آراء

#مقالات | منيفة العازمي .. تكتب : “بقعة ضوء”

عندما تغلق الابواب وتتوارى أشعة الشمس عن الظهور ، عندما نتعرض لخلاف يشوه وجه الحقيقة ويخفي ما تلوذ به الصدور حينها نحتاج الى ” بقعة ضوء ” .

للحياة أوجه عديدة ولكنها حين تظهر وجه الخلاف هنا يبدو عليها البشاعة والقبح الشديد ، لانها لا تدع للصلح مجال ولكنها تسد الطريق وتدفع بالانسان الى المواجهة مع الطرف الاخر رغماً عنه ، الاختلاف سنة الحياة ومظهرها الصحي الطبيعي فكلنا نختلف عن بعضنا البعض ولكن أن يقع الخلاف بسبب هذا الاختلاف هنا نتعرض للعيش تحت وطئة الصراع والمشادات التي تعكر صفو الحياة .

فالخلاف يعمي الابصار ويوصد نوافذ الفكر ويعوق العقلانية للظهور ويمنع التأني من المرور عبر حبال الفكر ، وهو الذي يؤجج الصراعات الجاهلية للحياة بعد وأدها وهو الذي يعمق أواصر الرد بالمثل بل اشد في كل جانب ، الخلاف داء العصور منذ القدم وهو ينبوع التأخر في أي حضارة عبر التاريخ فهو السبب الرئيسي للتفرقة ، وهو الوحيد القادر على الاطاحة بأفضل الجماعات وأقواها .

قد نتعرض لمواقف فردية تنتج عن خلافات بسيطة ولكنها مع الوقت تتحول الى قناعات ومبادئ يعتنقها افراد وتتبناها جماعات تأتي بالاخضر واليابس لعمى أصاب اصحابها ، الخلافات تدمر البصر وتقضي على البصيرة وترفع سقف الصراعات لتمتد عبر أزمنة عديدة باسم الطائفية المزيفة والكرامة المزعومة والكبرياء المدمر .

وقد نخوض في نقاشات تتحول مع الوقت الى سجالات ليس لها بداية ولا نهاية الا الوصول لخط الفوز المزعوم ، فينتج عنها خلافات فردية تغير مسار العلاقة الودية لتصبح ذات طابع خلافي قبيح ، وقد نكون غير راغبين بهذا المسار وغير مسرورين بهذا النتاج المعلن ولكنها طبيعة الخوض بأي خلاف كان ، وهي حصاده المعهود ونتيجته المتوقعة بلا ادنى شك .

الخلاف يدمر العلاقات بل يقضي عليها ويوقظ سبات الشياطين لترتقي سلم التفاني في تشويه الطيب من المواقف وتعري العديد من الاشخاص عن حقيقتهم الظاهرة الى أقنعة متعددة بعيدة عن الصواب غالباً ، الخلاف يغير مسمى الاشياء لتبدو بمظاهر أخرى خالية من الود وبعيدة كل البعد عن التفكير الصحيح والحدس الثاقب .

الخلاف يمزق صفحات الصلح ويشوه الحقائق ، ويعرقل مسارات الرحمة والتآلف لتحل محلها طرق الكراهية التي تخنق صاحبها ليلتف بحبل العجز عن العودة لما كان عليه من ود وتراحم ووفاق ، وهو المقيد لأيدي الأشخاص في مد جسور التعاون والتلاحم لتبني سجون البغض والعصبية العمياء لأطراف وأشخاص ومعتقدات بالية لا تقدم ولا تؤخر .

الخلاف منصة التعساء وطعام الضعفاء وحبر المتوارين خلف أسوار الغير ، فالخلاف لا يولد الا الضعف فلامكان فيه لأي شجاع ولأي صاحب حق وهو ملاذ المتنفعين ، وهو الذي يوقع العديد من الاشخاص ولكنه لا يصمد أمام القمم التي تتغاضى عن كل خلاف وتترك الصراعات لاصحاب الاهواء ولاصحاب المنافع الدنيوية .

الخلاف يوقع صاحبه في حفرة الظلام الدامس ، ليبحث عن بصيص نور ، وهو الذي يقتل كل محاولات الهدنة السلمية التي تنشر الفرح والسرور في نفوس الجميع .

منيفة العازمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

زر الذهاب إلى الأعلى