ترند

«نيو جبلة»… أزمات المجتمع الكويتي على سطح المريخ

«نيو جبلة»، عرض مسرحي حلّق بالجمهور الكويتي في كوكب المريخ!

فقد انطلق العرض الأول للمسرحية، الأربعاء الماضي، على «مسرح الدراما» في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور حشد غفير من الجمهور، الذي تسمر على مقاعده لساعتين من الزمن، تخللهما الكثير من «القفشات» الكوميدية والإسقاطات السياسية والاجتماعية، فضلاً عن آخر «الهبّات» والأزمات في المجتمع، مثل أزمة الأمطار وتطاير الحصى، النسب والأصول، التمسك بالماضي والانجراف خلف الحداثة والتطور، بالإضافة إلى الفروقات الطبقية. وحزمة أخرى من الموضوعات التي تلامس الواقع الكويتي.

كما تطرقت المسرحية، التي تقدم عروضاً إضافية من 11 إلى 14 الجاري، إلى موضوعات عدة مثل قانون التقشف، الذي ألقى بظلاله على مؤسسات الدولة، إلى حد أن الناس صاروا يشربون «الشاي» بالقطارة، بدلاً من «البيالة». ولم يغفل العرض تسليط الضوء على حقوق الخدم، ممن يكابد البعض منهم معاملة سيئة للغاية، إلى جانب حرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، على غرار حرمانهم من الاحتفاظ بجواز السفر.

 

 

«نيو جبلة» من تأليف سعود السنعوسي ومن إخراج جوليان ويبر، في حين تشارك في بطولتها كوكبة كبيرة من الفنانين، على رأسهم الفنان القدير سعد الفرج والفنان عبدالرحمن العقل، إلى جانب كل من زهرة الخرجي وعبير أحمد وعبدالله الخضر وحبيب جمعة وزينب أحمد وولاء الصراف ونسرين سروري ويونس الشرهان.

تبدأ أحداث المسرحية، بعد كارثة مدمرة تصيب كوكب الأرض، حيث يهاجر الكويتيون إلى كوكب زحل، بينما تسارع الدول المتقدمة بإرسال مواطنيها إلى كوكب المريخ، إذ تتحقق المساواة والعدالة الاجتماعية في الكوكب الجديد. ومن بين أفواج البشر المهاجرة إلى المريخ، تتسلل بعض العائلات الكويتية إلى الكوكب طمعاً في مكتسباته العادلة. لكن، وعلى الرغم من التطور الكبير، إلا أن هذه العائلات لم تتآلف مع النظام الجديد في المريخ، حيث أقامت حول منطقتها جداراً ضخماً ينأى بها عن محيطها المريخي المختلف.

ففي «نيو جبلة»، تلك المدينة المُقامة داخل الجدار في المريخ، تنشأ علاقة حب بين «جاسم» و«سلوى»، اللذين يحلمان بالزواج لولا حيلولة أهلهما دون حصول هذا الزواج خضوعاً للعادات والتقاليد القديمة، إذ يسعى والد سلوى «طمام المرحوم» بكل السبل إلى إفشال الزيجة، بالاتفاق مع «الملاج الدجال – بوبدر الصملة»، الذي يستدعيه «طمام المرحوم» من كوكب زحل.

بين الرغبة في تخطي السور وعاداته الأرضية، وبين الخوف من التحول إلى غبار كوني يُنسى في الفضاء الواسع، غير أن «جاسم» ينجح أخيراً في الزواج من «سلوى»، بالرغم من تعلّق «العم طمام المرحوم» وزوجته «تيتي مثل ما رحتي جيتي» بالعادات والتقاليد والموروث القديم، إلى جانب تشبث «العم هامور بن مجنز» وزوجته «بيزة الخرداوي» بالماضي الموروث.

العرض بمجمله، كان غزيراً بالمفاجآت والأحداث التي لم نتعوّد عليها في العروض التقليدية، حيث خطف القلوب والأبصار منذ الاستهلال، بدءاً من الديكورات التي كانت تتحرك بانسيابية شديدة، إذ يُحسب لمدير التصميم ليو وارنر ومصممة المشاهد كلاوديا فراغوسو هذه الاحترافية، والتي تجلت في تصميم «المكوك» وانبعاث الدخان منه فور إقلاعه، فضلاً عن سرعة التنقل من مشهد إلى آخر، من الأرض إلى المريخ، ومن داخل القصر إلى خارج السور أو (الجدار الضخم)، الذي يفصل بين الأسوياء والمجانين من الكواكب الأخرى، حيث بدا «مسرح الدراما» في المركز كما لو أنه «مكوك فضائي» يحمل على متنه المئات من الحاضرين.

أما الإضاءة التي صممها جيمس فرانكومبي، فهي حكاية في حد ذاتها، وبدت كمجرة سحرية تلقي بأضوائها الحمراء والزرقاء والبيضاء، بحسب الحدث، والمكان والزمان. عطفاً على تصميم الرقصات للسكان الافتراضيين في كوكب «المريخ»، والتي تألق بها المصمم أحمد الخميس، إلى جانب الأزياء من المصممة فوتيني ديمو، إذ كانت ملائمة جداً لجوقة الراقصين خلال وصلات الاستعراض، لا سيما في رقصة «العصر الذهبي» ورقصة «الزفة الكويتية»، التي كانت مسك ختام العرض.

في ما يتعلق بهندسة الصوت، فبلا شك أن ما قدمه المصمم ماكس بيبنهايم أحدث نقلة نوعية في الهندسة الصوتية للمسرح الكويتي، خصوصاً لناحية إخفاء «الميكروفات» بطريقة احترافية في ثياب الممثلين، من دون المساس بجودة الصوت، أو التأثير على الأداء.

كما يُحسب لنجوم المسرحية، هذه البراعة في الأداء، وعلى رأسهم الفنان القدير سعد الفرج، حيث أدّى دور «العم طمام المرحوم»، زوج «تيتي» (عبير أحمد)، وهو الأب الذي يتشدق كثيراً بحسبه ونسبه، ويرفض في بادئ الأمر تزويج ابنته سلوى (زينب أحمد) من جاسم (حبيب جمعة)، بالرغم من أن والده هو الرجل الثري هامور بن مجنز (عبدالرحمن العقل) وأمه بيزة الخرداوي (زهرة الخرجي).

ولعل الفنان عبدالله الخضر كان النجم الأبرز في المسرحية، من خلال أدائه لدور «الملاج الدجال – بوبدر الصملة»، إذ قدم وصلات من الضحك، صفق لها الجمهور غير ذي مرة. في حين أبدعت المغنية ولاء الصراف بالغناء «اللايف» لثلاث لوحات، أولها في مقدمة العرض المسرحي بعنوان «موعد الرحيل»، وثانيها في منتصف العرض بعنوان «العصر الذهبي»، إلى جانب لوحة «الزفة الكويتية» التي كانت مسك الختام.

كذلك شاركت الصراف كممثلة في «نيو جبلة» عبر أدائها لدور «هالة»، وتعد هذه التجربة الثانية لها في التمثيل، بعد تمثيلها للمرة الأولى في «مذكرات بحار».

أما الفنانة البحرينية نسرين سروري والفنان الشاب يونس الشرهان، فقد كانا ثنائياً ناجحاً في تجسيدهما لدور الخادمين «ميري لا كشمي» و«بابو راجا»، حيث قدما رسالة واضحة إلى الجمهور مفادها: «الرفق بالخدم».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى