#مقالات | خالد اسنافي الفالح: “لمن يهمّه الأمر”
لم تعد الوسائل الإعلامية محصورة في نسختها التقليدية؛ الصحيفة والإذاعة والتلفاز، إنما صارت الوسائط الاجتماعية جزءاً حيويًّا منها.
ولم يعد الإعلام محصوراً في هدف الإخبار والتسلية عبر وسائله التقليدية، بل صار يُستخدم في التعبئة؛ هذا المفهوم العسكري الذي يعني التهيئة والإعداد والتحشيد مجتمعين.
وتتحقّق التعبئة عبر حملات مدروسة متتابعة، تتغيّى تلك المعاني.
كانت القصيدة هي الإعلام في زمن ما قبل الثورة الصناعية، أما في عصر ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فالإعلام هو نحن، أنا وأنت.
إذاً، نحن نُستخدم في التعبئة! كيف؟
نحن نَستخدم الوسائط الاجتماعية -(تُوِتَرْ) مثلاً- في التعليق على الأحداث.
توفّر هذه المنصّة -الأكبر تأثيراً في الكويت- مساحة “افتراضية” صُغرى للتنفيس السّريع.
وهناك 3 حالات في الإنضمام لها: إما بتأسيس حساب حقيقي، أو افتراضي، أو وهمي.
الحقيقي: أنت من يستخدمه ويديره، ويحمل اسمك الصريح وصورتك الشخصية.
الافتراضي: أنت من يستخدمه ويديره، ويحمل اسماً مستعاراً وصورة متخيّلة.
الوهمي: تستخدمه وتديره مجموعة أفراد، يحمل اسماً واقعياً هو ليس لأحد المستخدمين! ويحمل صورة حقيقية ليست هي صورتهم! ويأخذ مظهر أحد الحالتين السابقتين.
وفي حين يكون الحساب الحقيقي غير قابل للتعدد، يكون الافتراضي قابلاً للتعدّد المحدود (لارتباطه بشخص واحد يدير تلك الحسابات، وقدرته في الإدارة محدودة)، بينما الوهمي قابل للتعدد اللانهائي! وهذا النوع هو أداة التعبئة.
تمتاز الحسابات الوهمية بقدرتها على الإيهام! فهي بخلاف الحسابات الآلية المبرمجة على التفاعل المحدود (كالتّعليق دون الرد)، تشعرك الحسابات الوهمية بحقيقيّتها، فهناك إنسان ما، هو يقيناً ليس صاحب اسم الحساب ولا صورته، يتفاعل معك بالأخذ والرد والمحاورة والجدال، هو قادر على إقناعك بأنه ينتمي إلى (أ) أو (ب) أو (ج) من الشعوب أو الفئات، كأن من يديره ممثل بارع، يتقن اللهجات والثقافات الفرعية على الرغم من كونه لا ينتمي لها فعلاً.
تمارس هذه الحسابات لعبتها لإثارتنا بغرض توجيهنا، تجد مثلاً حساباً وهمياً ذو طابع كويتي، يعرض صورة جغرافية ذات تعليق يبدو بريئاً ومحايداً: “حدود الكويت في عام 1913”! ويترافق هذا الفعل مع لحظة تتعاظم فيها ردود الأفعال الشعبية الحانقة على ضعف الحكومة أمام الوافدين مثلاً، وخلال أسبوع تجد الصورة تتكرر من حسابات حقيقية وبتعليقات “نوستالجية” وجدال غير موضوعي بين مَن مِن المفترض أن يكونوا شعبين خليجيين “شقيقين”لا شعباً واحداً بمظهرين مختلفين!
ويصل رد مستفز من حساب افتراضي يظهر أحد الحكام الراحلين بصورة البخيل أو الضعيف أو الأبله!.
وبعد شهر تجد حساباً ذو طابع إخباري يحمل فيديو يعرض دور الكويت في تنمية المجتمعات المحيطة، وعليه إبداعات من ردود التلامز والتنابز و”التخازز” والمنّ والأذى.
شهران آخران ويظهر جاسوس “مزروع” بحساب يبدو حقيقي ويذكر في تغريدة واحدة اسم (#الكويت)، ليتحرّك هرمون الأدرينالين الوطني في معجم ذاكرة “المُتَوْتِرين”وأناملهم لتأتي بأقسى الألفاظ وتلكمه بها.
فعند “حدود” “الكويت”، ليذهب التعاون الخليجي إلى حيث ألقت! وليأخذ لحمة الأواصر الاجتماعية معه.
هكذا تستخدمنا الأنظمة المسيطرة على (تُوِتَرْ) في التعبئة والتعبئة المضادة لنكون الألغام التي تتفجّر في جسد المجتمع الخليجي.
إن القانون الأول لنيوتن؛ لم يكتفِ الزمن النسبي بتحييده في مكانه الأرضي، بل عمل على تشظيته في المكان، حتى لم يعد “لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه”، بل صار لكل رد فعل ردة فعل تعلوه في المقدار وتأتيه من كل اتجاه! لتكبر كرة الثلج المتدحرجة على الجليد المنهار حتى تكاد لا تُبقي ولا تذر!
مثل شعبي:
الحقران يقطّع المصران