت جوعاً في الشوارع في أكبر أزمة اقتصادية بتاريخ البلاد، حتى لو توفر المال معي، بأي ضمير أدفعه للترويج؟” تسأل الوتار.
بدورها، المرشحة جوزفين زغيب، وهي أيضاً من أول المرشحات للانتخابات النيابية عن منطقة كسروان جبيل، تؤكد أن إلزامية دفع 30 مليون ليرة غير قابلة للاسترداد، يمثل واحدة من أكبر العقبات أمام النساء، خاصة مع القانون الحالي الذي يفرض الدخول في لوائح بعد الترشح، فيما حظوظ النساء أضعف في الانخراط باللوائح، ما يعني احتمالية أكبر لخسارة المبلغ المالي قبل دخول المعركة الانتخابية حتى”، لافتةً إلى أن “القانون الانتخابي غير صديق للمرأة بتاتاً”.
“أضف إلى كل ذلك، النظرة الإعلامية للمرأة، التي لا تظهرها بالمظهر السياسي المطلوب والمساوي للرجل، كسؤالها الدائم عن إمكانية التوفيق ما بين السياسة ومهامها العائلية، في حين لا يسأل الرجل السؤال ذاته”، بحسب زغيب.
وفي هذا السياق تقول عبود إن “لبنان لديه إشكالية اجتماعية على مر التاريخ تتمثل في النظرة الذكورية الموجودة عند الرجال والنساء على حد سواء تجاه المرأة، حيث لا يزال المجتمع يرى المرأة ككائن ضعيف ويحطم مبادراتها تحت هذه الذرائع، ولتتمكن من إصلاحها وإحداث التغيير يجب التغيير عبر القانون لتسريع فترة هذا التغيير، ولذلك نحتاج العمل على ما يسمى ‘التمييز الإيجابي’، كموضوع الكوتا النسائية، الذي يدفع الناخب والمرشح على حد سواء لإنصاف واقع التمثيل النسائي”.
وتتابع “المسؤول عن إقرار هذه القوانين وإحداث هذا التمييز الإيجابي هو مجلس النواب، الذي يضم أركان السلطة الحاكمة المنبثقة من لب هذا المجتمع ونظرته الذكورية، وهنا بحاجة إلى قرار من السلطة نفسها للخروج من الدوامة وتغيير الذهنية الاجتماعية المتقوقعة، بدلاً من استمرار نظرتها إلى المرأة على أنها بحاجة ‘تمكين وتحضير’، وكأن الرجل يصل إلى مراكز القرار جاهزاً حاضراً منذ أن ولد؟ فيما الواقع يقول إن معظم الرجال الذين يعملون في الشأن السياسي يتلقون دورات تدريبية سراً، لا عيب في الأمر، ولكن دون تمييز بين امرأة ورجل”.
المرأة لا تقترع للمرأة؟
وبالإضافة إلى كل ما سبق، تواجه النساء المرشحات مشكلة في اكتساب ثقة الناخب اللبناني، وأظهرت انتخابات العام 2018 هذا الواقع الذي أوصل ست نساء فقط من أصل 86 مرشحة، حتى أن أقلام الاقتراع المخصصة للنساء في الدوائر التي تشهد ترشحاً نسائياً، لم تحظ بدعم نسائي خاص، ويعود ذلك لأسباب عدة، أبرزها تقدم الولاء السياسي على البعد الجندري لدى الناخب.
وهذا ناتج عن نظرة الناخب اللبناني إلى ممثله السياسي، بحسب الوتار، حيث “اعتاد اللبناني البحث في المرشح عن الحماية التي يؤمنها له، لا يهم حماية من ماذا، ولكن النسبة الأكبر تقترع لمن برأيها قادر على حمايتها لاسيما طائفيا، والمرأة ليست خيارا متقدما في هذا المعيار، خاصة ان مفهوم الحماية يتطلب القدرة المادية والمركز الاجتماعي المرموق، وبالتالي هناك صورة معممة للمرشح، لم تتخطاها نسبة كبيرة من الناس لصالح صورة جديدة لمن يمثل مصالحهم في البرلمان”.
في المقابل لا توافق زغيب على القول أن المرأة اللبنانية لا تمنح ثقتها للمرأة المرشحة، وترى لو أن الناخب اللبناني سبق له ان اختبر المرأة، كان سيمنحها الثقة، “لكن الأحزاب السياسية على مر العقود الماضية لم تدفع بالمرأة إلى الواجهة السياسية، وفي الانتخابات الماضية كمثال، الأحزاب دفعت بممثليها الرجال للحصول على الصوت التفضيلي، ولو اعطيت للمرأة لكانت وصلت، وهنا تصبح المشكلة مع المنظومة السياسية وليس مع المرأة او الناخب، والدليل انه من أصل 86 امرأة مرشحة كان هناك 10 فقط للأحزاب السياسية والبقية إما مستقلات أو على لوائح المجتمع المدني.”
وتضيف “أما الدليل على أن الشعب اللبناني يثق بالمرأة يظهر في الانتخابات البلدية، حيث وصلت نسبة كبيرة من السيدات إلى مجالس البلديات عام 2010 و2016، ولكن في الانتخابات النيابية التي نظمتها السلطة وفق قانون على قياسها لم يلحظ حظوظاً للسيدات”.
أمل بالتغيير؟
تعبر أمينة سر الهيئة الوطنية للمرأة عن تفاؤلها لناحية عدد النساء اللواتي سيترشحن للانتخابات في الأيام المقبلة، وترى أن ضعف الإقبال الحالي سببه الجو العام التشاؤمي في البلاد، لناحية مصير الانتخابات وموعد اجراءها، “ولكن يمكننا النظر إلى أول المتقدمين كن من النساء وهذا بحد ذاته تقدم”.
الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، يؤكد أن البرودة السائدة في حركة الترشح، لها أسباب عدة من بينها الضبابية المسيطرة على المشهد السياسي، إضافة إلى ارتفاع رسم الترشح من 8 ملايين ليرة إلى 30 مليوناً، فضلاً عن فارق في مدة فتح باب الترشح واغلاقه، فبينما حدد عام 2018 بشهر واحد، يمتد هذا العام على 65 يوماً، هذا بالإضافة إلى كون الأيام الأخيرة عادة ما تحمل العدد الأكبر من الترشيحات، حيث شهدنا 500 ترشيح في اليوم الأخير عام 2018.
لكن شمس الدين أقل تفاؤلاً لناحية أعداد المرشحين عموماً، والنساء على وجه الخصوص، حيث لا يتوقع في حديثه لموقع “الحرة” الوصول إلى عدد المرشحين في الانتخابات الماضية، 976 مرشح، “ولا حتى على صعيد النساء، فبينما فهم القانون النسبي عام 2018 على أنه يمنح حظوظا أوفر للتمثيل، ازداد معه عدد الترشيحات، فهم هذا العام أنه ليس كذلك، ولهذا السبب كانت المطالبة بالكوتا النسائية، ولكن للأسف لم تبصر النور.”
وعلى الرغم من هذا الواقع، يبقى لدى كل من زغيب والوتار، أمل بتغييره، معقود على الدور الذي لعبته المرأة خلال السنوات الأربع الأخيرة، لاسيما بعدما تصدرت المشهد خلال ثورة ’17 تشرين’ (أكتوبر) وما بعدها، في النقاش السياسي والاجتماعي والاقتصادي وعلى الشاشات وفي الشارع.
وهو ما “شكل لدى الناخب اللبناني وعي معين، لا يظهر حقيقة تأثيره إلا يوم الانتخابات، إذ قد تحمل الازمة الاقتصادية صفعة تحتم على الناخب إعادة النظر بخياراته السابقة، بحسب الوتار، فيما تشير زغيب إلى الناخب شاهد أيضاً في المقابل كيف استمرت أحزاب السلطة قبل الثورة وبعدها في تهميش المرأة والحد من دورها.