#مقالات | منيفة العازمي: “يتم من نوع آخر”
أعرفه منذ نعومة أظفاري رجل كريم ذو قلب رحيم ويد معطاءة ، تربيت في كنفه سنوات عديدة أعلم عنه الرفق والروح المرحة والوجه البشوش والنفس الطيبة التي لا تبخل ولا تحب البخل ، يحبه الجميع ويترقب وجوده الصغار والكبار ، رجل أمي لم تسعفه السنين لينهل من العلم ولكنه بطبعه الحنون ونفسه الجميلة فاق العديد من الرجال المتعلمين .
تعرض منذ فترة ليست بالقصيرة لمرض ألم به مما اقعده الفراش وأدخل بعدها المستشفى ، كبر سنه كان أحد العوامل التي كانت لزاماً على أن يدخل المستشفى لينال الرعاية الطبية المثلى ، بعزيمة قوية وروح مناضلة تلقى العلاج واستقرت حالته وتماثل للشفاء وخرج من المستشفى وقد ترك خلفه تجربة مرضية لا تنسى فكل من في المستشفى يذكره بخير ويثني عليه بالكثير من الكلمات الطيبة .
ولكنه وبعد ما مر به ، وافته المنية وهو في بيته وبين أبنائه ليغادر الدنيا وقد أخذ منها الكثير وأعطاها من عمره الكثير ، توفي وقد ترك خلفه العديد من الابناء الذي يفتقدون وجوده ويستأنسون بحديثه ويشتاقون لرؤيته فلم يكن أبناؤه الوحيدون الذين شملتهم صفة اليتم فقد تعرض العديد من البنين ليتم من نوع آخر .
تربطني به صلة قرابة من رحم ونسب ، أعرفه ولذلك أتحدث عنه عن قرب وقد ألفت حديثه وعرفت مناقبه وأحببت مرافقته ، فمنذ صغري وأنا أرقب ضحكاته المتواصلة وروحه المرحة وبشاشته المعهودة التي ينشرها في أي مكان يتواجد به ، أكتب عنه وقد ساد الحنين بقلبي وزاد الأسى لفراقه بروحي وتعبت عيناي من البحث عن تقاطيع وجه أعرفها وأبحث عنها منذ رحيله .
كان ذو روح خفيفة الظل وسمت محبب ذو اعتدال في كل شي ، كان ذو عقل راجح وروح شابة لا تعرف الهرم ولا تشيخ وان زادت السنون ، كان يعطي بلا منة ويكرم من سأله بلا تردد ، وكان ذو حس بالفكاهة لا يمل ، كان بمجرد وجوده يتغير الجو العام فيتحول فوراً لجو مليء بالفرح والبهجة ، كان المفضل عند الجميع والمقرب منهم كيف لا ؟؟ !!! وهو كما كان سابقاً بل أكثر .
أكتب عنه لعلني أخفف ألماً ساد بفقدانه ، ولعلي أسري عن نفوس حزينة لرحيله ، ولعلي بما قد ذكرت عنه أن يكون ذكرى جميلة وسيرة حسنة لمن بعده ليقتدوا به وليكونوا من الذين أحبوا ذكراه ، ومشوا على نهجه وأخلاقه وان لم يعرفوه ، نعم الرجل معرفته ونعم القرابة والصلة به ونعم الذكريات والكلمات التي تخط لاجله .
فالذكريات تلاحقنا والامنيات عجزت عن تحقيق المعجزات ولكننا نعلم يقيناً بأن في التحدث عمن نحب هو في حد ذاته صلة وقربة وهو بحد ذاته تسرية وتعزية بفقدان من نحب ، وزرع للغرس الذي أوجدوه بنا وظهور لكل عطاء أمدوه للجميع ، وهو بحد ذاته رحمة وايجادا ً لطريق آخر من طرق البر بهم.